تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَآءَتۡكُمۡ جُنُودٞ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا وَجُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا} (9)

{ 9 - 11 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا }

يذكر تعالى عباده المؤمنين ، نعمته عليهم ، ويحثهم على شكرها ، حين جاءتهم جنود أهل مكة والحجاز ، من فوقهم ، وأهل نجد ، من أسفل منهم ، وتعاقدوا وتعاهدوا على استئصال الرسول والصحابة ، وذلك في وقعة الخندق .

ومالأتهم [ طوائف ]{[1]}  اليهود ، الذين حوالي المدينة ، فجاءوا بجنود عظيمة وأمم كثيرة .


[1]:- هذا التنبيه جعله الشيخ -رحمه الله- على غلاف المجلد الأول فصدرت به التفسير كما فعل -رحمه الله-.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَآءَتۡكُمۡ جُنُودٞ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا وَجُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا} (9)

قوله عز وجل :{ يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم } وذلك حين حوصر المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الخندق ، { إذ جاءتكم جنود } يعني الأحزاب ، وهم قريش ، وغطفان ، ويهود قريظة ، والنضير ، { فأرسلنا عليهم ريحاً } وهي الصبا ، قال عكرمة : قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب انطلقي ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت الشمال إن الحرة لا تسري بالليل ، وكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا آدم ، أنبأنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور " . قوله تعالى : { وجنوداً لم تروها } وهم الملائكة ، ولم تقاتل الملائكة يومئذ ، فبعث الله عليهم تلك ريحاً باردةً فقلعت الأوتاد ، وقطعت أطناب الفساطيط ، وأطفأت النيران ، وأكفأت القدور ، وجالت الخيل بعضها في بعض ، وكثر تكبير الملائكة في جوانب عسكرهم حتى كان سيد كل حي يقول : يا بني فلان هلم إلي ، فإذا اجتمعوا عنده قال : النجاء النجاء ، أتيتم لما بعث الله عليهم من الرعب فانهزموا من غير قتال . { وكان الله بما تعملون بصيراً } .

قال محمد بن إسحاق : حدثني يزيد بن رومان مولى آل الزبير ، عن عروة بن الزبير ، ومن لا أتهم ، عن عبد الله بن كعب بن مالك ، وعن الزهري ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبد الله بن أبي بكرة بن محمد بن عمرو بن حزم ، وعن محمد بن كعب القرظي ، وعن غيرهم من علمائنا ، دخل حديث بعضهم في بعض : " أن نفراً من اليهود ، منهم سلام بن أبي الحقيق ، وحيي بن أخطب ، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، وهودة بن قيس وأبي عمار الوائلي ، في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل ، وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله ، فقالت لهم قريش : يا معشر يهود إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد ، فديننا خير أم دينه ؟ قالوا : بل دينكم خير من دينه ، وأنتم أولى بالحق منهم ، قال : فهم الذين أنزل الله فيهم : { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت } إلى قوله : { وكفى بجهنم سعيراً } فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ما قالوا ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله ، فأجمعوا لذلك ، ثم خرج أولئك النفر من اليهود حتى جاؤوا غطفان من قيس عيلان ، فدعوهم إلى ذلك وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه ، وأن قريشاً قد بايعوهم على ذلك ، فأجابوهم . فخرجت قريش ، وقائدها أبو سفيان بن حرب ، وخرجت غطفان ، وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر في فزارة ، والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري في بني مرة ، ومسعود بن رخيلة بن نويرة بن طريف فيمن تابعه من قومه من أشجع . فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما اجتمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة . وكان الذي أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق سلمان الفارسي ، وكان أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ حر ، فقال : يا رسول الله إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى أحكموه .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا عبد الله بن حامد الأصبهاني ، أنبأنا محمد بن جعفر الطبري ، حدثنا حماد بن الحسن ، حدثنا محمد بن خالد بن عثمة ، حدثنا كثير بن عبد الله ، عن عمرو بن عوف ، حدثني أبي عن أبيه قال : " خط رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق عام الأحزاب ثم قطع لكل عشرة أربعين ذراعاً ، قال فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي وكان رجلاً قوياً ، فقال المهاجرون : سلمان منا ، وقال الأنصار : سلمان منا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : سلمان منا أهل البيت " . قال عمرو بن عوف : كنت أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المازني وستة من الأنصار في أربعين ذراعاً ، فحفرنا حتى إذا كنا بجنب ذي باب أخرج الله في بطن الخندق صخرة مروة كسرت حديدنا وشقت علينا ، فقلنا : يا سلمان ارق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره خبر هذه الصخرة ، فإما أن يعدل عنها فإن المعدل قريب ، وإما أن يأمرنا فيه بأمره فإنا لا نحب أن نجاوز خطه ، قال : فرقى سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ضارب عليه قبة تركية ، فقال : يا رسول الله خرجت صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق فكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يجيبنا فيها قليل ولا كثير ، فمرنا فيها بأمرك ، فإنا لا نحب أن نتجاوز خطك ، فهبط رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سلمان الخندق والتسعة على شق الخندق ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم المعول من يد سلمان فضربها ضربة صدعها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها يعني المدينة حتى لكأن مصباحاً في جوب بيت مظلم ، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرا فكبر المسلمون ، ثم ضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم الثانية وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحاً في جوف بيت مظلم ، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح وكبر المسلمون ، ثم ضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكسرها ، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحاً في جوف بيت مظلم ، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح وكبر المسلمون ، ثم ضربها ، فأخذ بيد سلمان ورقى ، فقال سلمان : بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد رأيت شيئاً ما رأيت مثله قط ، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القوم فقال : أرأيتم ما يقول سلمان ؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : ضربت ضربتي الأولى فبرق الذي رأيتم ، أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب ، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ، ثم ضربت ضربتي الثالثة ، فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب ، وأخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها . فأبشروا ، فاستبشر المسلمون وقالوا الحمد لله موعد صدق ، وعدنا النصر بعد الحصر ، فقال المنافقون : ألا تعجبون من محمد يعدكم ويمنيكم الباطل ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى ، وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا ؟ قال فنزل القرآن : { وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً } وأنزل الله في هذه القصة : { قل اللهم مالك الملك } الآية " .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا عبد الله بن محمد ، أنبأنا معاوية بن عمرو ، أنبأنا أبو إسحاق ، عن حميد قال : سمعت أنساً يقول : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة ، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك عنهم ، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع ، قال :

اللهم إن العيش عيش الآخرة *** فاغفر للأنصار والمهاجرة

فقالوا مجيبين له :

نحن الذين بايعوا محمداً *** على الجهاد ما بقينا أبدا

وأخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا مسلم بن إبراهيم ، أنبأنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل التراب يوم الخندق حتى أغمر بطنه أو أغبر وهو يقول :

