غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغۡلَبُونَ وَتُحۡشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ} (12)

12

التفسير : عن ابن عباس في رواية أبي صالح عنه قال : لما هزم الله المشركين يوم بدر قالت يهود المدينة : هذا والله النبي الأمي الذي بشرنا به موسى ونجده في كتابنا بنعته وصفته وأنه لا ترد له راية وأرادوا تصديقه وإتباعه . ثم قال بعضهم لبعض : لا تعجلوا حتى ننظر إلى وقعة أخرى . فلما كان يوم أحد ونكب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا فقالوا : لا والله ما هو به . وغلب عليهم الشقاء فلم يسلموا . وكان بينهم وبين رسول الله عهد إلى مدة فنقضوا ذلك العهد . وانطلق كعب بن الأشرف في ستين راكباً إلى أهل مكة أبي سفيان وأصحابه فوافقوهم وأجمعوا أمرهم وقالوا : لتكونن كلمتنا واحدة . ثم رجعوا إلى المدينة فأنزل الله فيهم هذه الآية . وقال محمد بن إسحق بن يسار في رواية عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس : لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً ببدر وقدم المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع فقال : يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر ، وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم ، فقد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم . فقالوا : يا محمد ، لا يغرّنك أنك لقيت قوماً أغماراً لا علم لهم بالحرب فأصبت فيهم فرصة . أما والله لو قاتلناك لعرفت أنا نحن الناس فأنزل الله { قل للذين كفروا } يعني اليهود { ستغلبون } تهزمون { وتحشرون إلى جهنم } في الآخرة . ومعنى جهنم قد مر في البقرة في قوله :{ فحسبه جهنم ولبئس المهاد }[ البقرة : 206 ] وقيل : هم مشركو مكة { ستغلبون } يعني يوم بدر من قرأ بتاء الخطاب فمعناه الأمر بأن يخبرهم بما سيجري عليهم من الغلبة والحشر بأي لفظ أراد صلى الله عليه وسلم ، ومن قرأ بالياء فالأمر متوجه إلى حكاية هذا اللفظ أي قل لهم قولي لك : { سيغلبون } . وفي الآية حجاج للقائل بتكليف ما لا يطاق ، فإنه تعالى أخبر عنهم بأنهم يحشرون إلى جهنم ، فلو آمنوا وأطاعوا لانقلب الخبر كذباً . وفيها دليل على صحة البعث والحشر بإخبار الصادق وفي قوله { ستغلبون } وقد وقع كما أخبر إخبار عن الغيب فيكون معجزاً دالاً على صدق النبي صلى الله عليه وسلم . نظيره في حق عيسى عليه السلام { وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم }[ آل عمران : 49 ]

/خ25