{ 56 - 59 } { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }
يقول تعالى : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا } بي وصدقوا رسولي { إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ } فإذا تعذرت عليكم عبادة ربكم في أرض ، فارتحلوا منها إلى أرض أخرى ، حيث كانت العبادة للّه وحده ، فأماكن العبادة ومواضعها ، واسعة ، والمعبود واحد .
ولما أبلغ في الإنذار ، وحذر من الأمور الكبار ، ولم يهمل الإشارة إلى الصغار ، وكانت هذه الآيات في المتعنتين من الكفار ، وكان قد كرر أن هذه المواعظ إنما هي للمؤمنين ، قال مخاطباً لهم معرضاً عن سواهم إذ كانت أسماعهم لبليغ هذه المواعظ قد أصغت ، وقلوبهم لجليل هذه الإنذارات قد استيقظت ، التفاتاً على قراءة الجمهور إلى التلذيذ في المناجاة بالإفراد والإبعاد من مداخل التعنت : { يا عبادي } فشرفهم بالإضافة ، ولكنه لما أشار بأداة البعد إلى أن فيهم من لم يرسخ ، حقق ذلك بقوله : { الذين آمنوا } أي وإن كان الإيمان باللسان مع أدنى شعبة من القلب .
ولما كان نزول هذه السورة بمكة ، وكانوا بها مستخفين بالعبادة خوفاً من الكفار ، وكانت هجرة الأهل والأوطان شديدة ، قال مؤكداً تنبيهاً على أن حال من ترك الهجرة حال من يظن أن الأرض ضيقة : { إن أرضي واسعة } أي في الذات والرزق وكل ما تريدون من الرفق ، فإن لم تتمكنوا بسبب هؤلاء المعاندين الذين يفتنونكم في دينكم ويمنعونكم من الإخلاص إلي في أرضكم والاجتهاد في عبادتي حتى يصير الإيمان لكم وصفاً ، فهاجروا إلى أرض تتمكنون فيها من ذلك .
ولما كانت الإقامة بها قبل الفتح مؤدية إلى الفتنة ، وكان المفتون ربما طاوع بلسانه ، وكان ذلك وإن كان القلب مطمئناً بالإيمان في صورة الشرك قال : { فإياي } أي خاصة بالهجرة إلى أرض تأمنون فيها اعبدوا وتنبهوا { فاعبدون* } بسبب ما دبرت لكم من المصالح من توسيع الأرض وغيره ، عبادة لا شرك فيها ، لا باللسان ولا بغيره ولا استخفافاً بها ولا مراعاة لمخلوق في معصيته ، ولا شيء يجر إليها بالهرب ممن يمنعكم من ذلك إلى من يعينكم عليه .
قوله : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ( 56 ) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ( 57 ) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ( 58 ) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ( 59 ) وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } .
يأمر الله عباده المؤمنين أن يهاجروا من البلد الذي يفتنون فيه عن دينهم فلا يقدرون بذلك أن يعبدوا الله أحرارا ، أو أن يجاهروا بعبادة ربهم على الملأ خشية أن يميل الكافرون الظالمون فينكلوا بهم تنكيلا أو يستأصلوهم استئصالا أو يلقوا بهم في مهالك السجون والزنازين حيث الموت والتنكيل والإبادة . هؤلاء يأمرهم ربهم أن يغادروا بلدهم هذا الذي يجدون فيه الهوان والفتنة ليخرجوا إلى بلاد الله الواسعة كما يعبدوا الله أحرارا طلقاء ؛ فإذا أحاطت بالمؤمن الفتنة ؛ والمعاصي في بلد وهو غير قادر على تغيير ذلك ، أو كان بقاؤه في هذا البلد سببا في سقوطه في الضلال والانغماس في الرذيلة والمعصية بات خروجه واجبا ؛ صونا لدينه أن يضيع . فقال سبحانه في ذلك : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ } وفي ذلك روى الإمام أحمد ، عن أبي يحيى مولى الزبير بن العوام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البلاد بلاد الله والعباد عباد الله فحيثما أصبت خيرا فأقم " .
ولهذا لما ضاق المقام على المسلمين المستضعفين بمكة خرجوا منها مهاجرين إلى أرض الحبشة ليأمنوا على دينهم فيها فوجدوا فيها خير مقام في كنف المسلم العادل أصحمة النجاشي ملك الحبشة . وبعد ذلك هاجر رسول الله صلى الله عليه سلم وأصحابه إلى يثرب –المدينة المنورة- فوجدوا فيها الأمن والاستقرار وحسن المقام لدى إخوان كرام أبرار وهم الأنصار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.