والله لولا الله ما اهتدينا *** ولا تصدقنا ولا صلينا

وثبت الأقدام إن لاقينا إن الألى *** فأنزلن سكينةً علينا

إن الألى قد بغوا علينا *** إذا أرادوا فتنةً أبينا

ورفع بها صوته : أبينا أبينا " . رجعنا إلى حديث ابن إسحاق ، قال : فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من دومة من الجرف والغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ، ومن تابعهم من بني كنانة وأهل تهامة ، وأقبلت غطفان ومن تابعهم من أهل نجد ، حتى نزلوا بذنب نعمى إلى جانب أحد ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين ، فضرب هنالك عسكره والخندق بينه وبين القوم . وأمر بالنساء والذراري فرفعوا في الآطام . وخرج عدو الله حيي بن أخطب من بني النضير حتى أتى كعب بن أسد القرظي ، صاحب عقد بني قريظة وعهدهم ، وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه وعاهده على ذلك ، فلما سمع كعب بحيي بن أخطب أغلق دونه حصنه ، فاستأذن عليه حيي فأبى أن يفتح له ، فناداه حيي : يا كعب افتح لي ، فقال : ويحك يا حيي إنك امرؤ مشؤوم وإني قد عاهدت محمداً ، فلست بناقض ما بيني وبينه ، ولم أر منه إلا وفاءً وصدقاً . قال : ويحك افتح لي أكلمك ، قال : ما أنا بفاعل ، قال : والله إن أغلقت دوني إلا على حشيشتك أن آكل معك منها ، فأحفظ الرجل ، ففتح له ، فقال : ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر وببحر طام ، جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة ، وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نعمى إلى جانب أحد ، قد عاهدوني وعاقدوني أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمداً ومن معه . قال له كعب بن أسد : جئتني والله بذل الدهر وبجام قد هراق ماؤه برعد وبرق ، وليس فيه شيء ، فدعني ومحمداً وما أنا عليه ، فإني لم أر من محمد إلا صدقاً ووفاءً ، فلم يزل حيي بن أخطب بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمح له ، على أن أعطاه من الله عهداً وميثاقاً ووفاء . لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمداً أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك ، فنقض كعب بن أسد عهده وتبرأ مما كان عليه فيما كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر وإلى المسلمين ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ ، أحد بني عبد الأشهل ، وهو يومئذ سيد الأوس ، وسعد بن عبادة أحد بني ساعدة ، وهو يومئذ سيد الخزرج ، ومعهما عبد الله بن رواحة أخو بني الحارث بن الخزرج ، وخوات بن جبير ، أخو بني عمرو بن عوف ، فقال : انطلقوا حتى تنظروا ، أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا ؟ فإن كان حقاً فألحنوا لي لحناً أعرفه ، ولا تفتوا في أعضاد الناس ، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به جهراً للناس ، فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم منهم ، ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه وقالوا : عضل والقارة ، بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أصحاب الرجيع : خبيب بن عدي وأصحابه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين . وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف ، وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل ظن ، ونجم النفاق من بعض المنافقين حتى قال معتب بن قشير ، أخو بني عمرو ابن عوف : كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر ، وأحدنا لا يقدر أن يذهب إلى الغائط ، ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً ، وحتى قال أوس بن قيظي ، أحد بني حارثة بن قيظي : يا رسول الله إن بيوتنا عورة من العدو ، وذلك على ملأ من رجال قومه ، فائذن لنا فلنرجع إلى ديارنا فإنها خارجة من المدينة . فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام المشركون عليه بضعاً وعشرين ليلة قريباً من شهر ، ولم يكن بين القوم حرب إلا الرمي بالنبل والحصى . فلما اشتد البلاء على الناس بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حصن ، وإلى الحارث بن عمرو ، وهما قائدا غطفان ، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فجرى بينه وبينهم الصلح على ذلك حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ، فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة ، واستشارهما فيه ، فقالا : يا رسول الله أشيء أمرك الله به لا بد لنا من العمل به أم أمر تحبه فتصنعه ، أم شيء تصنعه لنا ؟ قال : لا ، بل شيء أصنعه لكم ، والله ما أصنع ذلك إلا أني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب ، فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم ، فقال له سعد بن معاذ : يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على شرك بالله وعبادة الأوثان ، لا نعبد الله ولا نعرفه ، وهم لا يطمعون أن يأخذوا منا ثمرةً واحدة إلا قرى أو بيعاً ، فحين أكرمنا الله بالإسلام وأعزنا بك نعطيهم أموالنا ! مالنا بهذا من حاجة ، والله لا نعطيهم إلا السيف ، حتى يحكم الله بيننا وبينهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأنت وذاك . فتناول سعد الصحيفة ، فمحا ما فيها من الكتاب ، ثم قال : ليجهدوا علينا . فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ، وعدوهم محاصروهم ، ولم يكن بينهم قتال ، إلا أن فوارس من قريش ، منهم عمرو بن عبد ود ، أخو بني عامر بن لؤي ، وعكرمة بن أبي جهل ، وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان ، ونوفل بن عبد الله ، وضرار بن الخطاب ، ومرداس أخو بني محارب بن فهر ، قد تلبسوا للقتال وخرجوا على خيلهم ومروا على بني كنانة فقالوا : تهيؤوا للحرب يا بني كنانة ، فستعلمون اليوم من الفرسان ، ثم أقبلوا نحو الخندق حتى وقفوا على الخندق فلما رأوه قالوا : والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها . ثم تيمموا مكاناً من الخندق ضيقاً فضربوا خيولهم فاقتحمت منه ، فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع ، وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم ، وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم ، وكان عمرو بن عبد ود قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة ، فلم يشهد أحداً فلما كان يوم الخندق خرج معلماً ليرى مكانه ، فلما وقف هو وخيله ، قال له علي : يا عمرو إنك كنت تعاهد الله أن لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذت منه إحداهما ، قال : أجل ، فقال له علي بن أبي طالب : فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام ، قال : لا حاجة لي بذلك ، قال : فإني أدعوك إلى النزال ، قال : ولم يا ابن أخي ، فوالله ما أحب أن أقتلك ، قال علي : ولكني والله أحب أن أقتلك ، فحمي عمرو عند ذلك ، فاقتحم على فرسه ، فعقره وضرب وجهه ، ثم أقبل على علي ، فتناولا وتجاولا ، فقتله علي ، فخرجت خيله منهزمة حتى اقتحمت من الخندق هاربة ، وقتل مع عمرو رجلان : منبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبد الدار ، أصابه سهم ، فمات منه بمكة ، ونوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي ، وكان اقتحم الخندق فتورط فيه فرموه بالحجارة ، فقال يا معشر العرب قتله أحسن من هذه ، فنزل إليه على قتله ، فغلب المسلمون على جسده ، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم جسده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا حاجة لنا في جسده وثمنه ، فشأنكم به ، فخلى بينهم وبينه . قالت عائشة أم المؤمنين : كنا يوم الخندق في حصن بني حارثة ، وكان من أحرز حصون المدينة ، وكانت أم سعد بن معاذ معنا في الحصن ، وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب ، فمر سعد بن معاذ وعليه درع مقلصة ، قد خرجت منها ذراعه كلها ، وفي يده حربة وهو يقال شعرا :

