تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوۡمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُمۡۖ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (4)

{ 4 } { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }

وهذا من لطفه بعباده أنه ما أرسل رسولا { إلا بلسان قومه ليبين لهم } ما يحتاجون إليه ، ويتمكنون من تعلم ما أتى به ، بخلاف ما لو كانوا على غير لسانهم ، فإنهم يحتاجون إلى أن يتعلموا تلك اللغة التي يتكلم بها ، ثم يفهمون عنه ، فإذا بين لهم الرسول ما أمروا به ، ونهوا عنه وقامت عليهم حجة الله { فيضل الله من يشاء } ممن لم ينقد للهدى ، ويهدي من يشاء ممن اختصه برحمته .

{ وهو العزيز الحكيم } الذي -من عزته- أنه انفرد بالهداية والإضلال ، وتقليب القلوب إلى ما شاء ، ومن حكمته أنه لا يضع هدايته ولا إضلاله إلا بالمحل اللائق به .

ويستدل بهذه الآية الكريمة على أن علوم العربية الموصلة إلى تبيين كلامه وكلام رسوله أمور مطلوبة محبوبة لله لأنه لا يتم معرفة ما أنزل على رسوله إلا بها إلا إذا كان الناس بحالة لا يحتاجون إليها ، وذلك إذا تمرنوا على العربية ، ونشأ عليها صغيرهم وصارت طبيعة لهم فحينئذ قد اكتفوا المؤنة ، وصلحوا لأن يتلقوا عن الله وعن رسوله ابتداء كما تلقى عنهم الصحابة رضي الله عنهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوۡمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُمۡۖ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (4)

هذا من لطفه تعالى بخلقه : أنه يرسل إليهم رسلا{[15739]} منهم بلغاتهم ليفهموا عنهم ما يريدون وما أرسلوا به إليهم ، كما قال الإمام أحمد :

حدثنا وكيع ، عن عمر{[15740]} بن ذر قال : قال مجاهد : عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لم يبعث الله ، عز وجل ، نبيا إلا بلغة قومه " {[15741]} .

وقوله : { فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } أي : بعد البيان وإقامة الحجة عليهم يضل تعالى من يشاء عن وجه الهدى ، ويهدي من يشاء إلى الحق ، { وَهُوَ الْعَزِيزُ } الذي ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، { الحكيم } في أفعاله ، فيضل من يستحق الإضلال ، ويهدي من هو أهل لذلك .

وقد كانت هذه سنة الله في خلقه : أنه ما بعث نبيا في أمة إلا أن يكون بلغتهم ، فاختص كل نبي بإبلاغ رسالته إلى أمته دون غيرهم ، واختص محمد بن عبد الله رسول الله بعموم الرسالة إلى سائر الناس ، كما ثبت في الصحيحين عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت خمسًا لم يُعطَهُن أحد من الأنبياء قبلي : نُصِرْتُ بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطَهُورًا ، وأحلَّت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه ، وبعثت إلى الناس عامة " {[15742]} .

وله شواهد من وجوه كثيرة ، وقال تعالى : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } [ الأعراف : 158 ] .


[15739]:- في أ : "رسولا".
[15740]:- في أ : "عمرو".
[15741]:- المسند (5/158) ومجاهد لم يسمع من أبي ذر.
[15742]:- صحيح البخاري برقم (335) وصحيح مسلم برقم (521).