تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلنَّفۡسِ ٱللَّوَّامَةِ} (2)

{ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ } وهي جميع النفوس الخيرة والفاجرة ، سميت { لوامة } لكثرة ترددها وتلومها وعدم ثبوتها على حالة من أحوالها ، ولأنها عند الموت تلوم صاحبها على ما عملت{[1290]} ، بل نفس المؤمن تلوم صاحبها في الدنيا على ما حصل منه ، من تفريط أو تقصير في حق من الحقوق ، أو غفلة ، فجمع بين الإقسام بالجزاء ، وعلى الجزاء ، وبين مستحق الجزاء .


[1290]:- في ب: على ما فعلت.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلنَّفۡسِ ٱللَّوَّامَةِ} (2)

قد تقدم غير مرة أن المقسم عليه إذا كان منتفيًا ، جاز الإتيان بلا قبل القسم لتأكيد النفي . والمقسوم عليه هاهنا هو إثبات الميعاد ، والرد على ما يزعمه الجهلة من العباد من عدم بَعث الأجساد ؛ ولهذا قال تعالى : { لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ } قال الحسن : أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة . وقال قتادة : بل أقسم بهما جميعًا . هكذا{[29537]} حكاه ابن أبي حاتم . وقد حكى ابن جرير ، عن الحسن والأعرج أنهما قرآ : " لأقسم [ بيوم القيامة ]{[29538]} " ، وهذا يوجه قول الحسن ؛ لأنه أثبت القسم بيوم القيامة ونفى القسم بالنفس اللوامة . والصحيح أنه أقسم بهما جميعا كما قاله قتادة رحمه الله ، وهو المروي عن ابن عباس ، وسعيد بن جُبَير ، واختاره ابن جرير .

فأما يوم القيامة فمعروف ، وأما النفس اللوامة ، فقال قرة بن خالد ، عن الحسن البصري في هذه الآية : إن المؤمن - والله - ما نراه إلا يلوم نفسه : ما أردت بكلمتي ؟ ما أردت بأكلتي ؟ ما أردت بحديث نفسي ؟ وإن الفاجر يمضي قُدُما ما يعاتب نفسه .

وقال جُوَيْبر : بلغنا عن الحسن أنه قال في قوله : { وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ } قال : ليس أحد من أهل السموات والأرض إلا يلوم نفسه يوم القيامة .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن صالح بن{[29539]} مسلم ، عن إسرائيل ، عن سِماك : أنه سأل عِكْرِمة عن قوله : { وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ } قال : يلوم{[29540]} على الخير والشر : لو فعلت كذا وكذا .

ورواه ابن جرير ، عن أبي كُرَيْب ، عن وَكِيع عن إسرائيل . {[29541]}

وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا مؤمل ، حدثنا سفيان ، عن ابن جُرَيج ، عن الحسن بن مسلم ، عن سعيد بن جُبَير في : { وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ } قال : تلوم على الخير والشر .

ثم رواه من وجه آخر عن سعيد أنه سأل ابن عباس عن ذلك : فقال : هي النفس اللؤوم . {[29542]}

وقال علي ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : تندم على ما فات وتلوم عليه .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : اللوامة : المذمومة .

وقال قتادة : { اللَّوَّامَةِ } الفاجرة .

قال ابن جرير : وكل هذه الأقوال متقاربة المعنى ، الأشبه بظاهر التنزيل أنها التي تلوم صاحبها على الخير والشر وتندم على ما فات .


[29537]:- (1) في م: "كذا".
[29538]:- (2) زيادة من م.
[29539]:- (3) في م: "عن".
[29540]:- (4) في م: "تلوم".
[29541]:- (1) تفسير الطبري (29/109).
[29542]:- (2) تفسير الطبري (29/109).

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلنَّفۡسِ ٱللَّوَّامَةِ} (2)

وقوله : وَلا أُقْسِمُ بالنّفْسِ اللّوّامَةِ اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : اللّوّامَةِ فقال بعضهم : معناه : ولا أقسم بالنفس التي تلوم على الخير والشرّ . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن الحسن بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : وَلا أُقْسِمُ بالنّفْسِ اللّوّامَةِ قال : تلوم على الخير والشرّ .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن سِماك ، عن عكرِمة وَلا أُقْسِمُ بالنّفْسِ اللّوّامَةِ قال : تلوم على الخير والشرّ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن أبي الخير بن تميم ، عن سعيد بن جُبير ، قال : قلت لابن عباس وَلا أُقْسِمُ بالنّفْسِ اللّوّامَةِ قال : هي النفس اللّؤوم .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : أنها تلوم على ما فات وتندم . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : بالنّفْسِ اللّوّامَةِ قال : تندم على ما فات وتلوم عليه .

وقال آخرون : بل اللوّامة : الفاجرة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَلا أُقْسِمُ بالنّفْسِ اللّوّامَةِ : أي الفاجرة .

وقال آخرون : بل هي المذمومة . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : وَلا أُقْسِمُ بالنّفْسِ اللّوّامَةِ يقول : المذمومة .