لبث قليلاً يدرك الهيجا حمل *** لا بأس بالموت إذا حان الأجل

فقالت له أمه : الحق يا بني فقد والله أجزت ، قالت عائشة فقلت لها : يا أم سعد والله لوددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هي ، قالت : وخفت عليه حيث أصاب السهم منه ، قالت : فرمي سعد يومئذ بسهم ، وقطع منه الأكحل ، رماه خباب بن قيس بن العرقة ، أحد بني عامر بن لؤي ، فلما أصابه قال : خذها وأنا ابن العرقة ، فقال سعد : عرق الله وجهك في النار ، ثم قال سعد : اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً فأبقني لها ، فإنه لا قوم أحب إلي من أن أجاهدهم من قوم هم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه ، وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية . وقال محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد قال : كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع ، حصن حسان بن ثابت ، قالت : وكان حسان معنا فيه ، مع النساء والصبيان ، قالت صفية : فمر بنا رجل من اليهود فجعل يطيف بالحصن ، وقد حاربت بنو قريظة ، فقطعت ما بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في نحور عدوهم ، لا يستطيعون أن ينصرفوا إلينا عنهم ، إذا أتانا آت . قالت : فقلت : يا حسان ، إن هذا اليهودي كما ترى ، يطيف بالحصن وإني والله لم آمنه بأن يدل على عوراتنا من وراءنا من يهود ، وقد شغل عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فأنزل إليه فاقتله ، فقال : يغفر الله لك يا ابنة عبد المطلب ، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا ، قالت : فلما قال لي ذلك ولم أر عنده شيئاً اعتجرت ، ثم أخذت عموداً ، ونزلت من الحصن إليه ، فضربته بالعمود حتى قتلته ، فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن ، فقلت : يا حسان انزل إليه فاسلبه فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل ، فقال : ما لي بسلبه من حاجة يا بنت عبد المطلب . قالوا : وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما وصف الله تعالى من الخوف والشدة لتظاهر عدوهم وإتيانهم من فوقهم ومن أسفل منهم . ثم إن نعيم بن مسعود بن عامر من بني غطفان أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي ، فمرني بما شئت ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا إن استطعت ، فإن الحرب خدعة ، فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة ، وكان لهم نديماً في الجاهلية ، فقال لهم : يا بني قريظة قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم ، قالوا : صدقت لست عندنا بمتهم ، فقال لهم : إن قريشاً وغطفان جاؤوا لحرب محمد وقد ظاهرتموهم عليه ، وإن قريشاً وغطفان ليسوا كهيئتهم ، البلد بلدكم به أموالكم وأولادكم ونساؤكم ، لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره ، وإن قريشاً وغطفان ، أموالهم وأولادهم ونساؤهم بعيدة ، إن رأوا نهزةً وغنيمة أصابوها ، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ، والرجل ببلدكم لا طاقة لكم به إن خلا بكم ، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهناً من أشرافهم ، يكونوا بأيديكم ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمداً ، حتى تناجزوه . قالوا : لقد أشرت برأي ونصح . ثم خرج حتى أتى قريشاً فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش : يا معشر قريش قد عرفتم ودي إياكم وفراقي محمداً ، وقد بلغني أمر رأيت أن حقاً علي أن أبلغكم نصحاً لكم ، فاكتموا علي ، قالوا : نفعل ، قال : تعلمون أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد ، وقد أرسلوا إليه : أن قد ندمنا على ما فعلنا ، فهل يرضيك عنا أن نأخذ من القبيلتين ، من قريش وغطفان ، رجالاً من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم ؟ فأرسل إليهم : أن نعم . فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون رهناً من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلاً واحداً . ثم خرج حتى أتى غطفان فقال : يا معشر غطفان ، أنتم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ، ولا أراكم تتهموني ، قالوا : صدقت قال : فاكتموا علي ، قالوا : نفعل ، ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم ، فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس ، وكان مما صنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أرسل أبو سفيان ورؤوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان ، فقالوا لهم : إنا لسنا بدار مقام ، قد هلك الخف والحافر ، فاغدوا للقتال حتى تناجزوا محمداً ونفرغ مما بيننا وبينه ، فقالوا : إن اليوم يوم السبت ، وهو يوم لا نعمل فيه شيئاً ، وقد كان أحدث بعضنا فيه حدثاً فأصابه ما لم يخف عليكم ، ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم حتى تعطوناً رهناً من رجالكم ، يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمداً ، فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب واشتد عليكم القتال أن تسيروا إلى بلادكم وتتركونا ، والرجل في بلدنا ، ولا طاقة لنا بذلك من محمد ، فلما رجعت إليهم الرسل بالذي قالت بنو قريظة ، قالت قريش وغطفان : تعلمون والله أن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق ، فأرسلوا إلى بني قريظة : إنا والله لا ندفع إليكم رجلاً واحداً من رجالنا ، وإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا ، فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا : إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق ، ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا ، فإن وجدوا فرصة انتهزوها ، وإن كان غير ذلك استمروا إلى بلادهم ، وخلوا بينكم وبين الرجل في بلادكم ، فأرسلوا إلى قريش وغطفان : إنا والله لا نقاتل معكم حتى تأتونا رهناً ، فأبوا عليهم ، وخذل الله بينهم ، وبعث الله عليهم الريح في ليال شاتية شديدة البرد ، فجعلت تكفأ قدروهم وتطرح آنيتهم . فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اختلف من أمرهم دعا حذيفة بن اليمان فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلاً . روى محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن محمد بن كعب القرظي ، وروى غيره عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه قالا : قال فتى من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان : يا أبا عبد الله رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتموه ، قال نعم يا بن أخي ، قال : كيف كنتم تصنعون ؟ قال : والله لقد كنا نجهد ، فقال الفتى : والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ولحملناه على أعناقنا ولخدمناه ، وفعلنا وفعلنا ، فقال حذيفة : يا ابن أخي والله لقد رأيتني ليلة الأحزاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : من يقوم فيذهب إلى هؤلاء القوم فيأتينا بخبرهم أدخله الله الجنة ؟ فما قام منا رجل ، ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هوناً من الليل ، ثم التفت إلينا فقال مثله فسكت القوم ، وما قام منا رجل ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هوناً من الليل ، ثم التفت إلينا فقال : من رجل يقوم فينظر ما فعل القوم على أن يكون رفيقي في الجنة ، فما قام رجل من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد ، فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا حذيفة ، فلم يكن لي بد من المقام إليه حين دعاني ، فقلت : لبيك يا رسول الله ، وقمت حتى أتيته ، وإن جنبي ليضطربان ، فمسح رأسي ووجهي ، ثم قال : ائت هؤلاء القوم حتى تأتيني بخبرهم ولا تحدثن شيئاً حتى ترجع إلي ، ثم قال : اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ، ومن فوقه ومن تحته ، فأخذت سهمي ، وشددت علي سلاحي ، ثم انطلقت أمشي نحوهم كأني أمشي في حمام ، فذهبت فدخلت في القوم ، وقد أرسل عليهم ريحاً وجنوداً وجنود الله تفعل بهم ما تفعل ، لا تقر لهم قدراً ولا ناراً ولا بناءً ، وأبو سفيان قاعد يصطلي ، فأخذت سهماً فوضعته في كبد قوسي فأردت أن أرميه ، ولو رميته لأصبته ، فذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تحدثن حدثاً حتى ترجع إلي ، فرددت سهمي في كنانتي . فلما رأى أبو سفيان ما تفعل الريح وجنود الله بهم ، لا تقر لهم قدراً ولا ناراً ولا بناء ، قام فقال : يا معشر قريش ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه فلينظر من هو ، فأخذت بيد جليسي فقلت من أنت ، فقال : سبحان الله أما تعرفني أنا فلان ابن فلان ، فإذا هو رجل من هوازن . فقال أبو سفيان : يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلكنا وهلك الكراع والخف ، وأخلفتنا بنو قريظة ، وبلغنا منهم الذي نكره ، ولقينا من هذه الريح ما ترون ، فارتحلوا فإني مرتحل ، ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه ، ثم ضربه فوثب به على ثلاث ، فما أطلق عقاله إلا وهو قائم . وسمعت غطفان بما فعلت قريش فاستمروا راجعين إلى بلادهم . قال : فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كأني أمشي في حمام فأتيته وهو قائم يصلي ، فلما سلم أخبرته الخبر ، فضحك حتى بدت أنيابه في سواد الليل ، قال : فلما أخبرته وفرغت قررت وذهب عني الدفاء ، فأدناني النبي صلى الله عليه وسلم منه ، وأنامني عند رجليه ، وألقى علي طرف ثوبه ، وألزق صدري ببطن قدميه فلم أزل نائماً حتى أصبحت فلما أصبحت قال : قم يا نومان .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَآءَتۡكُمۡ جُنُودٞ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا وَجُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا} (9)

يعني غزوة الخندق والأحزاب وبني قريظة{[12722]} ، وكانت حالا شديدة معقبة بنعمة ورخاء وغبطة ، وتضمنت أحكاما كثيرة وآيات باهرات عزيزة ، ونحن نذكر من ذلك بعون الله تعالى ما يكفي في عشر مسائل :

الأولى : اختلف في أي سنة كانت ، فقال ابن إسحاق : كانت في شوال من السنة الخامسة . وقال ابن وهب وابن القاسم عن مالك رحمه الله : كانت وقعة الخندق سنة أربع ، وهي وبنو قريظة في يوم واحد ، وبين بني قريظة والنضير أربع سنين . قال ابن وهب وسمعت مالكا يقول : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتال من المدينة ، وذلك قوله تعالى : " إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر " [ الأحزاب : 10 ] . قال : ذلك يوم الخندق ، جاءت قريش من ها هنا واليهود من ها هنا والنجدية من ها هنا . يريد مالك : إن الذين جاؤوا من فوقهم بنو قريظة ، ومن أسفل منهم قريش وغطفان . وكان سببها : أن نفرا من اليهود منهم كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وسلام بن أبي الحقيق وسلام بن مشكم وحيي بن أخطب النضريون وهوذة بن قيس وأبو عمار من بني وائل ، وهم كلهم يهود ، هم الذين حزبوا الأحزاب وألبوا وجمعوا ، خرجوا في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل فأتوا مكة فدعوا إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وواعدوهم من أنفسهم بعون من انتدب إلى ذلك ، فأجابهم أهل مكة إلى ذلك ، ثم خرج اليهود المذكورون إلى غطفان فدعوهم إلى مثل ذلك فأجابوهم ، فخرجت قريش يقودهم أبو سفيان بن حرب ، وخرجت غطفان وقائدهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري على فزارة ، والحارث بن عوف المري على بني مرة ، ومسعود بن رُخيلة على أشجع . فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم باجتماعهم وخروجهم شاور أصحابه ، فأشار عليه سلمان بحفر الخندق فرضي رأيه . وقال المهاجرون يومئذ : سلمان منا . وقال الأنصار : سلمان منا ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سلمان منا أهل البيت ) . وكان الخندق أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ حر . فقال : يا رسول الله ، إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا ، فعمل المسلمون في الخندق مجتهدين ، ونكص المنافقون وجعلوا يتسللون لواذاً{[12723]} فنزلت فيهم آيات من القرآن ذكرها ابن إسحاق وغيره . وكان من فرغ من المسلمين من حصته عاد إلى غيره ، حتى كمل الخندق . وكانت فيه آيات بينات وعلامات للنبوات .

قلت : ففي هذا الذي ذكرناه من هذا الخبر من الفقه وهي :

الثانية : مشاورة السلطان أصحابه وخاصته في أمر القتال ، وقد مضى ذلك في " آل عمران{[12724]} ، والنمل " . وفيه التحصن من العدو بما أمكن من الأسباب واستعمالها ، وقد مضى ذلك في غير موضع . وفيه أن حفر الخندق يكون مقسوما على الناس ، فمن فرغ منهم عاون من لم يفرغ ، فالمسلمون يد على من سواهم ، وفي البخاري ومسلم عن البراء بن عازب قال : لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيته ينقل من تراب الخندق وارى عني الغبار جلدة بطنه ، وكان كثير الشعر ، فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة ويقول :

اللهم لولا أنت ما اهتدينا *** ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينةً علينا *** وثبت الأقدام إن لاقينا

وأما ما كان فيه من الآيات وهي :

