تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗا قَالَ بِئۡسَمَا خَلَفۡتُمُونِي مِنۢ بَعۡدِيٓۖ أَعَجِلۡتُمۡ أَمۡرَ رَبِّكُمۡۖ وَأَلۡقَى ٱلۡأَلۡوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأۡسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُۥٓ إِلَيۡهِۚ قَالَ ٱبۡنَ أُمَّ إِنَّ ٱلۡقَوۡمَ ٱسۡتَضۡعَفُونِي وَكَادُواْ يَقۡتُلُونَنِي فَلَا تُشۡمِتۡ بِيَ ٱلۡأَعۡدَآءَ وَلَا تَجۡعَلۡنِي مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (150)

وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا أي : ممتلئا غضبا وغيظا عليهم ، لتمام غيرته عليه الصلاة السلام ، وكمال نصحه وشفقته ، قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أي : بئس الحالة التي خلفتموني بها من بعد ذهابي عنكم ، فإنها حالة تفضي إلى الهلاك الأبدي ، والشقاء السرمدي .

أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ حيث وعدكم بإنزال الكتاب . فبادرتم - برأيكم الفاسد - إلى هذه الخصلة القبيحة وَأَلْقَى الألْوَاحَ أي : رماها من الغضب وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ هارون ولحيته يَجُرُّهُ إِلَيْهِ وقال له : مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أن لا تَتَّبِعَن أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي لك بقولي : اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ف قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي و قَالَ هنا ابْنَ أُمَّ هذا ترقيق لأخيه ، بذكر الأم وحدها ، وإلا فهو شقيقه لأمه وأبيه : إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي أي : احتقروني حين قلت لهم : يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي أي : فلا تظن بي تقصيرا فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاءَ بنهرك لي ، ومسك إياي بسوء ، فإن الأعداء حريصون على أن يجدوا عليَّ عثرة ، أو يطلعوا لي على زلة وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ فتعاملني معاملتهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰٓ إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ غَضۡبَٰنَ أَسِفٗا قَالَ بِئۡسَمَا خَلَفۡتُمُونِي مِنۢ بَعۡدِيٓۖ أَعَجِلۡتُمۡ أَمۡرَ رَبِّكُمۡۖ وَأَلۡقَى ٱلۡأَلۡوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأۡسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُۥٓ إِلَيۡهِۚ قَالَ ٱبۡنَ أُمَّ إِنَّ ٱلۡقَوۡمَ ٱسۡتَضۡعَفُونِي وَكَادُواْ يَقۡتُلُونَنِي فَلَا تُشۡمِتۡ بِيَ ٱلۡأَعۡدَآءَ وَلَا تَجۡعَلۡنِي مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (150)

يخبر تعالى أن موسى ، عليه السلام ، رجع إلى قومه من مناجاة ربه تعالى وهو غضبان أسف .

قال أبو الدرداء " الأسف " : أشد الغضب .

{ قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي } يقول : بئس ما صنعتم في عبادتكم العجل بعد أن ذهبت وتركتكم .

وقوله : { أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ } ؟ يقول : استعجلتم مجيئي إليكم ، وهو مقدر من الله تعالى .

وقوله : { وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } قيل : كانت الألواح من زُمُرُّد . وقيل : من ياقوت . وقيل : من بَرَد وفي هذا دلالة على ما جاء في الحديث : " ليس الخبر كالمعاينة " {[12141]}

ثم ظاهر السياق أنه إنما ألقى الألواح غضبًا على قومه ، وهذا قول جمهور العلماء سلفا وخلفا . وروى ابن جرير عن قتادة في هذا قولا غريبًا ، لا يصح إسناده إلى حكاية قتادة ، وقد رَدّه ابن عطية وغير واحد من العلماء ، وهو جدير بالرد ، وكأنه تَلَقَّاه قتادة عن بعض أهل الكتاب ، وفيهم كذابون ووَضّاعون وأفاكون وزنادقة .

وقوله : { وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } خوفًا أن يكون قد قَصَّر في نهيهم ، كما قال في الآية الأخرى : { قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي . قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } [ طه : 92 - 94 ] وقال هاهنا : { ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } أي : لا تَسُقني مَسَاقهم ، ولا تخلطني معهم . وإنما قال : { ابْنَ أُمَّ } ؛ لتكون{[12142]} أرأف وأنجع عنده ، وإلا فهو شقيقه لأبيه وأمه . فلما تحقق موسى ، عليه السلام ، براءة ساحة هارون [ عليه السلام ]{[12143]} كما قال تعالى : { وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي } [ طه : 90 ]


[12141]:رواه أحمد في مسنده (1/271) من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس الخبر كالمعاينة إن الله، عز وجل، أخبر موسى بما صنع قومه في العجل، فلم يلق الألواح، فلما عاين ما صنعوا ألقى الألواح فانكسرت".
[12142]:في ك، م: "ليكون".
[12143]:زيادة من ك، أ.