تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَّوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ ظَنَّ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بِأَنفُسِهِمۡ خَيۡرٗا وَقَالُواْ هَٰذَآ إِفۡكٞ مُّبِينٞ} (12)

ثم أرشد الله عباده عند سماع مثل هذا الكلام فقال : { لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا } أي : ظن المؤمنون بعضهم ببعض خيرا ، وهو السلامة مما رموا به ، وأن ما معهم من الإيمان المعلوم ، يدفع ما قيل فيهم من الإفك الباطل ، { وَقَالُوا } بسبب ذلك الظن { سُبْحَانَكَ } أي : تنزيها لك من كل سوء ، وعن أن تبتلي أصفياءك بالأمور الشنيعة ، { هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ } أي : كذب وبهت ، من أعظم الأشياء ، وأبينها . فهذا من الظن الواجب ، حين سماع المؤمن عن أخيه المؤمن ، مثل هذا الكلام ، أن يبرئه بلسانه ، ويكذب القائل لذلك .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَّوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ ظَنَّ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بِأَنفُسِهِمۡ خَيۡرٗا وَقَالُواْ هَٰذَآ إِفۡكٞ مُّبِينٞ} (12)

هذا تأديب من الله للمؤمنين في قضية{[20909]} عائشة ، رضي الله عنها ، حين أفاض بعضهم في ذلك الكلام السيئ ، وما ذكر من شأن الإفك ، فقال : { لَوْلا } بمعنى : هلا { إِذْ سَمِعْتُمُوهُ } أي : ذلك الكلام ، أي : الذي رميت به أم المؤمنين { ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا } أي : قاسوا ذلك الكلام على أنفسهم ، فإن كان لا يليق بهم فأم المؤمنين أولى بالبراءة منه بطريق الأولى والأحرى .

وقد قيل : إنها نزلت في أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري وامرأته ، رضي الله عنهما ، كما قال الإمام محمد بن إسحاق بن يَسَار ، عن أبيه ، عن بعض رجال بني النجار ؛ أن أبا أيوب خالدَ بن زيد قالت له امرأته أم أيوب : يا أبا أيوب ، أما تسمع ما يقول الناس في عائشة ، رضي الله عنها ؟ قال : نعم ، وذلك الكذب . أكنتِ فاعلة ذلك يا أم أيوب ؟ قالت : لا والله ما كنتُ لأفعله . قال : فعائشة والله خير منك . قال : فلما نزل القرآن ذكر الله ، عز وجل ، مَنْ قال في الفاحشة ما قال من أهل الإفك : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ } [ النور : 11 ] وذلك حسان وأصحابه ، الذين قالوا ما قالوا ، ثم قال : { لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ } {[20910]} الآية ، أي : كما قال أبو أيوب وصاحبته{[20911]} .

وقال محمد بن عمر الواقدي : حدثني ابن أبي حبيبة{[20912]} عن داود بن الحصين ، عن أبي سفيان ، عن أفلح مولى أبي أيوب ، أن أم أيوب قالت لأبي أيوب : ألا تسمع{[20913]} ما يقول الناس في عائشة ؟ قال : بلى ، وذلك الكذب ، أفكنت يا أم أيوب [ فاعلة ذلك ]{[20914]} ؟ قالت : لا والله . قال : فعائشة والله خير منك . فلما نزل القرآن ، وذكر أهل الإفك ، قال الله عز وجل : { لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ } يعني : أبا أيوب حين قال لأم أيوب ما قال .

ويقال : إنما قالها أبي بن كعب .

وقوله : { ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا } أي : هَلا ظنوا الخير ، فإن أم المؤمنين أهله وأولى به ، هذا ما يتعلق بالباطن ، { وَقَالُوا } أي : بألسنتهم { هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ } أي : كذب ظاهر على أم المؤمنين ، فإن الذي وقع لم يكن ريبة ، وذلك أن مجيء أم المؤمنين راكبة جَهْرَة على راحلة صفوان بن المعطل في وقت الظهيرة ، والجيش بكماله يشاهدون ذلك ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم ، لو كان هذا الأمر فيه ريبة لم يكن هكذا{[20915]} جَهْرَة ، ولا كانا يُقدمان على مثل ذلك على رؤوس الأشهاد ، بل كان يكون هذا - لو قُدر - خفية مستورا ، فتعيَّن أن ما جاء به أهل الإفك مما رَمَوا به أم المؤمنين هو الكذب البحت ، والقول الزور ، والرّعُونة الفاحشة [ الفاجرة ]{[20916]} والصفقة الخاسرة .


[20909]:- في ف : "قصة".
[20910]:- في ف ، أ : "ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا".
[20911]:- رواه الطبري في تفسيره (18/77).
[20912]:- في ف ، أ : "حبيب".
[20913]:- في ف : "تستمع".
[20914]:- زيادة من ف ، أ.
[20915]:- في ف : "هذا".
[20916]:- زيادة من ف ، أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَّوۡلَآ إِذۡ سَمِعۡتُمُوهُ ظَنَّ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بِأَنفُسِهِمۡ خَيۡرٗا وَقَالُواْ هَٰذَآ إِفۡكٞ مُّبِينٞ} (12)

{ لولا } هلا . { إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا } بالذين منهم من المؤمنين والمؤمنات كقوله تعالى : { ولا تلمزوا أنفسكم } . وإنما عدل فيه من الخطاب إلى الغيبة مبالغ في التوبيخ وإشعارا بأن الإيمان يقتضي ظن الخير بالمؤمنين والكف عن الطعن فيهم وذب الطاعنين عنهم كما يذوبهم عن أنفسهم . وإنما جاز الفصل بين { لولا } وفعله بالظرف لأنه منزل منزلته من حيث إنه لا ينفك عنه وذلك يتسع فيه مالا يتسع في غيره ، وذلك لأن ذكر الظرف أهم فإن التحضيض على أن لا يخلوا بأوله . { وقالوا هذا إفك مبين } كما يقول المستقين المطلع على الحال .