تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ} (39)

{ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى } فليس له من عمل غيره وسعيهم شيء ، ولا يتحمل أحد عن أحد ذنبا .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ} (39)

{ وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى } أي : كما لا يحمل عليه وزر غيره ، كذلك لا يحصل من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه . ومن وهذه الآية الكريمة استنبط الشافعي ، رحمه الله ، ومن اتبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى ؛ لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم ؛ ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ولا حثهم عليه ، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء ، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة ، رضي الله عنهم ، ولو كان خيرا لسبقونا إليه ، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ، ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء ، فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما ، ومنصوص من الشارع عليهما .

وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : من ولد صالح يدعو له ، أو صدقة جارية من بعده ، أو علم ينتفع به " {[27706]} ، فهذه الثلاثة في الحقيقة هي من سعيه وكده وعمله ، كما جاء في الحديث : " إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، وإن ولده من كسبه " {[27707]} . والصدقة الجارية كالوقف ونحوه هي من آثار عمله ووقفه ، وقد قال تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُم } {[27708]} الآية [ يس : 12 ] . والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس بعده هو أيضا من سعيه وعمله ، وثبت في الصحيح : " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه ، من غير أن ينقص من أجورهم شيئا " .


[27706]:- (3) صحيح مسلم برقم (1631).
[27707]:- (4) رواه أحمد في المسند (6/31) وأبو داود في السنن برقم (3528) والترمذي في السنن برقم (1358) والنسائي في السنن (7/240) من حديث عائشة رضي الله عنها/ وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".
[27708]:- (5) في م: (وآثارهم وكل شيء أحصيناه).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ} (39)

قوله تعالى : { وأن ليس للإنسان } وقوله بعد ذلك { وأنه } ، { وأنه } معطوف كل ذلك على أن المقدرة أولاً في قوله : «أنه لا تزر » وهي كلها بفتح الألف في قراءة الجمهور . وقرأ أبو السمال قعنب «وإن إلى ربك » بكسر الهمزة فيهما وفيما بعدها وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أن قوله : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } منسوخ بقوله : { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم }{[10723]} [ الطور : 21 ] وهذا لا يصح عندي على ابن عباس ، لأنه خبر لا ينسخ ، ولأن شروط النسخ ليست هنا ، اللهم إلا أن يتجوز في لفظة النسخ ليفهم سائلاً ، وقال عكرمة : كان هذا الحكم في قوم إبراهيم وموسى ، وأما هذه الأمة فلها سعي غيرها ، والدليل حديث سعد بن عبادة قال : يا رسول الله هل لأمي إن تطوعت عنها ؟ قال : نعم{[10724]} . وقال الربيع بن أنس : «الإنسان » الذي في هذه الآية هو الكافر وأما المؤمن فله ما سعى وما سعى له غيره . وسأل عبد الله بن طاهر بن الحسين والي خراسان الحسين بن الفضل عن هذه الآية مع قوله : { والله يضاعف لمن يشاء }{[10725]} [ البقرة : 261 ] فقال ليس له بالعدل إلا ما سعى ، وله بفضل الله ما شاء الله ، فقبل عبد الله رأس الحسين . وقال الجمهور : الآية محكمة . والتحرير عندي في هذه الآية أن ملاك المعنى هو في اللام من قوله : { للإنسان } فإذا حققت الشيء الذي هو حق الإنسان يقول فيه لي كذا لم يجده إلا سعيه ، وما بعد من رحمة ثم شفاعة أو رعاية أب صالح أو ابن صالح أو تضعيف حسنات أو تغمد بفضل ورحمة دون هذا كله فليس هو للإنسان ولا يسعه أن يقول لي كذا إلا على تجوز وإلحاق بما هو له حقيقة . واحتج بهذه الآية من يرى أنه لا يعمل أحد عن أحد بعد موته ببدن ولا مال . وفرق بعض العلماء بين البدن والمال ، وهي عندي كلها فضائل للعامل وحسنات تذكر للمعمول عنه . وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعداً بالصدقة عن أمه . والسعي : التكسب .