الثالثة : فروى النسائي عن أبي سكينة رجل من المحررين{[12725]} عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق عرضت لهم صخرة حالت بينهم وبين الحفر ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ المعول ووضع رداءه ناحية الخندق وقال : " وتمت كلمة ربك صدقا " {[12726]} [ الأنعام : 115 ] الآية ؛ فندر{[12727]} ثلث الحجر وسلمان الفارسي قائم ينظر ، فبرق مع ضربة رسول الله صلى الله عليه وسلم برقة ، ثم ضرب الثانية وقال : " وتمت " [ الأنعام : 115 ] الآية ، فندر الثلث الآخر ، فبرقت برقة فرآها سلمان ، ثم ضرب الثالثة وقال : " وتمت كلمة ربك صدقا " الآية ؛ فندر الثلث الباقي ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رداءه وجلس . قال سلمان : يا رسول الله ، رأيتك حين ضربت ! ما تضرب ضربة إلا كانت معها برقة ؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رأيت ذلك يا سلمان ) ؟ فقال : أي والذي بعثك بالحق يا رسول الله ! قال : ( فإني حين ضربت الضربة الأولى رفعت لي مدائن كسرى وما حولها ومدائن كثيرة حتى رأيتها بعيني - قال له من حضره من أصحابه : يا رسول الله ، ادع الله أن يفتحها علينا ويغنمنا ذراريهم{[12728]} ويخرب بأيدينا بلادهم ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثم ضربت الضربة الثانية فرفعت لي مدائن قيصر وما حولها حتى رأيتها بعيني - قالوا : يا رسول الله ، ادع الله تعالى أن يفتحها علينا ويغنمنا ذراريهم ويخرب بأيدينا بلادهم ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثم ضرب الضربة الثالثة فرفعت لي مدائن الحبشة وما حولها من القرى حتى رأيتها بعيني - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : دعوا الحبشة ما ودعوكم واتركوا الترك ما تركوكم ) . وخرجه أيضا عن البراء قال : لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحفر الخندق عرض لنا صخرة لا تأخذ فيها المعاول ، فاشتكينا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقى ثوبه وأخذ المعول وقال : ( باسم الله ) فضرب ضربة فكسر ثلث الصخرة ثم قال : ( الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام ، والله إني لأبصر إلى قصورها الحمراء الآن من مكاني هذا ) قال : ثم ضرب أخرى وقال : ( باسم الله ) فكسر ثلثا آخر ثم قال : ( الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس ، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض ) . ثم ضرب الثالثة وقال : ( باسم الله ) فقطع الحجر وقال : ( الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأبصر باب صنعاء ) . صححه أبو محمد عبد الحق .

الرابعة : فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حفر الخندق أقبلت قريش في نحو عشرة آلاف بمن معهم من كنانة وأهل تهامة ، وأقبلت غطفان بمن معها من أهل نجد حتى نزلوا إلى جانب أحد ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى نزلوا بظهر سلع{[12729]} في ثلاثة آلاف وضربوا عسكرهم والخندق بينهم وبين المشركين ، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم - في قول ابن شهاب - وخرج عدو الله حيي بن أخطب النضري حتى أتى كعب بن أسد القرظي ، وكان صاحب عقد بني قريظة ورئيسهم ، وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاهده ، فلما سمع كعب بن أسد حيي بن أخطب أغلق دونه باب حصنه وأبى أن يفتح له ، فقال له : افتح لي يا أخي . فقال له : لا أفتح لك ، فإنك رجل مشؤوم ، تدعوني إلى خلاف محمد وأنا قد عاقدته وعاهدته ، ولم أر منه إلا وفاء وصدقا ، فلست بناقض ما بيني وبينه . فقال حيي : افتح لي حتى أكلمك وأنصرف عنك . فقال : لا أفعل ؛ فقال : إنما تخاف أن آكل معك جشيشتك ، فغضب كعب وفتح له . فقال : يا كعب ! إنما جئتك بعز الدهر ، جئتك بقريش وسادتها ، وغطفان وقادتها ، قد تعاقدوا على أن يستأصلوا محمدا ومن معه ، فقال له كعب : جئتني والله بذل الدهر وبجهام{[12730]} لا غيث فيه ! ويحك يا حيي ؟ دعني فلست بفاعل ما تدعوني إليه ، فلم يزل حيي بكعب يعده ويغره حتى رجع إليه وعاقده على خذلان محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأن يسير معهم ، وقال له حيي بن أخطب : إن انصرفت قريش وغطفان دخلت عندك بمن معي من اليهود . فلما انتهى خبر كعب وحيي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعث سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج ، وسيد الأوس سعد بن معاذ ، وبعث معهما عبدالله بن رواحة وخوات بن جبير ، وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( انطلقوا إلى بني قريظة فإن كان ما قيل لنا حقا فالحنوا لنا لحنا ، ولا تفتوا في أعضاد الناس . وإن كان كذبا فاجهروا به للناس ) فانطلقوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما قيل لهم عنهم ، ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : لا عهد له عندنا ، فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه ، وكانت فيه حدة فقال له سعد بن عبادة : دع عنك مشاتمتهم ، فالذي بيننا وبينهم أكثر من ذلك ، ثم أقبل سعد وسعد حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماعة المسلمين فقالا : عضل والقارة - يعرضان بغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع خبيب وأصحابه - فقال النبي صلى الله عليه وسلم . ( أبشروا يا معشر المسلمين ) وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف ، وأتى المسلمين عدوهم من فوقهم ، يعني من فوق الوادي من قبل المشرق ، ومن أسفل منهم من بطن الوادي من قبل المغرب ، حتى ظنوا بالله الظنونا ، وأظهر المنافقون كثيرا مما كانوا يسرون ، فمنهم من قال : إن بيوتنا عورة ، فلننصرف إليها ، فإنا نخاف عليها .

وممن قال ذلك : أوس بن قيظي . ومنهم من قال : يعدنا محمد أن يفتح كنوز كسرى وقيصر ، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه يذهب إلى الغائط ! وممن قال : معتب بن قشير أحد بني عمرو بن عوف . فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام المشركون بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر لم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل والحصى . فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اشتد على المسلمين البلاء بعث إلى عيينة بن حصن الفزاري ، وإلى الحارث بن عوف المري ، وهما قائدا غطفان ، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة لينصرفا بمن معهما من غطفان ويخذلان قريشا ويرجعا بقومهما عنهم . وكانت هذه المقالة مراوضة ولم تكن عقدا ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهما أنهما قد أنابا ورضيا أتى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فذكر ذلك لهما واستشارهما فقالا : يا رسول الله ، هذا أمر تحبه فنصنعه لك ، أو شيء أمرك الله به فنسمع له ونطيع ، أو أمر تصنعه لنا ؟ قال : ( بل أمر أصنعه لكم ، والله ما أصنعه إلا أني قد رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة ) فقال له سعد بن معاذ : يا رسول الله ، والله لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان ، لا نعبد الله ولا نعرفه ، وما طمعوا قط أن ينالوا منا ثمرة إلا شراء أو قرى ، فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك نعطيهم أموالنا ! والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم ! ! فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وقال : ( أنتم وذاك ) . وقال لعيينة والحارث : ( انصرفا فليس لكما عندنا إلا السيف ) . وتناول سعد الصحيفة وليس فيها شهادة فمحاها .

الخامسة : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون على حالهم ، والمشركون يحاصرونهم ولا قتال بينهم ، إلا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود العامري من بني عامر بن لؤي ، وعكرمة بن أبي جهل ، وهبيرة بن أبي وهب ، وضرار بن الخطاب الفهري ، وكانوا فرسان قريش وشجعانهم ، أقبلوا حتى وقفوا على الخندق ، فلما رأوه قالوا : إن هذه لمكيدة ، ما كانت العرب تكيدها . ثم تيمموا مكانا ضيقا من الخندق ، فضربوا خيلهم فاقتحمت بهم ، وجاوزوا الخندق وصاروا بين الخندق وبين سلع ، وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموا منها ، وأقبلت الفرسان نحوهم ، وكان عمرو بن عبد ود أثبتته الجراح يوم بدر فلم يشهد أحدا ، وأراد يوم الخندق أن يرى مكانه ، فلما وقف هو وخيله . نادى : من يبارز ؟ فبرز له علي بن أبي طالب وقال له : يا عمرو ، إنك عاهدت الله فيما بلغنا أنك لا تدعى إلى إحدى خلتين إلا أخذت إحداهما ؟ قال نعم . قال : فإني أدعوك إلى الله والإسلام . قال : لا حاجة لي بذلك . قال : فأدعوك إلى البراز . قال : يا ابن أخي ، والله ما أحب أن أقتلك لما كان بيني وبين أبيك . فقال له علي : أنا والله أحب أن أقتلك . فحمي عمرو بن عبد ود ونزل عن فرسه ، فعقره وصار نحو علي ، فتنازلا وتجاولا وثار النقع بينهما حتى حال دونهما ، فما انجلى النقع حتى رئي علي على صدر عمرو يقطع رأسه ، فلما رأى أصحابه أنه قد قتله علي اقتحموا بخيلهم الثغرة منهزمين هاربين . وقال علي رضي الله عنه في ذلك :

نصرَ الحجارةَ من سفاهةِ رأيه *** ونصرتُ دين محمد بضِرَابِ{[12731]}

نازلته{[12732]} فتركته متجَدِّلاً *** كالجِذْعِ بين دَكَادكٍ ورَوَابِي{[12733]}

وعففت عن أثواب ولو أنني *** كنت المقطَّرَ بَزَّنِي أثوابِي{[12734]}

لا تحسبن الله خاذلَ دينه *** ونبيِّه يا معشر الأحزاب

قال ابن هشام : أكثر أهل العلم بالسير{[12735]} يشك فيها لعلي . قال ابن هشام : وألقى عكرمة بن أبي جهل رمحه يومئذ وهو منهزم عن عمرو ، فقال حسان بن ثابت في ذلك :

