تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱرۡجِعُوٓاْ إِلَىٰٓ أَبِيكُمۡ فَقُولُواْ يَـٰٓأَبَانَآ إِنَّ ٱبۡنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدۡنَآ إِلَّا بِمَا عَلِمۡنَا وَمَا كُنَّا لِلۡغَيۡبِ حَٰفِظِينَ} (81)

ثم وصَّاهم بما يقولون لأبيهم ، فقال : { ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ } أي : وأخذ بسرقته ، ولم يحصل لنا أن نأتيك به ، مع ما بذلنا من الجهد في ذلك . والحال أنا ما شهدنا بشيء لم نعلمه ، وإنما شهدنا بما علمنا ، لأننا رأينا الصواع استخرج من رحله ، { وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ } أي : لو كنا نعلم الغيب لما حرصنا وبذلنا المجهود في ذهابه معنا ، ولما أعطيناك عهودنا ومواثيقنا ، فلم نظن أن الأمر سيبلغ ما بلغ .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱرۡجِعُوٓاْ إِلَىٰٓ أَبِيكُمۡ فَقُولُواْ يَـٰٓأَبَانَآ إِنَّ ٱبۡنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدۡنَآ إِلَّا بِمَا عَلِمۡنَا وَمَا كُنَّا لِلۡغَيۡبِ حَٰفِظِينَ} (81)

يخبر تعالى عن إخوة يوسف : أنهم لما يئسوا من تخليص أخيهم بنيامين ، الذي قد التزموا لأبيهم برده إليه ، وعاهدوه على ذلك ، فامتنع عليهم ذلك ، { خَلَصُوا } أي : انفردوا عن الناس { نَجِيًّا } يتناجون فيما بينهم .

{ قَالَ كَبِيرُهُمْ } وهو رُوبيل ، وقيل : يهوذا ، وهو الذي أشار عليهم بإلقائه في البئر عندما همّوا بقتله ، قال لهم : { أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ } لتردنَّه إليه ، فقد رأيتم كيف تعذر عليكم ذلك مع ما تقدم لكم من إضاعة يوسف عنه ، { فَلَنْ أَبْرَحَ الأرْضَ } أي : لن أفارق هذه البلدة ، { حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي } في الرجوع إليه راضيًا عني ، { أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي } قيل : بالسيف . وقيل : بأن يمكنني من أخذ أخي ، { وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ } {[15250]} .

ثم أمرهم أن يخبروا أباهم بصورة ما وقع ، حتى يكون عذرا لهم عنده ويتنصلوا إليه ، ويبرءوا مما وقع بقولهم .

وقوله : { وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ } قال عكرمة وقتادة : ما [ كنا ]{[15251]} نعلم أن ابنك سرق{[15252]} .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : ما علمنا في الغيب أنه يسرق{[15253]} له شيئا ، إنما سألنا{[15254]} ما جزاء السارق ؟

{ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا } قيل : المراد مصر . قاله قتادة ، وقيل : غيرها ، { وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا } أي : التي رافقناها ، عن صدقنا وأمانتنا وحفظنا وحراستنا ، { وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } فيما أخبرناك به ، من أنه سرق وأخذوه بسرقته .


[15250]:- في ت ، أ : "أحكم الحاكمين" وهو خطأ.
[15251]:- زيادة من ت ، أ.
[15252]:- في ت : "يسرق".
[15253]:- في ت ، أ : "سرق".
[15254]:- في ت ، أ : "سألناه".

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱرۡجِعُوٓاْ إِلَىٰٓ أَبِيكُمۡ فَقُولُواْ يَـٰٓأَبَانَآ إِنَّ ٱبۡنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدۡنَآ إِلَّا بِمَا عَلِمۡنَا وَمَا كُنَّا لِلۡغَيۡبِ حَٰفِظِينَ} (81)

القول في تأويل قوله تعالى : { ارْجِعُوَاْ إِلَىَ أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَأَبَانَا إِنّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَآ إِلاّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ } .

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل رُوبيل لإخوته حين أخذ يوسف أخاه بالصواع الذي استخرج من وعائه : ارْجِعُوا إخوتي إلى أبِيكُمْ يعقوب فَقُولُوا له يا أبانَا إنّ ابْنكَ بنيامين سَرَقَ . والقراءة على قراءة هذا الحرف بفتح السين والراء والتخفيف : إنّ ابْنَكَ سَرَقَ . ورُوي عن ابن عباس : «إِن ابْنَكَ سُرّقَ » بضم السين وتشديد الراء ، على وجه ما لم يسمّ فاعله ، بمعنى : أنه سُرّق . وَما شَهِدْنا إلاّ بِمَا عَلِمْنا .

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : وما قلنا إنه سَرَق إلاّ بظاهر علمنا بأن ذلك كذلك ، لأن صوَاع الملك أصيب في وعائه دون أوعية غيره . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ارْجِعُوا إلى أبِيكُمْ فإني ما كنت راجعا حتى يأتيني أمره ، فقُولُوا يا أبانَا إنّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إلاّ بِمَا عَلِمْنا : أي قد وُجِدَت السرقة في رحله ، ونحن ننظر لا علم لنا بالغيب . وَما كُنّا للغَيْبِ حافِظِينَ .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : وما شهدنا عند يوسف بأن السارق يؤخذ بسرقته إلاّ بما علمنا . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : قال لهم يعقوب عليه السلام : ما يدري هذا الرجل أن السارق يؤخذ بسرقته إلاّ بقولكم ؟ فقالوا : ما شَهِدْنا إلاّ بِمَا عَلِمْنا لم نشهد أن السارق يؤخذ بسرقته إلاّ وذلك الذي علمنا . قال : وكان الحكم عند الأنبياء يعقوب وبنيه أن يؤخذ السارق بسرقته عبدا فيسترقّ .

