{ 38-40 } { وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ * وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ * فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }
أي : وكذلك ما فعلنا بعاد وثمود ، وقد علمتم قصصهم ، وتبين لكم بشيء تشاهدونه بأبصاركم من مساكنهم وآثارهم التي بانوا عنها ، وقد جاءتهم رسلهم بالآيات البينات ، المفيدة للبصيرة ، فكذبوهم وجادلوهم . { وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } حتى ظنوا أنها أفضل مما جاءتهم به الرسل .
قوله تعالى : { فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين*وعاداً وثمودا } أي : وأهلكنا عاداً وثموداً ، { وقد تبين لكم } يا أهل مكة ، { من مساكنهم } منازلهم بالحجر واليمن ، { وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل } عن سبيل الحق { وكانوا مستبصرين } قال مقاتل ، والكلبي ، وقتادة : كانوا معجبين في دينهم وضلالتهم ، يحسبون أنهم على هدى ، وهم على الباطل ، والمعنى : أنهم كانوا عند أنفسهم مستبصرين . قال الفراء : كانوا عقلاء ذوي بصائر .
قوله تعالى : " وعادا وثمود " قال الكسائي : قال بعضهم هو راجع إلى أول السورة ، أي ولقد فتنا الذين من قبلهم وفتنا عادا وثمود . قال : وأحب إلي أن يكون معطوفا على " فأخذتهم الرجفة " ، وأخذت عادا وثمودا . وزعم الزجاج : أن التقدير وأهلكنا عادا وثمود . وقيل : المعنى واذكر عادا إذ أرسلنا إليهم هودا فكذبوه فأهلكناهم وثمودا أيضا أرسلنا إليهم صالحا فكذبوه فأهلكناهم بالصيحة كما أهلكنا عادا بالريح العقيم . " وقد تبين لكم " أي تبين لكم يا معشر الكفار " من مساكنهم " بالحجر والأحقاف آيات في إهلاكهم فحذف فاعل التبين .
" وزين لهم الشيطان أعمالهم " أي أعمالهم الخسيسة فحسبوها رفيعة . " فصدهم عن السبيل " أي عن طريق الحق . " وكانوا مستبصرين " فيه قولان : أحدهما وكانوا مستبصرين في الضلالة قاله مجاهد . والثاني : كانوا مستبصرين قد عرفوا الحق من الباطل بظهور البراهين وهذا القول أشبه ؛ لأنه إنما يقال فلان مستبصر إذا عرف الشيء على الحقيقة . قال الفراء : كانوا عقلاء ذوي بصائر فلم تنفعهم بصائرهم وقيل : أتوا ما أتوا وقد تبين لهم أن عاقبتهم العذاب .
ولما كان من المقاصد العظيمة الدلالة على اتباع بعض هذه الأمم بعضاً في الخير والشر على نسق ، والجري بهم في إهلاك المكذبين وإنجاء المصدقين طبقاً عن طبق ، وكان إهلاك عاد وثمود - لما اشتهروا به من قوة الأبدان ، ومتانة الأركان - في غاية الغرابة ، وكان معنى ختام قصة مدين : فأهلكناهم ، عطف عليه على ذلك المعنى قوله : { وعاداً } أي وأهلكنا أيضاً عاداً { وثموداْ } مع ما كانوا فيه من العتو ، والتكبر والعلو { وقد تبين لكم } أي ظهر بنفسه غاية الظهور أيها العرب أمرهم { من مساكنهم } أي ما وصف من هلاكهم وما كانوا فيه من شدة الأجسام ، وسعة الأحلام ، وعلو الاهتمام ، وثقوب الأذهان ، وعظيم الشأن ، عند مروركم بتلك المساكن ، ونظركم إليها في ضربكم في التجارة إلى الشام ، فصرفوا أفكارهم في الإقبال على الاستمتاع بالعرض الفاني من هذه الدنيا ، فأملوا بعيداً ، وبنوا شديداً ، ولم يغن عنهم شيء من ذلك شيئاً من أمر الله { وزين لهم } في غاية التزيين { الشيطان } أي البعيد من الرحمة ، المحترق باللعنة ، بقوة احتياله ، ومحبوب ضلاله ومحاله { أعمالهم } أي الفاسدة ، فأقبلوا بكليتهم عليها مع العدو المبين ، وأعرضوا عن الهداة الناصحين .
ولما تسبب عن هذا التزيين منعهم لعماهم عن الصراط المستقيم قال : { فصدهم عن السبيل } أي منعهم عن سلوك الطريق الذي لا طريق إلا هو ، لكونه يوصل إلى النجاة ، وغيره يوصل إلى الهلاك ، فهو عدم بل العدم خير منه . ولما كان ذلك ربما ظن أنه لفرط غباوتهم قال : { وكانوا } أي فعل بهم الشيطان ما فعل من الإغواء والحال أنهم كانوا كوناً هم فيه في غاية التمكن { مستبصرين* } أي معدودين بين الناس من البصراء العقلاء جداً لما فاقوهم به مما يعلمون من ظاهر الحياة الدنيا ، ولم يسبقونا ، بل أوقعناهم بعملهم السيئات فيما أردنا من أنواع الهلكات ، فاحذروا مثل مصارعهم فإنكم لا تشابهونهم في القوة ، ولا تقاربونهم في العقول .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.