تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ نَحۡشُرُهُمۡ جَمِيعٗا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ مَكَانَكُمۡ أَنتُمۡ وَشُرَكَآؤُكُمۡۚ فَزَيَّلۡنَا بَيۡنَهُمۡۖ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمۡ إِيَّانَا تَعۡبُدُونَ} (28)

{ 28 - 30 ْ } { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ * فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ * هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ْ }

يقول تعالى : { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ْ } أي : نجمع جميع الخلائق ، لميعاد يوم معلوم ، ونحضر المشركين ، وما كانوا يعبدون من دون الله .

{ ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ ْ } أي : الزموا مكانكم ليقع التحاكم والفصل بينكم وبينهم .

{ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ ْ } أي : فرقنا بينهم ، بالبعد البدني والقلبي ، وحصلت بينهم العداوة الشديدة ، بعد أن بذلوا لهم في الدنيا خالص المحبة وصفو الوداد ، فانقلبت تلك المحبة والولاية بغضًا وعداوة .

وتبرأ شُرَكَاؤُهُمْ منهم وقالوا : { مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ْ } فإننا ننزه الله أن يكون له شريك ، أو نديد .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ نَحۡشُرُهُمۡ جَمِيعٗا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ مَكَانَكُمۡ أَنتُمۡ وَشُرَكَآؤُكُمۡۚ فَزَيَّلۡنَا بَيۡنَهُمۡۖ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمۡ إِيَّانَا تَعۡبُدُونَ} (28)

يقول تعالى : { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ } أي : أهل الأرض كلهم ، من إنس وجن{[14206]} وبر وفاجر ، كما قال : { وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا } [ الكهف : 47 ] .

{ ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ } أي : الزموا أنتم وهم مكانًا معينًا ، امتازوا فيه عن مقام المؤمنين ، كما قال تعالى : { وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ } [ يس : 59 ] ، وقال { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ } [ الروم : 14 ] ، وفي الآية الأخرى : { يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } [ الروم : 43 ] أي : يصيرون صِدعين ، وهذا يكون إذا جاء الرب تعالى لفصل القضاء ؛ ولهذا قيل : ذلك{[14207]} يستشفع المؤمنون إلى الله تعالى أن يأتي لفصل القضاء ويريحنا من مقامنا هذا ، وفي الحديث الآخر : " نحن يوم القيامة على كَوْم فوق الناس . {[14208]} -{[14209]}

وقال الله تعالى في هذه الآية الكريمة إخبارًا عما يأمر به المشركين{[14210]} وأوثانهم يوم القيامة : { مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } أنكروا عبادتهم ، وتبرءوا منهم ، كما قال تعالى : { [ كَلا ] سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } الآية . [ مريم : 82 ] {[14211]} . وقال : { إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا } [ البقرة : 166 ] ، وقال { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } [ الأحقاف : 5 ، 6 ] .


[14206]:- في ت ، "من جن وإنس".
[14207]:- وقع هنا بياض في هـ ، ووصل في ت ، أ. وحديث الاستشفاع رواه البخاري في صحيحه برقم (4476) من حديث أنس رضي الله عنه.
[14208]:- في أ : "النار".
[14209]:- رواه أحمد في المسند (3/345) من حديث جابر رضي الله عنه. والكوم : الموضع المشرف العال.
[14210]:- في ت ، أ : "المشركون".
[14211]:- زيادة من ت ، أ.