لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلنَّفۡسِ ٱللَّوَّامَةِ} (2)

{ ولا أقسم بالنفس اللوامة } قيل هي التي تلوم على الخير والشر ولا تصبر على السراء والضراء ، وقيل اللوامة هي التي تندم على ما فات فتقول لو فعلت ولو لم تفعل وقيل ليس من نفس برة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها إن كانت عملت خيراً تقول هلا ازددت وإن عملت شراً تقول يا ليتني لم أفعل وقال الحسن : هي نفس المؤمن إن المؤمن ما تراه إلا يلوم نفسه ما أردت بكلامي ما أردت بأكلي ، وإن الكافر يمضي ولا يحاسب نفسه ، ولا يعاتبها ، وقيل هي النّفس الشّريفة التي تلوم النّفوس العاصية يوم القيامة بسبب ترك التّقوى ، وقيل هي النّفس الشريفة التي لا تزال تلوم نفسها وإن اجتهدت في الطاعة وقيل هي النّفس الشّقية العاصية يوم القيامة بسبب ترك التقوى ، وقيل هي النفس الشقية تلوم نفسها حين تعاين أهوال يوم القيامة فتقول { يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله }[ الزمر : 56 ] فإن قلت أيّ مناسبة بين يوم القيامة ، وبين النّفس اللّوامة حتى جمع بينهما في القسم .

قلت وجه المناسبة أن في يوم القيامة تظهر أحوال النفوس اللّوامة من الشقاوة أو السعادة فلهذا حسن الجمع بينهما في القسم وقيل إنما وقع القسم بالنفس اللوامة على معنى التعظيم لها من حيث إنها أبداً تستحقر فعلها واجتهادها في طاعة الله تعالى ؛ وقيل إنه تعالى أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنّفس اللّوامة فكأنه قال أقسم بيوم القيامة تعظيماً لها ولا أقسم بالنفس اللوامة تحقيراً لها لأن النّفس الكافرة أو الفاجرة لا يقسم بها ، فإن قلت المقسم به هو يوم القيامة ، والمقسم عليه هو يوم القيامة ، فيصير حاصله أنه أقسم بيوم القيامة على وقوع القيامة وفيه إشكال .

قلت إن المحققين قالوا : القسم بهذه الأشياء قسم بربها في الحقيقة ، فكأنه قال أقسم برب القيامة ، وقيل لله تعالى أن يقسم بما يشاء من خلقه وجواب القسم محذوف تقديره لتبعثن ثم لتحاسبن يدل عليه قوله تعالى : { أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه } .