تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَۖ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِبَعِيدٖ} (83)

{ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ } أي : معلمة ، عليها علامة العذاب والغضب ، { وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ } الذين يشابهون لفعل قوم لوط { بِبَعِيدٍ } فليحذر العباد ، أن يفعلوا كفعلهم ، لئلا يصيبهم ما أصابهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَۖ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِبَعِيدٖ} (83)

والمسوّمَة : التي لها سِيما ، وهي العلامة . والعلامات توضع لأغراض ، منها عدم الاشتباه ، ومنها سهولة الإحضار ، وهو هنا مكنّى به عن المُعدّة المهيّئة لأن الإعداد من لوازم التوسيم بقرينة قوله : { عند ربك } لأن تسويمها عند الله هو تقديره إياها لهم .

وضمير { وما هي } يصلح لأن يعود إلى ما عادت إليه الضمائر المجرورة قبله وهي المدينة ، فيكون المعنى وما تلك القرية ببعيد من المشركين ، أي العرب ، فمن شاء فليذهب إليها فينظر مصيرها ، فالمراد البعد المكانيّ . ويصلح لأن يعود إلى الحجارة ، أي وما تلك الحجارة ببعيد ، أي أنّ الله قادر على أن يرمي المشركين بمثلها . والبعد بمعنى تعذّر الحصول ونفيه بإمكان حصوله . وهذا من الكلام الموجّه مع صحة المعنيين وهو بعيد .

وجرّد { بعيد } عن تاء التأنيث مع كونه خبراً عن الحجارة وهي مؤنث لفظاً ، ومع كون { بعيد } هنا بمعنى فاعل لا بمعنى مفعول ، فالشأن أن يطابق موصوفه في تأنيثه ، ولكن العرب قد يجرون فعيلاً الذي بمعنى فاعل مجرى الذي بمعنى مفعول إذا جرى على مؤنث غير حقيقي التأنيث زيادة في التخفيف ، كقوله تعالى في سورة الأعراف ( 56 ) { إنّ رحمت الله قريبٌ من المحسنين } وقوله : { وما يدريك لعلّ الساعة تكون قريباً } [ الأحزاب : 63 ] وقوله : { قال مَن يُحيي العظام وهي رميم } [ يس : 78 ] . وقيل : إن قوله : { وما كانت أمك بغيا } [ مريم : 28 ] من هذا القبيل ، أي باغية . وقيل : أصله فعول بغوي فوقع إبدال وإدغام . وتأوّل الزمخشري ما هنا على أنه صفة لمحذوف ، أي بمكان بعيد ، أو بشيء بعيد عن الاحتمالين في معاد ضمير { هي } .