تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلۡحَقَّ وَيَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ} (6)

{ 6 } { وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }

لما ذكر تعالى إنكار من أنكر البعث ، وأنهم يرون ما أنزل على رسوله ليس بحق ، ذكر حالة الموفقين من العباد ، وهم أهل العلم ، وأنهم يرون ما أنزل اللّه على رسوله من الكتاب ، وما اشتمل عليه من الأخبار ، هو الحق ، أي : الحق منحصر فيه ، وما خالفه وناقضه ، فإنه باطل ، لأنهم وصلوا من العلم إلى درجة اليقين .

ويرون أيضا أنه في أوامره ونواهيه { يَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } وذلك أنهم جزموا بصدق ما أخبر به من وجوه كثيرة : من جهة علمهم بصدق من أخبر به ، ومن جهة موافقته للأمور الواقعة ، والكتب السابقة ، ومن جهة ما يشاهدون من أخبارها ، التي تقع عيانا ، ومن جهة ما يشاهدون من الآيات العظيمة الدالة عليها في الآفاق وفي أنفسهم ومن جهة موافقتها ، لما دلت عليه أسماؤه تعالى وأوصافه .

ويرون في الأوامر والنواهي ، أنها تهدي إلى الصراط المستقيم ، المتضمن للأمر بكل صفة تزكي النفس ، وتنمي الأجر ، وتفيد العامل وغيره ، كالصدق والإخلاص وبر الوالدين ، وصلة الأرحام ، والإحسان إلى عموم الخلق ، ونحو ذلك . وتنهى عن كل صفة قبيحة ، تدنس النفس ، وتحبط الأجر ، وتوجب الإثم والوزر ، من الشرك ، والزنا ، والربا ، والظلم في الدماء والأموال ، والأعراض .

وهذه منقبة لأهل العلم وفضيلة ، وعلامة لهم ، وأنه كلما كان العبد أعظم علما وتصديقا بأخبار ما جاء به الرسول ، وأعظم معرفة بحكم أوامره ونواهيه ، كان من أهل العلم الذين جعلهم اللّه حجة على ما جاء به الرسول ، احتج اللّه بهم على المكذبين المعاندين ، كما في هذه الآية وغيرها .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلۡحَقَّ وَيَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ} (6)

لما ذكر الذين سعوا في إبطال النبوة بين أن الذين أوتوا العلم يرون أن القرآن حق . قال مقاتل : " الذين أوتوا العلم " هم مؤمنو أهل الكتاب . وقال ابن عباس : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وقيل جميع المسلمين ، وهو أصح لعمومه . والرؤية بمعنى العلم ، وهو في موضع نصب عطفا على " ليجزى " أي ليجزي وليرى ، قاله الزجاج والفراء . وفيه نظر ، لأن قوله : " ليجزي " متعلق بقول : " لتأتينكم الساعة " ، ولا يقال : لتأتينكم الساعة ليرى الذين أوتوا العلم أن القرآن حق ، فإنهم يرون القرآن حقا وإن لم تأتهم الساعة . والصحيح أنه رفع على الاستئناف ، ذكره القشيري .

قلت : وإذا كان " ليجزي " متعلقا بمعنى أثبت ذلك في كتاب مبين ، فيحسن عطف " ويرى " عليه ، أي وأثبت أيضا ليرى{[12955]} الذين أوتوا العلم أن القرآن حق . ويجوز أن يكون مستأنفا . " الذي " في موضع نصب على أنه مفعول أول ل " يرى " " وهو الحق " مفعول ثان ، و " هو " فاصلة . والكوفيون يقولون " هو " عماد . ويجوز الرفع على أنه مبتدأ . و " الحق " خبره ، والجملة في موضع نصب على المفعول الثاني ، والنصب أكثر فيما كانت فيه الألف واللام عند جميع النحويين ، وكذا ما كان نكرة لا يدخله الألف واللام فيشبه المعرفة . فإن كان الخبر اسما معروفا نحو قوله : كان أخوك هو زيد ، فزعم الفراء أن الاختيار فيه الرفع . وكذا كان محمد هو عمرو . وعلته في اختياره الرفع أنه لم تكن فيه الألف واللام أشبه النكرة في قولك : كان زيد هو جالس ؛ لأن هذا لا يجوز فيه إلا الرفع . " ويهدي إلى صراط العزيز الحميد " أي يهدي القرآن إلى طريق الإسلام الذي هو دين الله . ودل بقوله : " العزيز " على أنه لا يغالب . وبقوله : " الحميد " على أنه لا يليق به صفة العجز .


[12955]:في الأصول: "وأثبت أيضا رؤية الذين...".
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَيَرَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ ٱلۡحَقَّ وَيَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ} (6)

قوله : { ويرى الذين أوتوا العلم الذي أُنزل إليك من ربك هو الحق } الذي ، مفعوله به أول . و { الحق } مفعول به ثان . والمراد بالذين أوتوا العلم في الآية مَسْلَمة أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأمثاله . وقيل : المراد بهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . أي ويعلم هؤلاء أن الكتاب الذي أنزل إليك يا محمد من ربك هو الحق . والمراد به القرآن ، فإنه الحق وهو منزل من عند الله الحق { وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } يوقن هؤلاء أن القرآن يهدي من يتبعه إلى طريق الصواب وهو طريق الله ، العزيز أي القوي الذي لا يغلبه غالب ، والمحمود في خلقه . بما خولهم من الأيادي وجزيل النعم{[3784]} .


[3784]:تفسير الطبري ج 22 ص 43-44 والكشاف ج 4 ص 280