{ فَلَمَّا أَسْلَمَا } أي : إبراهيم وابنه إسماعيل ، جازما بقتل ابنه وثمرة فؤاده ، امتثالا لأمر ربه ، وخوفا من عقابه ، والابن قد وطَّن نفسه على الصبر ، وهانت عليه في طاعة ربه ، ورضا والده ، { وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } أي : تل إبراهيم إسماعيل على جبينه ، ليضجعه فيذبحه ، وقد انكب لوجهه ، لئلا ينظر وقت الذبح إلى وجهه .
الخامسة- قوله تعالى : " فلما أسلما " أي انقادا لأمر الله . وقرأ ابن مسعود وابن عباس وعلي رضوان الله عليهم " فلما سلما " أي فوضا أمرهما إلى الله . وقال ابن عباس : استسلما . وقال قتادة : أسلم أحدهما نفسه لله عز وجل وأسلم الآخر ابنه . " وتله للجبين " قال قتادة : كبه وحول وجهه إلى القبلة . وجواب " لما " محذوف عند البصريين تقديره " فلما أسلما وتله للجبين " فديناه بكبش . وقال الكوفيون : الجواب " ناديناه " والواو زائدة مقحمة ، كقوله : " فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا " [ يوسف : 15 ] أي أوحينا . وقول : " وهم من كل حدب ينسلون " [ الأنبياء :96 ] . " واقترب " أي اقترب . وقوله : " حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال " [ الزمر : 73 ] أي قال لهم . وقال امرؤ القيس :
فلما أجَزْنَا ساحةَ الحيِّ وانْتَحَى{[13285]}
أي انتحى ، والواو زائدة . وقال أيضا :
حتى إذا حملتْ بطونُكم *** ورأيتُم أبناءكم شَبُّوا
وقلبْتُم ظَهْرَ المِجَنِّ لنا *** إن اللئيم الفاجر الخِبُّ
أراد قلبتم . النحاس : والواو من حروف المعاني لا يجوز أن تزاد . وفي الخبر : إن الذبيح قال لإبراهيم عليه السلام حين أراد ذبحه : يا أبت أشدد رباطي حتى لا أضطرب ؛ واكفف ثيابك لئلا ينتضح عليها شيء من دمي فتراه أمي فتحزن ، وأسرع مر السكين على حلقي ليكون الموت أهون علي واقذفني للوجه ؛ لئلا تنظر إلى وجهي فترحمني ، ولئلا أنظر إلى الشفرة فأجزع ، وإذا أتيت إلى أمي فأقرئها مني السلام . فلما جر إبراهيم عليه السلام السكين ضرب الله عليه صفيحة من نحاس ، فلم تعمل السكين شيئا ، ثم ضرب به على جبينه وحز في قفاه فلم تعمل السكين شيئا ؛ فذلك قوله تعالى : " وتله للجبين " كذلك قال ابن عباس : معناه كبه على وجهه
ولما وثق منه ، بادر إلى ما أمر به ، ودل على قرب زمنه من زمن هذا القول بالفاء فقال : { فلما أسلما } أي ألقيا بالفعل على غاية الإخلاص حين المباشرة بجميع قواهما في يد الأمر ، ولم يكن عند أحد منهما شيء من إباء ولا امتناع ولا حديث نفس في شيء من ذلك { وتلّه } أي صرعه إبراهيم عليهما السلام صرعاً جيداً سريعاً مع غاية الرضا منه والمطاوعة من إسماعيل عليه السلام ، ودل على السرعة باللام الواقعة موقع " على " فقال : { للجبين * } أي أحد شقي الجبهة ، وهي هيئة إضجاع ما يذبح ، وهذا من قولهم : تله - إذا صرعه ، وبه سمي التل من التراب ، وتلك فلاناً في يدك أي دفعته سلماً ، والجبين - قال في الصحاح : فوق الصدغ ، وهما جبينان عن يمين الجبهة وشمالها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.