فرَّ وألقى لنا رمحه *** لعلك عِكْرِمَ لم تفعلِ

ووليت تعدو كعدو الظَّلِيمِ *** ما إن تجور عن المَعْدَلِ

ولم تُلق ظهرك مستأنسا *** كأن قفاك قَفَا فُرْعُلِ

قال ابن هشام : فرعل صغير الضباع . وكانت عائشة رضي الله عنها في حصن بني حارثة ، وأم سعد بن معاذ معها ، وعلى سعد درع مقلصة{[12736]} قد خرجت منها ذراعه ، وفي يده حربته وهو يقول :

لبِّثْ قليلا يلحق الهَيْجَا جَمَلْ *** لا بأس بالموت إذا كان الأجلْ

ورمي يومئذ سعد بن معاذ بسهم فقطع منه الأكحل{[12737]} . واختلف فيمن رماه ، فقيل : رماه حبان بن قيس ابن العرقة{[12738]} ، أحد بني عامر بن لؤي ، فلما أصابه قال له : خذها وأنا ابن العرقة . فقال له سعد : عرق الله وجهك في النار . وقيل : إن الذي رماه خفاجة بن عاصم بن حبان{[12739]} . وقيل : بل الذي رماه أبو أسامة الجشمي ، حليف بني مخزوم . ولحسان مع صفية بنت عبد المطلب خبر طريف يومئذ ، ذكره ابن إسحاق وغيره . قالت صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها : كنا يوم الأحزاب في حصن حسان بن ثابت ، وحسان معنا في النساء والصبيان ، والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في نحر العدو لا يستطيعون الانصراف إلينا ، فإذا يهودي يدور ، فقلت لحسان : انزل إليه فاقتله . فقال : ما أنا بصاحب هذا يا ابنة عبد المطلب ! فأخذت عمودا ونزلت من الحصن فقتلته ، فقلت : يا حسان ، انزل فاسلبه ، فلم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل . فقال : ما لي بسلبه حاجة يا ابنة عبد المطلب ! قال : فنزلت فسلبته . قال أبو عمر بن عبد البر : وقد أنكر هذا عن حسان جماعة من أهل السير وقالوا : لو كان في حسان من الجبن ما وصفتم لهجاه بذلك الذين كان يهاجيهم في الجاهلية والإسلام ، ولَهُجِيَ بذلك ابنه عبد الرحمن ، فإنه كان كثيرا ما يهاجي الناس من شعراء العرب ، مثل النجاشي وغيره .

السادسة : وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعيم بن مسعود بن عامر الأشجعي فقال : يا رسول الله ، إني قد أسلمت ولم يعلم قومي بإسلامي ، فمرني بما شئت . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما أنت رجل واحد من غطفان فلو خرجت فخذلت عنا إن استطعت كان أحب إلينا من بقائك{[12740]} معنا فاخرج فإن الحرب خدعة ) . فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة - وكان ينادمهم في الجاهلية - فقال : يا بني قريظة ، قد عرفتم ودي إياكم ، وخاصة ما بيني وبينكم . قالوا : قل فلست عندنا بمتهم . فقال لهم : إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم ، البلد بلدكم ، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم ، وإن قريشا وغطفان قد جاؤوا لحرب محمد وأصحابه ، وقد ظاهرتموهم عليه فإن رأوا نهزة{[12741]} أصابوها ، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ، ولا طاقة لكم به ، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا . ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لهم : قد عرفتم ودي لكم معشر قريش ، وفراقي محمدا ، وقد بلغني أمر أرى من الحق أن أبلغكموه نصحا لكم ، فاكتموا علي ، قالوا نفعل . قال : تعلمون أن معشر يهود ، قد ندموا على ما كان من خذلانهم محمدا ، وقد أرسلوا إليه : إنا قد ندمنا على ما فعلنا ، فهل يرضيك أن نأخذ من قريش وغطفان [ رجالا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب ]{[12742]} أعناقهم ، ثم نكون معك على ما بقي منهم حتى نستأصلهم . ثم أتى غطفان فقال مثل ذلك . فلما كان ليلة السبت وكان ذلك من صنع الله عز وجل لرسوله والمؤمنين ، أرسل أبو سفيان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان يقول لهم : إنا لسنا بدار مقام ، قد هلك الخف والحافر ، فاغدوا صبيحة غد للقتال حتى نناجز محمدا . فأرسلوا إليهم : إن اليوم يوم السبت ، وقد علمتم ما نال منا من تعدى في السبت ، ومع ذلك فلا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا ، فلما رجع الرسول بذلك قالوا : صدقنا والله نعيم بن مسعود ، فردوا إليهم الرسل وقالوا : والله لا نعطيكم رهنا أبدا فاخرجوا معنا إن شئتم وإلا فلا عهد بيننا وبينكم . فقال بنو قريظة : صدق والله نعيم بن مسعود . وخذل الله بينهم ، واختلفت كلمتهم ، وبعث الله عليهم ريحا عاصفا في ليال شديدة البرد ، فجعلت الريح تقلب آنيتهم وتكفأ قدورهم .

السابعة : فلما اتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم اختلاف أمرهم ، بعث حذيفة بن اليمان ليأتيه بخبرهم ، فأتاهم واستتر في غمارهم{[12743]} ، وسمع أبا سفيان يقول : يا معشر قريش ، ليتعرف كل امرئ جليسه . قال حذيفة : فأخذت بيد جليسي وقلت : ومن أنت ؟ فقال أنا فلان . ثم قال أبو سفيان : ويلكم يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام ، ولقد هلك الكراع والخف{[12744]} وأخلفتنا بنو قريظة ، ولقينا من هذه الريح ما ترون ، ما يستمسك لنا بناء ، ولا تثبت لنا قدر ، ولا تقوم لنا نار ، فارتحلوا فإني مرتحل ، ووثب على جمله فما حل عقال يده إلا وهو قائم . قال حذيفة : ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لي إذ بعثني ، قال لي : ( مر إلى القوم فاعلم ما هم عليه ولا تحدث شيئا ) - لقتلته بسهم ، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رحيلهم ، فوجدته قائما يصلي في مرط لبعض نسائه مراجل - قال ابن هشام : المراجل ضرب من وشي اليمن - فأخبرته فحمد الله .

قلت : وخبر حذيفة هذا مذكور في صحيح مسلم ، وفيه آيات عظيمة ، رواه جرير عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال : كنا عند حذيفة فقال رجل لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت . فقال حذيفة : أنت كنت تفعل ذلك ! لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقر . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة ) ؟ فسكتنا فلم يجبه منا أحد ، ثم قال : ( ألا رجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة ) ؟ فسكتنا فلم يجبه أحد . فقال : ( قم يا حذيفة فأتنا بخبر القوم ) فلم أجد بدا إذ دعاني باسمي أن أقوم . قال : ( اذهب فأتني بخبر القوم ولا تذعرهم{[12745]} علي ) قال : فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام{[12746]} حتى أتيتهم ، فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار ، فوضعت سهما في كبد القوس فأردت أن أرميه ، فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ولا تذعرهم علي ) ولو رميته لأصبته : فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام ، فلما أتيته فأخبرته بخبر القوم وفرغت قررت ، فألبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها ، فلم أزل نائما حتى أصبحت ، فلما أصبحت قال : ( قم يا نومان ) . ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذهب الأحزاب ، رجع إلى المدينة ووضع المسلمون سلاحهم ، فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم في صورة دحية بن خليفة الكلبي ، على بغلة عليها قطيفة ديباج فقال له : يا محمد ، إن كنتم قد وضعتم سلاحكم فما وضعت الملائكة سلاحها . إن الله يأمرك أن تخرج إلى بني قريظة ، وإني متقدم إليهم فمزلزل بهم حصونهم . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي :

الثامنة : مناديا فنادى : لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة ، فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون بني قريظة . وقال آخرون : لا نصلّي العصر إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن فاتنا الوقت . قال : فما عنف واحدا من الفريقين . وفي هذا من الفقه تصويب المجتهدين . وقد مضى بيانه في " الأنبياء " {[12747]} . وكان سعد بن معاذ إذ أصابه السهم دعا ربه فقال : اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش فأبقني لها ، فإنه لا قوم أحب أن أجاهدهم من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه . اللهم وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة ، ولا تمتني حتى تقر عيني في بني قريظة . وروى ابن وهب عن مالك قال : بلغني أن سعد بن معاذ مر بعائشة رضي الله عنها ونساء معها في الأطم{[12748]} ( فارع ){[12749]} ، وعليه درع مقلصة{[12750]} مشمر الكمين ، وبه أثر صفرة وهو يرتجز :

لبِّثْ قليلا يدرك الهَيْجَا جمل *** لا بأس بالموت إذا حان الأجل

فقالت عائشة رضي الله عنها : لست أخاف أن يصاب سعد اليوم إلا في أطرافه ، فأصيب في أكحله . وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك قالت عائشة رضي الله عنها : ما رأيت رجلا أجمل من سعد بن معاذ حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأصيب في أكحله ثم قال : اللهم إن كان حرب قريظة لم يبق منه شيء فاقبضني إليك ، وإن كان قد بقيت منه بقية فأبقني حتى أجاهد مع رسولك أعداءه ، فلما حكم في بني قريظة توفي ، ففرح الناس وقالوا : نرجو أن يكون قد استجيبت دعوته .

التاسعة : ولما خرج المسلمون إلى بني قريظة أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية علي بن أبي طالب ، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم ، ونهض علي وطائفة معه حتى أتوا بني قريظة ونازلوهم ، فسمعوا سب الرسول صلى الله عليه وسلم ، فانصرف علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : يا رسول الله ، لا تبلغ إليهم ، وعرض له . فقال له : ( أظنك سمعت منهم شتمي . لو رأوني لكفوا عن ذلك ) ونهض إليهم فلما رأوه أمسكوا . فقال لهم : ( نقضتم العهد يا إخوة القرود أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته ) فقالوا : ما كنت جاهلا يا محمد فلا تجهل علينا ، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة . وعرض عليهم سيدهم كعب ثلاث خصال ليختاروا أيها شاؤوا : إما أن يسلموا ويتبعوا محمدا على ما جاء به فيسلموا . قال : وتحرزوا أموالكم ونساءكم وأبناءكم ، فوالله إنكم لتعلمون أنه الذي تجدونه مكتوبا في كتابكم . وإما أن يقتلوا أبناءهم ونساءهم ثم يتقدموا ، فيقاتلون حتى يموتوا من آخرهم . وإما أن يبيتوا المسلمين ليلة السبت في حين طمأنينتهم فيقتلوهم قتلا . فقالوا له : أما الإسلام فلا نسلم ولا نخالف حكم التوراة ، وأما قتل أبنائنا ونسائنا فما جزاؤهم المساكين منا أن نقتلهم ، ونحن لا نتعدى في السبت . ثم بعثوا إلى أبي لبابة ، وكانوا حلفاء بني عمرو بن عوف وسائر الأوس ، فأتاهم فجمعوا إليه أبناءهم ونساءهم ورجالهم وقالوا له : يا أبا لبابة ، أترى أن ننزل على حكم محمد ؟ فقال نعم ، - وأشار بيده إلى حلقه - إنه الذبح إن فعلتم . ثم ندم أبو لبابة في الحين ، وعلم أنه خان الله ورسوله ، وأنه أمر لا يستره الله عليه عن نبيه صلى الله عليه وسلم . فانطلق إلى المدينة ولم يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فربط نفسه في سارية وأقسم ألا يبرح من مكانه حتى يتوب الله عليه فكانت امرأته تحله لوقت كل صلاة . قال ابن عيينة وغيره : فيه نزلت : " يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم " {[12751]} [ الأنفال : 27 ] الآية . وأقسم ألا يدخل أرض بني قريظة أبدا مكانا أصاب فيه الذنب . فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم من فعل أبي لبابة قال : ( أما إنه لو أتاني لاستغفرت له ، وأما إذ فعل ما فعل فلا أطلقه حتى يطلقه الله تعالى ) فأنزل الله تعالى في أمر أبي لبابة : " وآخرون اعترفوا بذنوبهم " {[12752]} [ التوبة : 102 ] الآية . فلما نزل فيه القرآن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاقه ، فلما أصبح بنو قريظة نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتواثب الأوس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : يا رسول الله ، وقد علمت أنهم حلفاؤنا ، وقد أسعفت{[12753]} عبد الله بن أبي ابن سلول في بني النضير حلفاء الخزرج ، فلا يكن حظنا أوكس وأنقص عندك من حظ غيرنا ، فهم موالينا . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر الأوس ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم - قالوا بلى . قال - : فذلك إلى سعد بن معاذ ) . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضرب له خيمة في المسجد ، ليعوده من قريب في مرضه من جرحه الذي أصابه في الخندق . فحكم فيهم بأن تقتل المقاتلة ، وتسبى الذرية والنساء ، وتقسم أموالهم . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى من فوق سبع أرقعة ){[12754]} . وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجوا إلى موضع بسوق المدينة اليوم - زمن ابن إسحاق - فخندق بها خنادق ، ثم أمر عليه السلام فضربت أعناقهم في تلك الخنادق ، وقتل يومئذ حيي بن أخطب وكعب بن أسد ، وكانا رأس القوم ، وكانوا من الستمائة إلى السبعمائة . وكان على حيي حلة فقاحية{[12755]} قد شققها عليه من كل ناحية كموضع الأنملة ، أنملة أنملة لئلا يسلبها . فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتي به ويداه مجموعتان إلى عنقه بحبل قال : أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ،

*ولكنه من يخذل الله يخذل*

ثم قال : يا أيها الناس ، لا بأس بأمر الله كتاب وقدر وملحمة{[12756]} كتبت على بني إسرائيل ، ثم جلس فضربت عنقه . وقتل من نسائهم امرأة ، وهي بنانة امرأة الحكم القرظي التي طرحت الرحى على خلاد ابن سويد فقتلته . وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل كل من أنبت منهم وترك من لم ينبت . وكان عطية القرظي ممن لم ينبت ، فاستحياه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو مذكور في الصحابة . ووهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس ولد الزبير بن باطا فاستحياهم . منهم عبد الرحمن بن الزبير أسلم وله صحبة . ووهب أيضا عليه السلام رفاعة بن سموأل القرظي لأم المنذر سلمى بنت قيس ، أخت سليط بن قيس من بني النجار ، وكانت قد صلت إلى القبلتين ، فأسلم رفاعة وله صحبة ورواية . وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك قال : أتى ثابت بن قيس بن شماس إلى ابن باطا - وكانت له عنده يد - وقال : قد استوهبتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدك التي لك عندي ، قال : ذلك يفعل الكريم بالكريم ، ثم قال : وكيف يعيش رجل لا ولد له ولا أهل ؟ قال : فأتى ثابت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فأعطاه أهله وولده ، فأتى فأعلمه فقال : كيف يعيش رجل لا مال له ؟ فأتى ثابت النبي صلى الله عليه وسلم فطلبه فأعطاه ماله ، فرجع إليه فأخبره ، قال : ما فعل ابن أبي الحقيق الذي كأن وجهه مرآة صينية ؟ قال : قتل . قال : فما فعل المجلسان ، يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة ؟ قال : قتلوا . قال : فما فعلت الفئتان ؟ قال : قتلتا . قال : برئت ذمتك ، ولن أصب فيها دلوا أبدا ، يعني النخل ، فألحقني بهم ، فأبى أن يقتله فقتله غيره . واليد التي كانت لابن باطا عند ثابت أنه أسره يوم بعاث فجز ناصيته وأطلقه .

العاشرة : وقسم صلى الله عليه وسلم أموال بني قريظة فأسهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما . وقد قيل : للفارس سهمان وللراجل سهم . وكانت الخيل للمسلمين يومئذ ستة وثلاثين فرسا . ووقع للنبي صلى الله عليه وسلم من سبيهم ريحانة بنت عمرو بن جنافة{[12757]} أحد بني عمرو بن قريظة ، فلم تزل عنده إلى أن مات صلى الله عليه وسلم . وقيل : إن غنيمة قريظة هي أول غنيمة قسم فيها للفارس والراجل ، وأول غنيمة جعل فيها الخمس . وقد تقدم أن أول ذلك كان في بعث عبد الله بن جحش ؛ فالله أعلم . قال : أبو عمر : وتهذيب ذلك أن تكون غنيمة قريظة أول غنيمة جرى فيها الخمس بعد نزول قوله : " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول " {[12758]} [ الأنفال : 41 ] الآية . وكان عبد الله بن جحش قد خمس قبل ذلك في بعثه ، ثم نزل القرآن بمثل ما فعله ، وكان ذلك من فضائله رحمة الله عليه ، وكان فتح قريظة في آخر ذي القعدة وأول ذي الحجة من السنة الخامسة من الهجرة . فلما تم أمر بني قريظة أجيبت دعوة الرجل الفاضل الصالح سعد بن معاذ ، فانفجر جرحه ، وانفتح عرقه ، فجرى دمه ومات رضي الله عنه . وهو الذي أتى الحديث فيه : ( اهتز لموته عرش الرحمن ) يعني سكان العرش من الملائكة فرحوا بقدوم روحه واهتزوا له . وقال ابن القاسم عن مالك : حدثني يحيى بن سعيد قال : لقد نزل لموت سعد بن معاذ سبعون ألف ملك ، ما نزلوا إلى الأرض قبلها . قال مالك : ولم يستشهد يوم الخندق من المسلمين إلا أربعة أو خمسة .

