الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلنَّفۡسِ ٱللَّوَّامَةِ} (2)

{ وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ } مثلها ، وقرأ الحسن وعبد الرحمن الأعرج لاقسم بغير ألف موصله . { وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ } بالألف مقطوعة على معنى أنه أقسم باليوم ولم يقسم بالنفس ، ومثله روى القواس عن شبل عن ابن بكير ، والصحيح أنه قسم بهما جميعاً ومعنى قوله لا أقسم بيوم القيامة اختلفوا فيه فقال : بعضهم { لاَ } صلة أي أقسم بيوم القيامة وإليه ذهب سعيد بن جبير وقال أبو بكر بن عباس : هو تأكيد للقسم كقولك لا والله ، وقال الفراء في قوله { لاَ } : رد لكلام المشركين ثم ابتدأ القسم فقال أقسم بيوم القيامة ، وقال : وكل يمين قبلها رد فلابد من تقديم { لاَ } قبلها ليفرّق بين اليمين التي تكون جحداً واليمين التي تستأنف ، ألا ترى أنك تقول مبتدئاً : والله إن الرسول لحق ، فإذا قلت : لا والله إن الرسول لحق ، فكأنك أكّدت قوماً أنكروه .

أخبرنا عقيل أن المعافى أخبرهم عن ابن جرير قال : حدّثنا أبو كريب قال : حدّثنا وكيع عن سفيان ومسعر عن زياد بن علاقة عن المغيرة بن شعبة قال : لا يقولون القيامة القيامة وإنما قيامة أحدهم موته ، وبه عن سفيان ومسعر عن أبي قيس قال : شهدت جنازة فيها علقمة فلما دفن قال : أما هذا فقد قامت قيامته .

{ وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ } قال : سعيد بن جبير وعكرمة : تلوم على الخير والشر ولا تصبر على السراء والضراء . مجاهد : تندم على ما فات وتلوم عليه وتقول لو فعلت ولو لم أفعل .

قتادة : اللوامة : الفاجرة . ابن عباس : هي المذمومة ، وقال الفراء : ليس من نفس برَّة ولا فاجرة إلاّ وهي تلوم نفسها إن كانت عملت خيراً قالت : هلاّ زدت ، وإن كانت عملت سوءاً قالت : يا ليتني لم أفعل . الحسن : هي نفس المؤمن ، قال : إنّ المؤمن والله ما تراه إلاّ يلوم نفسه ما أردت بكلامي ما أردت بأكلتي ما أردت بحديث نفسي وإنّ الفاجر يمضي قُدماً لا يحاسب نفسه ولا [ يعاتبها ] . مقاتل : هي نفس الكافر تلوم نفسها في الآخرة على ما فرطت في أمر الله في الدنيا ، وقيل : لومها قوله سبحانه :

{ يَقُولُ يلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } [ الفجر : 24 ] و

{ يحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ اللَّهِ } [ الزمر : 56 ] أي في أمر الله . سهل : هي الإمارة بالسوء وهي قرينة الحرص والأمل .

أبو بكر الورّاق : النفس كافرة في وقت منافقه في وقت مرائية على الأحوال كلّها هي كافرة ؛ لأنها لا تألف الحق ، وهي منافقة لأنها لا تفي بالعهد ، وهي مرائية لأنها لا تحبّ أن تعمل عملاً ولا تخطو خطوة إلاّ لرؤية الخلق ، فمن كانت هذه صفاته فهي حقيقة بدوام الملامة لها .