وقوله : وَما كُنّا للغَيْبِ حافِظِينَ يقول : وما كنا نرى أن ابنك يَسْرِق ويصير أمرنا إلى هذا ، وإنما قلنا ونَحْفَظُ أخانا مما لنا إلى حفظه منه السبيل .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسين بن الحريث أبو عمار المروزي ، قال : حدثنا الفضل بن موسى ، عن الحسين بن واقد ، عن يزيد ، عن عكرمة : وَما كُنّا للغَيْبِ حافِظِينَ قال : ما كنا نعلم أن ابنك يسرق .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَما كُنّا للغَيْبِ حافِظِينَ لم نشعر أنه سيسرق .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَما كُنّا للغَيْبِ حافِظِينَ قال : لم نشعر أنه سيسرق .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَما كُنّا للغَيْبِ حافِظِينَ قال : لم نشعر أنه سيسرق .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد وأبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة : وَما كُنّا للغَيْبِ حافِظِين قال : ما كنا نظنّ ولا نشعر أنه سيسرق .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَما كُنّا للغَيْبِ حافِظِينَ قال : ما كنا نرى أنه سيسرق .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وَما كُنّا للغَيْبِ حافِظِينَ قال : ما كنا نظنّ أن ابنك يسرق .

وأولى التأويلين بالصواب عندنا في قوله : وَما شَهِدْنا إلاّ بِمَا عَلِمْنا قول من قال : وما شهدنا بأن ابنك سرق إلاّ بما علمنا من رؤيتنا للصواع في وعائه لأنه عقيب قوله : إنّ ابْنَكَ سَرَقَ فهو بأن يكون خبرا عن شهادتهم بذلك أولى من أن يكون خبرا عما هو منفصل . وذكر أن الغيب في لغة حمير هو الليل بعينه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱرۡجِعُوٓاْ إِلَىٰٓ أَبِيكُمۡ فَقُولُواْ يَـٰٓأَبَانَآ إِنَّ ٱبۡنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدۡنَآ إِلَّا بِمَا عَلِمۡنَا وَمَا كُنَّا لِلۡغَيۡبِ حَٰفِظِينَ} (81)

ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ( 81 ) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ( 82 ) قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ( 83 )

الأمر بالرجوع قيل : هو من قول كبيرهم ، وقيل : بل هو من قول يوسف لهم ، والأول أظهر .

وقرأ الجمهور «سرقَ » على تحقيق السرقة على بنيامين ، بحسب ظاهر الأمر . وقرأ ابن عباس وأبو رزين «سُرِّق » بضم السين وكسر الراء وتشديدها{[6779]} ، وكأن هذه القراءة فيها لهم تحر ، ولم يقطعوا عليه بسرقة ، وإنما أرادوا جعله سارقاً بما ظهر من الحال - ورويت هذه القراءة عن الكسائي - وقرأ الضحاك : «إن ابنك سارقٌ » بالألف وتنوين القاف ، ثم تحروا بعد - على القراءتين - في قولهم { وما شهدنا إلا بما علمنا } أي وقولنا لك : { إن ابنك سرق } إنما هي شهادة عندك بما علمناه من ظاهر ما جرى ، والعلم في الغيب إلى الله ، ليس في ذلك حفظنا ، هذا قول ابن إسحاق ، وقال ابن زيد : قولهم : { ما شهدنا إلا بما علمنا } أرادوا به : وما شهدنا عند يوسف بأن السارق يسترقّ في شرعك إلا بما علمنا من ذلك ، { وما كنا للغيب حافظين } أن السرقة تخرج من رحل أحدنا ، بل حسبنا أن ذلك لا يكون البتة ، فشهدنا عنده حين سألنا بعلمنا .

وقرأ الحسن «وما شهدنا عليه إلا بما علمنا » بزيادة «عليه » .

ويحتمل قوله : { وما كنا للغيب حافظين } أي حين واثقناك ، إنما قصدنا ألا يقع منا نحن في جهته شيء يكرهه ، ولم نعلم الغيب في أنه سيأتي هو بما يوجب رقه .

وروي أن معنى قولهم : { للغيب } أي الليل ، الغيب : الليل - بلغة حمير - فكأنهم قالوا : وما شهدنا عندك إلا بما علمناه من ظاهر حاله ، وما كنا بالليل حافظين لما يقع من سرقته هو أو التدليس عليه .


[6779]:أي: نسب إلى السرقة ورمي بها، مثل: خونته وفسقته وفجرته إذا نسبته إلى هذه الحلال، وقال الزجاج: سرق يحتمل معنيين: أحدهما: علم منه السرق، والآخر: اتهم بالسرق. قال الجوهري: والسرق والسرقة بكسر الراء فيهما هو اسم الشيء المسروق، والمصدر: سرق يسرق سرقا بالفتح.