تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغۡلَبُونَ وَتُحۡشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ} (12)

ثم قال تعالى { قل } يا محمد { للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد } وفي هذا إشارة للمؤمنين بالنصر والغلبة وتحذير للكفار ، وقد وقع كما أخبر تعالى ، فنصر الله المؤمنين على أعدائهم من كفار المشركين واليهود والنصارى ، وسيفعل هذا تعالى بعباده وجنده المؤمنين إلى يوم القيامة ، ففي هذا عبرة وآية من آيات القرآن المشاهدة بالحس والعيان ، وأخبر تعالى أن الكفار مع أنهم مغلوبون في الدار أنهم محشورون ومجموعون يوم القيامة لدار البوار ، وهذا هو الذي مهدوه لأنفسهم فبئس المهاد مهادهم ، وبئس الجزاء جزاؤهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغۡلَبُونَ وَتُحۡشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ} (12)

يقول تعالى : قل يا محمد للكافرين : { سَتُغْلَبُونَ } أي : في الدنيا ، { وَتُحْشَرُونَ } أي : يوم القيامة { إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ } .

وقد ذكر محمد بن إسحاق بن{[4833]} يسار ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصاب من أهل بدر ما أصاب ورجع إلى المدينة ، جمع اليهود في سوق بني قَيْنُقَاع وقال : " يا معشر يهود ، أسلموا قبل أن يصيبكم الله ما{[4834]} أصاب قريشًا " . فقالوا : يا محمد ، لا يغرنك من نفسك أن قتلت نفرًا من قريش كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال ، إنك والله لو{[4835]} قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس ، وأنك لم تلق مثلنا ؟ فأنزل الله في ذلك من قولهم : { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ }

إلى قوله : { لَعِبْرَةً{[4836]} لأولِي الأبْصَارِ }{[4837]} .

وقد رواه ابن إسحاق أيضًا ، عن محمد بن أبي محمد ، عن سعيد أو عكرمة ، عن ابن عباس فذكره ؛ ولهذا قال تعالى : { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ }


[4833]:في ر: "عن".
[4834]:في جـ، ر: "بما".
[4835]:في جـ، ر: "إن".
[4836]:في ر، و: "عبرة".
[4837]:السيرة لابن إسحاق (ق 162 ظاهرية).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغۡلَبُونَ وَتُحۡشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ} (12)

استئناف ابتدائي ، للانتقال من النذارة إلى التهديد ، ومن ضَرب المثل لهم بأحوال سلفهم في الكفر ، إلى ضرب المثل لهم بسابق أحوالهم المؤذنة بأنّ أمرهم صائر إلى زوال ، وأنّ أمر الإسلام ستندكّ له صمّ الجبال . وجيء في هذا التهديد بأطنب عبارة وأبلغها ؛ لأنّ المقام مقام إطناب لمزيد الموعظة ، والتذكير بوصف يوم كانَ عليهم ، يعلمونه . { والذين كفروا } [ البقرة : 39 ] يحتمل أنّ المراد بهم المذكورون في قوله : { إنّ الذين كفروا لن تغني عنهم } [ آل عمران : 116 ] فيجيء فيه ما تقدّم والعدول عن ضمير ( هم ) إلى الاسم الظاهر لاستقلال هذه النذارة .

والظاهر أنّ المراد بهم المشركون خاصّة ، ولذلك أعيد الاسم الظاهر ، ولم يؤت بالضمير بقرينة قوله بعدَه : { قد كان لكم آية } إلى قوله { يرونهم مثليهم رأى العين } وذلك ممّا شاهده المشركون يوم بدر .

وقد قيل : أريد بالذين كفروا خصوص اليهود ، وذكروا لذلك سبباً رواه الواحدي ، في أسباب النزول : أنّ يهود يَثرب كانوا عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مدّة فلمّا أصاب المسلمين يوم أحد ما أصابهم من النكبة . نقضوا العهد وانطلق كعب بن الأشْرَف في ستين راكباً إلى أبي سفيان بمكة وقالوا لهم : لتكونَنّ كلمتنا واحدة ، فلمّا رجعوا إلى المدينة أنزلت هذه الآية .

وروى محمد بن إسحاق : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غَلَب قريشاً ببدر ، ورجع إلى المدينة ، جمع اليهودَ وقال لهم : " يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش وأسلموا فقد عرفتم ، أنّي نبيء مرسل " فقالوا : « يا محمد لا يغرنّك أنّك لقيتَ قوماً أغمارَا لا معرفة لهم بالحرب فأصبْتَ فيهم فرصة أمَا والله لو قاتلناك لعرفتَ أنّا نحن الناس » فأنزل الله هذه الآية . وعلى هاتين الروايتين فالغلب الذي أنذروا به هو فتح قريظة والنضِير وخَيبر ، وأيضاً فالتهديد والوعيد شامل للفريقين في جميع الأحوال .

وعطف { بئس المهاد } على { ستغلبون } عطف الإنشاء على الخبر .

وقرأ الجمهور { ستُغلبون وتُحشرون } كلتيهما بتاء الخطاب وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلَف : بياء الغيبة ، وهما وجهان فيما يحكَى بالقول لمخاطب ، والخطابُ أكثر : كقوله تعالى : { ما قلتُ لهم إلاّ ما أمرتني به أن اعبُدوا الله ربّي وربّكم } [ المائدة : 117 ] ولم يقل ربَّك وربَّهم .