[10723]:من الآية (21) من سورة (الطور).
[10724]:أخرج الإمام أحمد في مسنده عن هشام، قال: أخبرني أبي، قال: أخبرتني عائشة أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي افتُلتت نفسها، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر أن أتصدق عنها؟ قال: نعم، وأخرجه مسلم في صحيحه من عدة طرق، كلها تنتهي إلى هشام، ومعنى "افتُلتت"، ماتت فجأة. قال الإمام ابن حزام النووي في شرحه لصحيح مسلم:"وفي هذا الحديث أن الصدقة عن الميت تنفع الميت ويصله ثوابها، وهو كذلك بإجماع العلماء، وكذلك أجمعوا على وصول الدعاء وقضاء الدين بالنصوص الواردة في الجميع، ويصح الحج عن الميت إذا كان حج الإسلام، وكذا إذا وصى بحج التطوع على الأصح عندنا، واختلف العلماء في الصوم إذا مات وعليه صوم، فالراجح جوازه عنه للأحاديث الصحيحة فيه، وأما الصلاة وسائر الطاعات فلا تصله عندنا ولا عند الجمهور، وقال أحمد: يصله ثواب الجميع". وقد وضح القرطبي اسم الرجل كما هنا، وذكر أن الرجل سأل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء.
[10725]:من الآية(261) من سورة (البقرة).
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ} (39)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وأن ليس للإنسان} في الآخرة {إلا ما سعى} يعني إلا ما عمل في الدنيا...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"ألاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى "فإن من قوله: "ألاّ تَزِرُ" على التأويل الذي تأوّلناه في موضع خفض ردّا على «ما» التي في قوله "أمْ لَمْ يُنَبّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى" يعني بقوله: "ألاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى" غيرها، بل كل آثمة فإنما إثمها عليها...

وإنما عُنِي بقوله: "ألاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى" الذي ضَمِن للوليد بن المغيرة أن يتحمل عنه عذاب الله يوم القيامة، يقول: ألم يُخْبَرْ قائل هذا القول، وضامن هذا الضمان بالذي في صحف موسى وإبراهيم مكتوب: أن لا تأثم آثمة إثم أخرى غيرها "وأنْ لَيْسَ للإنْسانِ إلاّ ما سَعَى" يقول جلّ ثناؤه: أوَ لم يُنَبأ أنه لا يُجازى عامل إلاّ بعمله، خيرا كان ذلك أو شرّا...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يشبه أن يكون قوله: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} أي ليس على الإنسان إلا ما سعى، لأنه، جل، وعلا، يثيب، ويعطي الزيادة على ما سعى بفضله وكرمه كقوله: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160] ونحو الصغار الذين لا سعي لهم قد يعطيهم الثواب بفضله. وأما جواز السيئة فإنه لا يكون إلا بالمثل كقوله تعالى: {فلا يُجزى إلا مثلها} [الأنعام: 160] وجائز أن يكون: له بمعنى عليه في اللغة كقوله عز وجل: {إن أحسنتم أحسنتُم لأنفسكم وإن أسأتم فلها} [الإسراء: 7] أي فعليها. ويحتمل أن تكون الآية في أولئك الكافرين الذين نزل فيهم قوله تعالى: {ألاّ تزِر وازرة وِزر أخرى} يقول: ليس لذلك الإنسان إلا ما سعى...

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

معناه: إن سعى في الخير يلق الخير، وإن سعى في الشر يلق الشر...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{إِلاَّ مَا سعى} إلا سعيه. فإن قلت: أما صح في الأخبار: الصدقة عن الميت، والحج عنه، وله الإضعاف؟ قلت: فيه جوابان؛

أحدهما: أن سعي غيره لما لم ينفعه إلا مبنياً على سعي نفسه وهو أن يكون مؤمناً صالحاً وكذلك الإضعاف كان سعى غيره كأنه سعى نفسه، لكونه تابعاً له وقائماً بقيامه.

والثاني؛ أن سعي غيره لا ينفعه إذا عمله لنفسه، ولكن إذا نواه به فهو بحكم الشرع كالنائب عنه والوكيل القائم مقامه...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وقال عكرمة: كان هذا الحكم في قوم إبراهيم وموسى، وأما هذه الأمة فلها سعي غيرها، والدليل حديث سعد بن عبادة قال: يا رسول الله هل لأمي إن تطوعت عنها؟ قال: نعم. وسأل عبد الله بن طاهر بن الحسين والي خراسان الحسين بن الفضل عن هذه الآية مع قوله: {والله يضاعف لمن يشاء} [البقرة: 261] فقال ليس له بالعدل إلا ما سعى، وله بفضل الله ما شاء الله، فقبل عبد الله رأس الحسين. وقال الجمهور: الآية محكمة. والتحرير عندي في هذه الآية أن ملاك المعنى هو في اللام من قوله: {للإنسان} فإذا حققت الشيء الذي هو حق الإنسان يقول فيه لي كذا لم يجده إلا سعيه، وما بعد من رحمة ثم شفاعة أو رعاية أب صالح أو ابن صالح أو تضعيف حسنات أو تغمد بفضل ورحمة دون هذا كله فليس هو للإنسان ولا يسعه أن يقول لي كذا إلا على تجوز وإلحاق بما هو له حقيقة. واحتج بهذه الآية من يرى أنه لا يعمل أحد عن أحد بعد موته ببدن ولا مال. وفرق بعض العلماء بين البدن والمال، وهي عندي كلها فضائل للعامل وحسنات تذكر للمعمول عنه. وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعداً بالصدقة عن أمه. والسعي: التكسب.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{إلا ما سعى} معناه العمل يقال: سعى فلان أي عمل، ولو كان كما ذكرتم لقال: إلا ما سعى فيه نقول على الوجهين جميعا: لا بد من زيادة فإن قوله تعالى: {ليس للإنسان إلا ما سعى} ليس المراد منه أن له عين ما سعى، بل المراد على ما ذكرت ليس له إلا ثواب ما سعى، أو إلا أجر ما سعى، أو يقال: بأن المراد أن ما سعى محفوظ له مصون عن الإحباط فإذن له فعله يوم القيامة {ما سعى} مبقى على حقيقته معناه له عين ما سعى محفوظ عند الله تعالى ولا نقصان يدخله ثم يجزى به كما قال تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره}.

