قيل : إن يونس لما ألقاه الحوت على ساحل البحر أنبت الله عليه شجرة من يقطين ، وهي فيما ذكر شجرة القرع تتقطر عليه من اللبن حتى رجعت إليه قوته . ثم رجع ذات يوم إلى الشجرة فوجدها يبست ، فحزن وبكى عليها فعوتب ؛ فقيل له : أحزنت على شجرة وبكيت عليها ، ولم تحزن على مائة ألف وزيادة من بني إسرائيل ، من أولاد إبراهيم خليلي ، أسرى في أيدي العدو ، وأردت إهلاكهم جميعا .
وقيل : هي شجرة التين . وقيل : شجرة الموز تغطى بورقها ، واستظل بأغصانها ، وأفطر على ثمارها . والأكثر على أنها شجرة اليقطين على ما يأتي .
وقوله : { وأنبتنا عليه شجرة من يقطين } يعني " عليه " أي عنده ؛ كقوله تعالى : { ولهم على ذنب } [ الشعراء : 14 ] أي عندي . وقيل : " عليه " بمعنى له .
{ شجرة من يقطين } اليقطين : شجر الدباء : وقيل غيرها . ذكره ابن الأعرابي . وفي الخبر : ( الدباء والبطيخ من الجنة ) وقد ذكرناه في كتاب التذكرة . وقال المبرد : يقال لكل شجرة ليس لها ساق يفترش ورقها على الأرض يقطينة نحو الدباء والبطيخ والحنظل ، فإن كان لها ساق يقلها فهي شجرة فقط ، وإن كانت قائمة أي بعروق تفترش فهي نجمة وجمعها نجم . قال الله تعالى : { والنجم والشجر يسجدان } [ الرحمن : 6 ] وروي نحوه عن ابن عباس والحسن ومقاتل . قالوا : كل نبت يمتد ويبسط على الأرض ولا يبقى على استواء وليس له ساق نحو القثاء والبطيخ والقرع والحنظل فهو يقطين . وقال سعيد بن جبير : هو كل شيء ينبت ثم يموت من عامه فيدخل في هذا الموز .
قلت : وهو مما له ساق . وقال الجوهري : واليقطين ما لا ساق له كشجر القرع ونحوه . وقال الزجاج : اشتقاق اليقطين من قطن بالمكان إذا أقام به فهو يفعيل . وقيل : هو اسم اعجمي . وقيل : إنما خص اليقطين بالذكر ، لأنه لا ينزل عليه ذباب . وقيل : ما كان ثم يقطين فأنبته الله في الحال . وقال القشيري : وفي الآية ما يدل على أنه كان مفروشا ليكون له ظل . وقال الثعلبي : كانت تظله فرأى خضرتها فأعجبته ، فيبست فجعل يتحزن عليها ، فقيل له : يا يونس أنت الذي لم تخلق ولم تسق ولم تنبت تحزن على شجيرة ، فأنا الذي خلقت مائة ألف من الناس أو يزيدون تريد مني أن أستأصلهم في ساعة واحدة ، وقد تابوا وتبت عليهم فأين رحمتي يا يونس أنا أرحم الراحمين . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأكل الثريد باللحم والقرع وكان يحب القرع ويقول : ( إنها شجرة أخي يونس ) وقال أنس : قدم للنبي صلى الله عليه وسلم مرق فيه دباء وقديد فجعل يتبع الدباء حوالي القصعة . قال أنس : فلم أزل أحب الدباء من يومئذ . أخرجه الأئمة .
{ وأنبتنا } : أي بعظمتنا في ذلك المكان لا مقتضى للنبات مطلقاً فيه فضلاً عما لا ينبت إلا بالماء الكثير .
ولما كان سقمه متناهياً بالغاً إلى حد يجل عن الوصف ، نبه عليه بأداة الاستعلاء فقال : { عليه } أي ورفعناها حال إنباتنا إياها فوقه لتظله كما يظل البيت الإنسان . ولما كان الدباء من النجم ، وكان قد أعظمها سبحانه لأجله ، عبر عنها بما له ساق فقال : { شجرة } ولما كانت هذه العبارة مفهمة لأنها مما له ساق ، نص على خرق العادة بقوله : { من يقطين } : أي من الأشجار التي تلزم الأرض وتقطن فيها وتصلح لأن يأوي إليها ويقطن عندها حتى يصلح حاله ، فإنه تعالى عظمها وأخرجها عن عادة أمثالها حتى صارت عليه كالعريش ، واليقطين : كل ما يمتد وينبسط على وجه الأرض ولا يبقى على الشتاء ولا يقوم على ساق كالبطيخ والقثاء ، والمراد به هنا - كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما شجرة القرع لعظم ورقها وبرد ظلها ونعومة ملمسها وأن الذباب لا يقربها ، قال أبو حيان : وماء ورقه إذا رش به مكان لا يقربه ذباب أصلاً ، وقال غيره : فيه ملاءمة لجسد الإنسان حتى لو ذهبت عظمة من رأسه فوضع مكانها قطعة من جلد القرع نبت عليها اللحم وسد مسده ، وهو من قطن بالمكان ، إذا أقام به إقامة زائل لا ثابت .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.