قلت : الذي استشهد يوم الخندق من المسلمين ستة نفر فيما ذكر أهل العلم بالسير : سعد بن معاذ أبو عمرو من بني عبد الأشهل ، وأنس بن أوس بن عتيك ، وعبد الله بن سهل ، وكلاهما أيضا من بني عبد الأشهل ، والطفيل بن النعمان ، وثعلبة بن غنمة{[12759]} ، وكلاهما من بني سلمة ، وكعب بن زيد من بني دينار بن النجار ، أصابه سهم غرب{[12760]} فقتله ، رضي الله عنهم . وقتل من الكفار ثلاثة : منبه بن عثمان ابن عبيد بن السباق بن عبد الدار ، أصابه سهم مات منه بمكة . وقد قيل : إنما هو عثمان بن أمية بن منبه بن عبيد بن السباق . ونوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي ، اقتحم الخندق فتورط فيه فقتل ، وغلب المسلمون على جسده ، فروي عن الزهري أنهم أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جسده عشرة آلاف درهم فقال : ( لا حاجة لنا بجسده ولا بثمنه ) فخلى بينهم وبينه . وعمرو بن عبد ودّ الذي قتله علي مبارزة ، وقد تقدم . واستشهد يوم قريظة من المسلمين خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو من بني الحارث بن الخزرج ، طرحت عليه امرأة من بني قريظة رحى فقتلته . ومات في الحصار أبو سنان بن محصن بن حرثان الأسدي ، أخو عكاشة بن محصن ، فدفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقبرة بني قريظة التي يتدافن فيها المسلمون السكان بها اليوم . ولم يصب غير هذين ، ولم يغز كفار قريش المؤمنين بعد الخندق . وأسند الدارمي أبو محمد في مسنده : أخبرنا يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن عبدالرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال : حبسنا يوم الخندق حتى ذهب هوي{[12761]} من الليل حتى كفينا ، وذلك قول الله عز وجل : " وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا " [ الأحزاب : 25 ] فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا فأقام فصلى الظهر فأحسن كما كان يصليها في وقتها ، ثم أمره فأقام العصر فصلاها ، ثم أمره فأقام المغرب فصلاها ، ثم أمره فأقام العشاء فصلاها ، وذلك قبل أن ينزل : " فإن خفتم فرجالا{[12762]} أو ركبانا " [ البقرة : 239 ] خرجه النسائي أيضا . وقد مضت هذه المسألة في " طه " {[12763]} . وقد ذكرنا في هذه الغزاة أحكاما كثيرة لمن تأملها في مسائل عشر . ثم نرجع إلى أول الآي وهي تسع عشرة آية تضمنت ما ذكرناه .

قوله تعالى : " إذ جاءتكم جنود " يعني الأحزاب . " فأرسلنا عليهم ريحا " قال مجاهد : هي الصبا ، أرسلت على الأحزاب يوم الخندق حتى ألقت قدورهم ونزعت فساطيطهم . قال : والجنود الملائكة ولم تقاتل يومئذ . وقال عكرمة : قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب : انطلقي لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت الشمال : إن محوة{[12764]} لا تسري بليل . فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور ) . وكانت هذه الريح معجزة للنبي الله عليه وسلم ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين كانوا قريبا منها ، لم يكن بينهم وبينها إلا عرض الخندق ، وكانوا في عافية منها ، ولا خبر عندهم بها . " وجنودا لم تروها " وقرئ بالياء ، أي لم يرها المشركون . قال المفسرون : بعث الله تعالى عليهم الملائكة فقلعت الأوتاد ، وقطعت أطناب الفساطيط ، وأطفأت النيران ، وأكفأت القدور ، وجالت الخيل بعضها في بعض ، وأرسل الله عليهم الرعب ، وكثر تكبير الملائكة في جوانب العسكر ، حتى كان سيد كل خباء يقول : يا بني فلان هلم إلي فإذا اجتمعوا قال لهم : النجاء النجاء ؛ لما بعث الله تعالى عليهم من الرعب . " وكان الله بما تعملون بصيرا " وقرئ : " يعملون " بالياء على الخبر ، وهي قراءة أبي عمرو . الباقون بالتاء ، يعني من حفر الخندق والتحرز من العدو .


[12722]:سميت غزوة الخندق لأجل الخندق الذي حفر حول المدينة بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم. وأما تسميتها بالأحزاب: فلاجتماع طوائف من المشركين على حرب المسلمين، وهم قريش وغطفان واليهود.
[12723]:أي مستخفين ومستترين بعضهم ببعض.
[12724]:راجع ج 4 ص 249 فما بعد. و ج 13 ص 194.
[12725]:أي المعتق من النار.
[12726]:راجع ج 7 ص 71.
[12727]:ندر: سقط.
[12728]:في النسائي:" ديارهم".
[12729]:سلع: جبل بالمدينة.
[12730]:الجهام: السحاب لا ماء فيه.
[12731]:في سيرة ابن هشام: " بصوابي".
[12732]:في سيرة ابن هشام:" فصددت حين تركته...".
[12733]:المتجدّل: اللاصق بالأرض. الدكادك: جمع دكداك، وهو الرمل اللين. والروابي: جمع رابية، وهو ما ارتفع من الأرض.
[12734]:المقطر: الذي ألقى على أحد قطريه، أي جنبيه. وبزني: سلبني وجردني.
[12735]:في سيرة ابن هشام:" بالشعر".
[12736]:مقلصة: مجتمعة منضمة.
[12737]:الأكحل: عرق في وسط الذراع.
[12738]:العرقة (بفتح العين وكسر الراء): أم حبان، واسمها قلابة بنت سعيد بن سعد تكنى أم فاطمة، وسميت العرقة لطيب ريحها، وهي جدّة خديجة.
[12739]:في الأصول:" جبارة" والتصويب عن سيرة ابن هشام وشرح المواهب.
[12740]:في ك:" أن تقاتل معنا". وفي ج:" مقامك". قوله:" خدعة" في النهاية لابن الأثير: " يروى بفتح الخاء وضمها مع سكون الدال، وبضمها مع فتح الدال. فالأوّل معناه: إن الحرب ينقضي أمرها بخدعة واحدة من الخداع، أي أن المقاتل إذا خدع مرة واحدة لم تكن لها إقالة. وهي أفصح الروايات وأصحها. ومعنى الثاني: هو الاسم من الخداع. ومعنى الثالث: أن الحرب تخدع الرجال وتمنيهم ولا تفي لهم، كما يقال: فلان رجل لعبة وضحكة، أي كثير اللعب والضحك.
[12741]:النهزة: الفرصة تجدها من صاحبك.
[12742]:ما بين المربعين كذا ورد في ك. والذي في ج، ش:"...وغطفان رهنا رجالا ونسلمهم".
[12743]:مثلث الغين.
[12744]:الكراع: اسم يجمع الخيل. والخف: اسم يجمع الإبل.
[12745]:الذعر: الفزع، يريد لا تعلمهم بنفسك وامش في خفية لئلا ينفروا منك ويقبلوا عليّ.
[12746]:يقول: كأنما أمشي في حرّ لم يصبني برد ولا من تلك الريح الشديدة شيء ببركة توجيه النبي صلى الله عليه وسلم.
[12747]:راجع ج 11 ص 311.
[12748]:الأطم: حصن مبني بحجارة.
[12749]:في الأصول:" في الأطم الذي فارع". وفارع: حصن بالمدينة، قال إنه حصن حسان بن ثابت.
[12750]:مقلصة: مجتمعة منضمة.
[12751]:راجع ج 7 ص 394.
[12752]:راجع ج 8 ص 242.
[12753]:الإسعاف: قضاء الحاجة.
[12754]:أرقعة جمع رقيع، والرقيع السماء، سميت بذلك لأنها رقعت النجوم.
[12755]:أي بلون الورد حين أن يتفتح.
[12756]:الملحمة: الوقعة العظيمة القتل.
[12757]:ويقال: فيه "خنافة" بالخاء المعجمة.
[12758]:راجع ج 8 ص 1.
[12759]:في المواهب اللدنية والإصابة:" ثعلبة بن عنمة بفتح العين المهملة والنون".
[12760]:قال ابن هشام:" سهم غرب، وسهم غرب (بإضافة وغير إضافة) وهو الذي لا يعرف من أين جاء ولا من رمى به".
[12761]:الهوى (بالفتح): الزمان الطويل.
[12762]:راجع ج 3 ص 223.
[12763]:راجع ج 11 ص 180.
[12764]:محوة: من أسماء الشمال؛ لأنها تمحو السحاب وتذهب بها، وهي معرفة لا تنصرف، ولا تدخلها ألف ولام.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَآءَتۡكُمۡ جُنُودٞ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا وَجُنُودٗا لَّمۡ تَرَوۡهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا} (9)