وهذه الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه وإن اختلفت بها ألفاظ قائليها ، فمتقاربات المعاني ، وأشبه القول في ذلك بظاهر التنزيل أنها تلوم صاحبها على الخير والشرّ ، وتندم على ما فات ، والقرّاء كلهم مجمعون على قراءة هذه بفصل «لا » من أقسم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلنَّفۡسِ ٱللَّوَّامَةِ} (2)

وقوله تعالى : «ولا أقسم بالنفس اللوامة » القول في «لا » على نحو ما تقدم ، وأما القراءة الثانية فتحتمل أمرين ، إما أن تكون اللام دخلت على فعل الحال ، التقدير لأنا أقسم فلا تلحق لأن النون نون التوكيد إنما تدخل في الأكثر لتفرق بين فعل الحال والفعل المستقبل فهي تلزم المستقبل في الأكثر ، وإما أن يكون الفعل خالصاً للاستقبال فكأن الوجه والأكثر أن تلحق النون إما الخفيفة وإما الثقيلة ، لكن قد ذكر سيبويه أن النون قد تسقط مع إرادة الاستقبال وتغني اللام عنها كما تسقط اللام وتغني النون عنها وذلك في قول الشاعر : [ الكامل ]

وقتيل مرة أثأرن فإنه*** فرغ وإن قتيلهم لم يثأر{[11463]}

المراد لأثارن ، وأما قوله «ولا أقسم بالنفس اللوامة » فقيل «لا » نافية ، وإن الله تعالى أقسم بيوم القيامة ، ونفى أن يقسم بالنفس اللوامة نص عليه الحسن ، وقد ذهب هذا المذهب قوم ممن قرأ «لا أقسم ولأقسم » ، وذلك قلق وهو في القراءة الثانية أمكن وجمهور المتأولين على أن الله تعالى أقسم بالأمرين ، واختلف الناس في { النفس اللوامة } ما معناه ، فقال الحسن هي { اللوامة } لصاحبها في ترك الطاعة ونحوه ، فهي على هذا ممدوحة ، ولذلك أقسم الله تعالى بها ، وقال ابن عباس : هي الفاجرة الجشعة { اللوامة } لصاحبها على ما فاته من سعي الدنيا وأعراضها فهي على هذا ذميمة وعلى هذا التأويل يحسن نفي القسم بها والنفس في الآية اسم جنس لنفوس البشر ، وقال ابن جبير ما معناه : إن القسم بها هي اسم الجنس لأنها تلوم على الخير وعلى الشر ، وقيل المراد نفس آدم لأنها لم تزل اللائمة له على فعله الذي أخرجه من الجنة .

قال القاضي أبو محمد : وكل نفس متوسطة ليست بالمطمئنة ولا بالأمارة بالسوء ، فإنها لوامة في الطرفين مرة تلوم على ترك الطاعة ، ومرة تلوم على فوت ما تشتهي ، فإذا اطمأنت خلصت وصفت .


[11463]:هذا البيت من قصيدة قالها عامر بن الطفيل بعد أن هزم قومه أمام غطفان في يوم يسمى يوم الرقم، وقد قتل أخوه حنظلة بن الطفيل في هذا اليوم، وهو الذي يسميه قتيل مرة، وعامر هذا فارس أدرك الإسلام ولم يسلم، والرواية الصحيحة للبيت كما في المفضليات 364 والأصمعيات 252 وخزانة الأدب 4/216 هي مع بيت قبله: ولأثأرن بمالك وبمالك وأخي المروراة الذي لم يسند وقتيل مرة أثأرن فإنه فرع وإن أخاهم لم يقصد فإن القصيدة دالية وليست رائية، أما أخو المروراة فهو أخوه الثاني "الحكم بن طفيل" الذي خنق نفسه لما شعر بالهزيمة ومات في مكان يسمى "المروراة"، وإليه نسب بهذه الصيغة. ومعنى "فرع" : رأس عال في الشرف، ولم يقصد: لم يقتل، يقال: "أقصدت الرجل" إذا قتلته. ويروى (فرغ) بمعنى هدر، والثأر هو قتل القاتل، والبيت شاهد على أن الفعل المضارع قد يخلو من اللام استغناء بالنون، والأكثر في اللغة أن يجتمعا فيقال: لأثأرن. وكلمة (قتيل) يجوز فيها الرفع والنصب والجر، وتعليل ذلك وارد في كتب النحو واللغة.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلنَّفۡسِ ٱللَّوَّامَةِ} (2)

والمشهور عن ابن كثير خلاف ذلك ، وعطف قوله : { ولا أقسم } تأكيداً للجملة المعطوف عليها ، وتعريف { النفس } تعريف الجنس ، أي الأنفس اللوامة . والمراد نفوس المؤمنين . ووصفُ { اللوامة } مبالغة لأنها تُكثر لوم صاحبها على التقصير في التقوى والطاعة . وهذا اللوم هو المعبر عنه في الاصطلاح بالمحاسبة ، ولومُها يكون بتفكيرها وحديثها النفسي . قال الحسن « ما يُرى المؤمن إلاّ يلوم نفسه على ما فات ويندم ، يلوم نفسه على الشر لِم فعله وعلى الخير لم لا يستكثر منه » فهذه نفوس خيّرة حقيقة أن تشرف بالقَسَم بها وما كان يوم القيامة إلاّ لكرامتها .

والمراد اللوامة في الدنيا لوماً تنشأ عنه التوبة والتقوى وليسَ المراد لوم الآخرة إذ { يقول يا ليتني قدمت لحياتي } [ الفجر : 24 ] .

ومناسبة القسم بها مع يوم القيامة أنها النفوس ذات الفوز في ذلك اليوم .

وعن بعض المفسرين أن { لا أقسم } مراد منه عدم القسم ففسر النفس اللوامة بالتي تَلوم على فعل الخير .