السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَعَادٗا وَثَمُودَاْ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَٰكِنِهِمۡۖ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَعۡمَٰلَهُمۡ فَصَدَّهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَكَانُواْ مُسۡتَبۡصِرِينَ} (38)

ولما كان معنى ختام قصة مدين فأهلكناهم عطف على ذلك المعنى قوله تعالى : { وعاداً } أي : وأهلكنا أيضاً عاداً { وثموداً } مع ما كانوا فيه من العتو والتكبر والعلوّ لأنّ من المقاصد العظيمة الدلالة على اتباع بعض هذه الأمم بعضاً في الخير والشرّ على نسق والجري بهم في إهلاك المكذبين وإنجاء المصدقين طبقاً عن طبق ، وقرأ حمزة وحفص في الوصل وثمود بغير تنوين على تأويل القبيلة وفي الوقف بسكون الدال ، والباقون بالتنوين وفي الوقف بالألف { وقد تبين لكم } أي : ما حل بهم من مساكنهم أي : ما وصف من هلاكهم وما كانوا فيه من شدّة الأجسام وسفه الأحلام وعلوّ الاهتمام وتقرب الأذهان وعظم الشأن عند مروركم بتلك المساكن ونظركم إليها في ضربكم في التجارة إلى الشام فصرفوا في الإقبال على الاستمتاع بالعرض الفاني من هذه الدنيا فأملوا بعيداً وبنوا مشيداً ولم يغن عنهم شيء من ذلك شيئاً من أمر الله { وزين لهم الشيطان } البعيد من الرحمة ، المحترق باللعنة بقوّة احتياله ومحبوب ضلاله ومحاله { أعمالهم } أي : الفاسدة من الكفر والمعاصي فأقبلوا بكليتهم عليها { فصدّهم } أي : فتسبب عن ذلك صدّهم { عن السبيل } أي : منعهم عن سلوك الطريق الذي لا طريق إلا هو لكونه يوصل إلى النجاة ، وغيره يوصل إلى الهلاك . ولما كان ذلك ربما ظنّ لفرط غباوتهم قال : { وكانوا مستبصرين } أي : معدودين بين الناس من البصراء العقلاء .