المسألة الثانية: أن {ما} خبرية أو مصدرية؟ نقول: كونها مصدرية أظهر بدليل قوله تعالى: {وأن سعيه سوف يرى} أي سوف يرى المسعى، والمصدر للمفعول يجيء كثيرا يقال: هذا خلق الله أي مخلوقه.

المسألة الثالثة: المراد من الآية بيان ثواب الأعمال الصالحة أو بيان كل عمل، نقول: المشهور أنهما لكل عمل فالخير مثاب عليه والشر معاقب به والظاهر أنه لبيان الخيرات يدل عليه اللام في قوله تعالى: {للإنسان} فإن اللام لعود المنافع وعلى لعود المضار تقول: هذا له، وهذا عليه، ويشهد له ويشهد عليه في المنافع والمضار، وللقائل الأول أن يقول: بأن الأمرين إذا اجتمعا غلب الأفضل كجموع السلامة تذكر إذا اجتمعت الإناث مع الذكور، وأيضا يدل عليه قوله تعالى: {ثم يجزيه الجزاء الأوفى} والأوفى لا يكون إلا في مقابلة الحسنة، وأما في السيئة فالمثل أو دونه العفو بالكلية.

المسألة الرابعة: {إلا ما سعى} بصيغة الماضي دون المستقبل لزياد الحث على السعي في العمل الصالح وتقريره هو أنه تعالى لو قال: ليس للإنسان إلا ما يسعى، تقول النفس إني أصلي غدا كذا ركعة وأتصدق بكذا درهما، ثم يجعل مثبتا في صحيفتي الآن لأنه أمر يسعى وله فيه ما يسعى فيه، فقال: ليس له إلا ما قد سعى وحصل وفرغ منه، وأما تسويلات الشيطان وعداته فلا اعتماد عليها.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وتعريف {الإِنسان} تعريف الجنس، ووقوعه في سياق النفي يفيد العموم، والمعنى: لا يختص به إلا ما سعاه.والمراد هنا عمل الخير بقرينة ذكر لام الاختصاص وبأن جعل مقابلاً لقوله: {ألا تزر وازرة وزر أخرى} [النجم: 38]. والمعنى: لا تحصل لأحد فائدة عَمل إلا ما عمله بنفسه، فلا يكون له عملُ غيره، ولام الاختصاص يرجح أن المراد ما سَعاه من الأعمال الصالحة، وبذلك يكون ذكر هذا تتميماً لمعنى {ألا تزر وازرة وزر أخرى}، احتراساً من أن يخطُر بالبال أن المدفوع عن غير فاعله هو الوزر، وإنّ الخير ينال غيرَ فاعله. ومعنى الآية محكي في القرآن عن إبراهيم في قوله عنه: {إلا من أتى الله بقلب سليم} [الشعراء: 89]. ومعنى الآية محكي في القرآن عن إبراهيم في قوله عنه: {إلا من أتى الله بقلب سليم} [الشعراء: 89].

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

«السعي» في الأصل معناه السير السريع الذي لا يصل مرحلة الركض، إلاّ أنّه يستعمل غالباً في الجدّ والمثابرة، لأنّ الإنسان يؤدّي حركات سريعة في جدّه ومثابرته سواءً كان ذلك في الخير أو الشرّ! والذي يسترعي الانتباه أنّ القرآن لا يقول: وان ليس للإنسان إلاّ ما أدّى من عمل.. بل يقول: إلاّ ما سعى. وهذا التعبير إشارة إلى أنّ على الإنسان أن يجدّ ويثابر فذلك هو المطلوب منه وإن لم يصل إلى هدفه، فالعبرة بالنيّة، فإذا نوى خيراً أعطاه الله ثوابه، لأنّ الله يتقبّل النيّات والمقاصد لا الأعمال المؤدّاة فحسب.