السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَأَنۢبَتۡنَا عَلَيۡهِ شَجَرَةٗ مِّن يَقۡطِينٖ} (146)

{ وأنبتنا عليه } أي : له وقيل : عنده { شجرة من يقطين } قال المبرد والزجاج : اليقطين كل ما لم يكن له ساق من عود كالقثاء والقرع والبطيخ والحنظل وهو قول الحسن ومقاتل ، قال البغوي : المراد هنا القرع على قول جميع المفسرين ، وروى الفراء أنه قيل عند ابن عباس : هو ورق القرع فقال : ومن جعل القرع من بين الشجر يقطيناً كل ورقة انشقت وشربت فهو يقطين .

فإن قيل : الشجر ما له ساق واليقطين مما لا ساق له كما قال تعالى : { والنجم والشجر يسجدان } ( الرحمان : 6 ) ، أجيب : بأن الله تعالى جعل لها ساقاً على خلاف العادة في القرع معجزة له عليه السلام ولو كان منبسطاً على الأرض لم يمكن أن يستظل به قال مقاتل بن حبان : كان يونس عليه السلام يستظل بالشجرة وكانت وعلة تختلف إليه فيشرب من لبنها بكرة وعشياً حتى اشتد لحمه ونبت شعره .

وروي أن يونس عليه السلام كان يسكن مع قومه فلسطين فغزاهم ملك وسبى منهم تسعة أسباط ونصفاً وبقي سبطان ونصف ، وكان قد أوحى الله تعالى إلى بني إسرائيل إذا أسركم عدوكم أو أصابتكم مصيبة فادعوني أستجب لكم ، فلما نسوا ذلك وأسروا أوحى الله تعالى بعد حين إلى نبي من أنبيائهم أن اذهب إلى ملك هؤلاء الأقوام وقل له : يبعث إلى بني إسرائيل نبياً ، فاختار من بني إسرائيل يونس عليه السلام لقوته وأمانته فقال يونس : الله أمرك بهذا ؟ قال : لا ولكن أمرت أن أبعث قوياً أميناً وأنت كذلك ، فقال يونس : في بني إسرائيل من هو أقوى مني فلم لم تبعثه ؟ فألح الملك عليه فغضب يونس منه وخرج حتى أتى بحر الروم فوجد سفينة مشحونة فحملوه فيها فلما أشرف على لجة البحر أشرفوا على الغرق فقال الملاحون : إن فيكم عاصياً وإلا لم يحصل في السفينة ما نراه فقال التجار : قد جربنا مثل هذا فإذا رأيناه نقترع فمن خرجت عليه نغرقه في البحر فلأن يغرق واحد خير من غرق الكل ، فخرج من بينهم يونس فقال : يا هؤلاء أنا العاصي وتلفف في كسائه ورمى بنفسه فالتقمه الحوت ، وأوحى الله تعالى إلى الحوت لا تكسر منه عظماً ولا تقطع منه وصلاً ، ثم إن الحوت خرج إلى نيل مصر ثم إلى بحر فارس ثم إلى البطائح ثم إلى دجلة وصعد به ورماه في أرض نصيبين بالعراء وهو كالفرخ المنتوف لا شعر ولا لحم ، فأنبت الله تعالى عليه شجرة من يقطين فكان يستظل بها ويأكل من ثمرها حتى اشتد ، ثم إن الأرضة أكلتها ، فحزن يونس لذلك حزناً شديداً ، فقال : يا رب كنت أستظل تحت هذه الشجرة من الشمس والريح وأمص من ثمرها وقد سقطت فقال : يا يونس تحزن على شجرة أنبتت في ساعة ولا تحزن على مائة ألف أو يزيدون تركتهم فانطلق إليهم ، فانطلق إليهم .