السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ٱرۡجِعُوٓاْ إِلَىٰٓ أَبِيكُمۡ فَقُولُواْ يَـٰٓأَبَانَآ إِنَّ ٱبۡنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدۡنَآ إِلَّا بِمَا عَلِمۡنَا وَمَا كُنَّا لِلۡغَيۡبِ حَٰفِظِينَ} (81)

ثم قال كبيرهم : { ارجعوا إلى أبيكم } دوني { فقولوا } له ، أي : متلطفين في خطابكم { يا أبانا } وأكدوا مقالتكم فإنه ينكرها وقولوا { إن ابنك سرق } فإن قيل : كيف يحكمون عليه بأنه سرق من غير بينة وهو قد أجابهم بالجواب الشافي ، فقال : الذي جعل الصاع في رحلي هو الذي جعل البضاعة في رحالكم ؟ أجيب : بأنهم لما شاهدوا الصاع وقد أخرج من متاعه غلب على ظنهم أنه سرق فلذلك نسبوه إلى السرقة في ظاهر الأمر لا في حقيقة الحال ، ويدل على أنهم لم يقطعوا عليه بالسرقة قولهم { وما شهدنا } عليه { إلا بما علمنا } ظاهراً من رؤيتنا الصاع يخرج من وعائه ، وأما قوله : وضع الصاع في رحلي من وضع البضاعة في رحالكم ، فالفرق ظاهر ؛ لأن هناك لما رجعوا بالبضاعة إليهم اعترفوا بأنهم هم الذين وضعوها في رحالهم ، وأما هذا الصاع فإن أحداً لم يعترف بأنه هو الذي وضع الصاع في رحله ، فلهذا السبب غلب على ظنهم أنه سرق ، فشهدوا بناء على الظن { وما كنا للغيب } ، أي : ما غاب عنا حين أعطينا الموثق { حافظين } ، أي : ما كنا نعلم أن ابنك يسرق ، ويصير أمرنا إلى هذا ولو علمنا ذلك ما ذهبنا به معنا ، وإنما قلنا : ونحفظ أخانا مما لنا إلى حفظه سبيل ، وحقيقة الحال غير معلومة لنا ، فإن الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى ، فلعل الصاع دس في رحله ، ونحن لا نعلم ذلك ، فلعل حيلة دبرت في ذلك غاب عنا علمها كما صنع في رد بضاعتنا .