فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلنَّفۡسِ ٱللَّوَّامَةِ} (2)

{ ولا أقسم بالنفس اللوامة } ذهب قوم إلى أنه سبحانه أقسم بالنفس اللوامة كما أقسم بيوم القيامة فيكون الكلام في { لا } هذه كالكلام في الأولى وهذا قول الجمهور ، وقال الحسن أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة ، قال الثعلبي : والصحيح أنه أقسم بهما جميعا ، وجرى الجلال المحلي على زيادتها في الموضعين وهو الصواب ، ومعنى النفس اللوامة النفس التي تلوم صاحبها على تقصيره أو تلوم جميع النفوس على تقصيرها في الدنيا أو في القيامة ، قال الحسن : هي والله نفس المؤمن لا يرى المؤمن إلا يلوم نفسه ما أردت بكذا ، ما أردت بكذا ، والفاجر لا يعاتب نفسه .

وقال مجاهد : هي التي تلوم على ما فات وتندم فتلوم على الشر لِمَ عمله وعلى الخير لِمَ لَمْ يستكثر منه ، قال ابن عباس التي تلوم على الخير والشر يقول لو فعلت كذا وكذا ، وعنه تندم على ما فات وتلوم عليه .

قال الفراء : ليس من نفس برة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها إن كانت عملت خيرا قالت هلا ازددت ، وإن كانت عملت سوءا قالت ليتني لم أفعل .

وعلى هذا فالكلام خارج مخرج المدح للنفس ، فيكون الإقسام بها حسنا سائغا ، وقيل اللوامة هي الملومة المذمومة ، قاله ابن عباس فهي صفة ذم وبهذا أحتج من نفي أن يكون قسما إذ ليس لنفس العاصي خطر يقسم به ، وقال مقاتل هي نفس الكافر تلوم نفسه وتتحسر في الآخرة على ما فرط في جنب الله ، والأول أولى .

وقيل هي آدم لم تزل تلوم على فعلها التي خرجت به من الجنة وما أبعده ، وقال ابن عباس اللوامة اللؤم . قال القاضي ضمها بيوم القيامة بهما لأن المقصود من إقامة القيامة مجازاة النفوس ا ه فهو من بديع القسم لتناسب الأمرين المقسم بهما حيث أقسم بيوم البعث والنفوس المجزية فيه على حقية البعث والجزاء .