ولما أكد سبحانه وجوب الصدع بكل أمره وإن عظمت مشقته وزادت حرقته من غير ركون إلى مؤالف{[55107]} موافق ، ولا اهتمام بمخالف مشاقق{[55108]} ، اعتماداً على تدبيره ، وعظيم أمره في تقديره ، ذكرهم بدليل شهودي هو أعظم وقائعهم في حروبهم ، وأشد ما دهمتهم من كروبهم{[55109]} ، فقال معلماً أن المقصود بالذات بما مضى من{[55110]} الأوامر الأمة - وإنما وجه الأمر إلى الإمام{[55111]} ليكون أدعى لهم إلى الامتثال فإن الأمر للنبي{[55112]} صلى الله عليه وسلم تكويني بمنزلة ما يقول الله تعالى له { كن } فحقيقته الإرادة لا الأمر ، والأمر للذين آمنوا تكليفي{[55113]} . وقد يراد منهم{[55114]} ما يؤمرون{[55115]} به وقد لا يراد ، وللناس احتجاجي أي تقام{[55116]} به عليهم الحجة ، ومن المحقق أن بعضهم يراد منه{[55117]} خلاف المأمور به : { يا أيها الذين آمنوا } أي أقروا بالإيمان ، عبر به ليعم المنافقين { اذكروا } ورغبهم في الشكر بذكر الإحسان والتصريح بالاسم الأعظم فقال : { نعمة الله } عبر بها لأنها المقصودة بالذات والمراد إنعام الملك الأعلى الذي لا كفوء له { عليكم } أي لتشكروه عليها بالنفوذ لأمره غير ملتفتين إلى خلاف أحد كائناً من كان ، فإن الله كافيكم كل{[55118]} ما تخافون ثم ذكر لهم وقت تلك النعمة زيادة في تصويرها ليذكر لهم ما كان فيه منها فقال : { إذ } أي حين { جاءتكم } أي{[55119]} في غزوة الخندق حين اجتمعت عليكم الأحزاب وكان النبي صلى الله عليه وسلم ضربه حين سمع بهم بمشورة سلمان الفارسي رضي الله عنه على جانبي سلع من{[55120]} شماليه ، وخطه وقطع لكل عشرة رجال أربعين{[55121]} ذراعاً ، وكانوا ثلاثة آلاف ، فكان الخندق اثني عشر ألف ذراع { جنود } وهم الأحزاب من قريش ومن انضم إليه من {[55122]}الأحابيش في أربعة آلاف يقودهم أبو سفيان ابن حرب ، ومن انضم من{[55123]} قبائل العرب من بني سليم يقودهم أبو الأعور ، ومن بني عامر يقودهم عامر بن الطفيل ، ومن غطفان يقودهم عيينة بن حصن ، ومن بني أسد يقودهم طليحة بن خويلد ، ومن أسباط بني إسرائيل من اليهود ومن بني النضير ورؤساهم حيي بن أخطب وابنا أبي الحقيق ، وهم الذين جمعوا الأحزاب بسبب إجلاء النبي صلى الله عليه وسلم لبني النضير من المدينة الشريفة ، وأفسدوا أيضاً بني قريظة ، وكانوا بالمدينة الشريفة وسيدهم كعب بن أسد ، فكان الجميع اثني عشر الفاً ، وكانوا واثقين في زعمهم بأنهم{[55124]} لا يرجعون وقد بقي للإسلام باقية ، ولا يكون لأحد من أهله منهم{[55125]} واقية .

ولما كان مجيء الجنود مرهباً ، سبب عنه عوده إلى مظهر العظمة فقال : { فأرسلنا } أي تسبب عن ذلك أنا لما رأينا عجزكم عن مقابلتهم ومقاومتهم في مقاتلتهم ألهمناكم عمل الخندق ليمنعهم{[55126]} من سهولة الوصول إليكم ، ثم لما طال مقامهم أرسلنا بما لنا من العظمة { عليهم } أي خاصة { ريحاً } وهي ربح{[55127]} الصبا ، فأطفأت نيرانهم .

وأكفأت قدورهم وجفانهم ، وسفت التراب في وجوههم ، ورمتهم بالحجارة وهدت{[55128]} خيامهم ، وأوهنت ببردها عظامهم ، وأجالت خيلهم { وجنوداً لم تروها } يصح أن تكون الرؤية بصرية وقلبية ، منها من البشر نعيم بن مسعود الغطفاني رضي الله عنه هداه الله للإسلام ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : إنه لم يعلم أحد{[55129]} بإسلامي ، فمرني يا رسول الله بأمرك ! فقال : " إنما أنت فينا رجل واحد والحرب خدعة ، فخذل عنا{[55130]} مهما استطعت " فأخلف{[55131]} بين اليهود وبين العرب بأن قال لليهود وكانوا أصحابه : إن هؤلاء - يعني العرب - إن رأوا فرصة انتهزوها وإلا انشمروا إلى بلادهم راجعين . وليس حالكم كحالهم ، البلد بلدكم وبه أموالكم ونساؤكم وأبناؤكم ، فلا تقاتلوا معهم حتى تأخذوا منهم رهناً من أشرافهم ليكونوا عندكم{[55132]} حتى تناجزوا الرجل ، فإنه ليس لكم به طاقة إذا انفرد بكم ، فقالوا : أشرت بالرأي ، فقال : فاكتموا عني ، وقال لقريش : قد علمتم صحبتي لكم وفراقي لمحمد ، وقد سمعت أمراً ما أظن {[55133]}أنكم تتهمونني{[55134]} فيه ، فقالوا : ما أنت عندنا بمتهم ، قال : فاكتموا عني{[55135]} ، قالوا : نفعل ، قال : إن اليهود قد ندموا على نقض ما بينهم وبين محمد وأرسلوا إليه : إنا قد ندمنا فهل ينفعنا عندك{[55136]} أن نأخذ لك من القوم جماعة من أشرافهم تضرب أعناقهم ، ونكون معك على بقيتهم ، حتى تفرغ منهم{[55137]} لتكف{[55138]} عنا . وتعيد لنا الأمان ، قال : نعم ، فإن أرسلوا إليكم فلا{[55139]} تدفعوا إليهم رجلاً واحداً ، ثم أتى غطفان فقال : إنكم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إليّ ، قالوا : صدقت ، ثم قال لهم مثل ما قال لقريش واستكتمهم ، فأرسلت إليهم قريظة يطلبون منهم رهناً فقالوا{[55140]} : صدق نعيم ، وأبوا أن يدفعوا إليهم أحداً{[55141]} ، فقالت قريظة : صدق نعيم ، فتخاذلوا واختلفت كلمتهم ، فانكسرت شوكتهم ، وبردت حدتهم ، ومنها{[55142]} من الملائكة جبرائيل عليه السلام ومن أراد الله منهم - على جميعهم أفضل الصلاة والسلام ، والتحية والإكرام ، فكبروا في نواحي عسكرهم ، وزلزلوا بهم{[55143]} ، وبثوا الرعب في قلوبهم ، فماجت خيولهم ، واضمحل قالهم وقيلهم ، فكان في ذلك رحيلهم ، بعد نحو أربعين يوماً أو بضع وعشرين - على ما قيل .

ولما أجمل سبحانه القصة على طولها في بعض هذه الآية ، فصلها فقال{[55144]} ذاكراً الاسم الأعظم إشارة إلى أن ما وقع فيها كان معتنى به اعتناء من بذل جميع الجهد وإن كان الكل عليه سبحانه يسيراً{[55145]} : { وكان الله } الذي له جميع صفات {[55146]}الكمال و{[55147]}الجلال والجمال { بما يعملون } أي الأحزاب من التحزب والتجمع والتألب والمكر والقصد السيىء - على قراءة البصري{[55148]} ، وأنتم أيها المسلمون من حفر الخندق وغيره من الصدق في الإيمان وغيره{[55149]} - على قراءة الباقين { بصيراً } بالغ الإبصار والعلم ، فدبر في هذه الحرب ما كان المسلمون به الأعلين ولم ينفع أهل الشرك قوتهم ، ولا أغنت عنهم كثرتهم ، ولا ضر المؤمنين قلتهم ، وجعلنا ذلك سبباً لإغنائهم{[55150]} بأموال بني قريظة ونسائهم وأبنائهم وشفاء لأدواتهم بإراقة دمائهم - كما سيأتي ؛


[55107]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: مألوف.
[55108]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: متشاقق.
[55109]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: ركوبهم.
[55110]:زيد من ظ وم ومد.
[55111]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: إمام.
[55112]:في ظ ومد: إلى النبي.
[55113]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: تكليفا.
[55114]:زيد من ظ وم ومد.
[55115]:من م ومد، وفي الأصل وظ: يأمرون.
[55116]:من م ومد، وفي الأصل وظ: مقام.
[55117]:في ظ: منهم.
[55118]:سقط من ظ ومد.
[55119]:زيد من ظ وم ومد.
[55120]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: من.
[55121]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أربعون.
[55122]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[55123]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[55124]:من م ومد، وفي الأصل وظ: أنهم.
[55125]:زيد من ظ وم ومد.
[55126]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: ليمنعكم.
[55127]:سقط من ظ.
[55128]:من م ومد، وفي الأصل وظ: هدمت.
[55129]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أحدا.
[55130]:في ظ: عنها.
[55131]:زيد في الأصل: بيتك، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[55132]:في ظ: عندك.
[55133]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أن تتهموني.
[55134]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أن تتهموني.
[55135]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: على.
[55136]:زيد من ظ وم ومد.
[55137]:زيد من ظ وم ومد.
[55138]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: وتكف.
[55139]:في ظ ومد: لا.
[55140]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: فقال.
[55141]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: رجلا واحدا.
[55142]:في ظ: منهم.
[55143]:زيد من ظ وم ومد.
[55144]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: وقال.
[55145]:زيد من ظ وم ومد.
[55146]:سقط ما بين الرقمين من ظ وم ومد.
[55147]:سقط ما بين الرقمين من ظ وم ومد.
[55148]:راجع نثر المرجان 5/379و 380.
[55149]:زيد من ظ وم ومد.
[55150]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لإفنائهم.