تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞فَلۡيُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشۡرُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا بِٱلۡأٓخِرَةِۚ وَمَن يُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقۡتَلۡ أَوۡ يَغۡلِبۡ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (74)

ومن لطف الله بعباده أن لا يقطع عنهم رحمته ، ولا يغلق عنهم أبوابها . بل من حصل منه غير ما يليق أمره ودعاه إلى جبر نقصه وتكميل نفسه ، فلهذا أمر هؤلاء بالإخلاص والخروج في سبيله فقال : { فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ } هذا أحد الأقوال في هذه الآية وهو أصحها .

وقيل : إن معناه : فليقاتل في سبيل الله المؤمنون الكاملو الإيمان ، الصادقون في إيمانهم { الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ } أي : يبيعون الدنيا رغبة عنها بالآخرة رغبة فيها .

فإن هؤلاء الذين يوجه إليهم الخطاب لأنهم الذين قد أعدوا أنفسهم ووطَّنوها على جهاد الأعداء ، لما معهم من الإيمان التام المقتضي لذلك .

وأما أولئك المتثاقلون ، فلا يعبأ بهم خرجوا أو قعدوا ، فيكون هذا نظير قوله تعالى : { قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا } إلى آخر الآيات . وقوله : { فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } وقيل : إن معنى الآية : فليقاتل المقاتل والمجاهد للكفار الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ، فيكون على هذا الوجه " الذين " في محل نصب على المفعولية .

{ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } بأن يكون جهادا قد أمر الله به ورسوله ، ويكون العبد مخلصا لله فيه قاصدا وجه الله . { فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } زيادة في إيمانه ودينه ، وغنيمة ، وثناء حسنا ، وثواب المجاهدين في سبيل الله الذين أعد الله لهم في الجنة ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞فَلۡيُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشۡرُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا بِٱلۡأٓخِرَةِۚ وَمَن يُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقۡتَلۡ أَوۡ يَغۡلِبۡ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (74)

ثم قال تعالى : { فَلْيُقَاتِلْ } أي : المؤمن النافر { فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ } أي : يبيعون دينهم بعَرَض قليل من الدنيا ، وما ذلك{[7893]} إلا لكفرهم وعدم إيمانهم .

ثم قال تعالى : { وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } أي : كل من قاتل في سبيل الله - سواء قتل أو غَلَب وسَلَب - فله عند الله مثوبة عظيمة وأجر جزيل ، كما ثبت في الصحيحين{[7894]} وتكفل الله للمجاهد في سبيله ، إن{[7895]} توفاه أن يدخله الجنة ، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة .


[7893]:في د، ر: "وذاك".
[7894]:رواه البخاري في صحيحه برقم (7463، 7457) ومسلم في صحيحه برقم (1876) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[7895]:في د، ر، أ: "بأن".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞فَلۡيُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشۡرُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا بِٱلۡأٓخِرَةِۚ وَمَن يُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقۡتَلۡ أَوۡ يَغۡلِبۡ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (74)

هذا أمر من الله عز وجل للمؤمنين الذين وصفهم بالجهاد في سبيل الله ، و { يشرون } معناه : يبيعون في هذا الموضع ، وإن جاء في مواضع : يشترون ، فالمعنى هاهنا يدل على أنه بمعنى «يبيعون » ثم وصف الله ثواب المقاتل في سبيل الله ، فذكر غايتي حالتيه ، واكتفى بالغايتين عما بينهما ، وذلك أن غاية المغلوب في القتال أن يقتل ، وغاية الذي يقتل ويغنم أن يتصف بأنه غالب على الإطلاق ، «والأجر العظيم » : الجنة ، وقالت فرقة ، «فلْيقاتل » بسكون لام الأمر ، وقرأت فرقة «فلِيقاتل » بكسرها ، وقرأ محارب بن دثار «فيقتل أو يَغلب » على بناء الفعلين للفاعل ، وقرأ الجمهور { نؤتيه } بالنون ، وقرأ الأعمش وطلحة بن مصرف «فسوف يؤتيه » بالياء .