ثم قال : { فنبذناه بالعراء } أي : ألقاه الحوت في المكان الحالي هذا قول أهل اللغة {[57792]} .
وقال ابن عباس : " بالعراء " : بالساحل {[57793]} .
وقال قتادة : بأرض ليس فيها شيء ولا نبات {[57794]} .
وقال السدي : " بالعراء " : بالأرض {[57795]} .
قال السدي : كهيئة الصبي {[57796]} .
قال ابن عباس : لفظه الحوت بساحل البحر ، فطرحه مثل الصبي المنفوس {[57797]} لم ينقص من خلقه شيء {[57798]} .
قال ابن عباس : كانت رسالة يونس بعد أن ألقاه الحوت {[57799]} .
وقال ابن مسعود : أرسل قبل وبعد إلى قومه بأعيانهم الذين صرف عنهم العذاب وهو قول مجاهد والحسن {[57800]} .
وروي عن ابن مسعود وغيره : أن يونس وعد قومه العذاب وأخبرهم {[57801]} أنه يأتيهم إلى ثلاثة أيام ففرقوا بين كل والدة وولدها ، وخرجوا فجاروا {[57802]} إلى الله {[57803]} واستغفروه فكف عنهم العذاب {[57804]} ولم يكف عنهم العذاب بعد معاينته إنما رأوا مخايله {[57805]} وعلامات له ذكرهما لهم يونس صلى الله عليه وسلم ، فآمنوا وتابوا وتضرعوا إلى الله {[57806]} قيل معاينة العذاب ، ولو عاينوه لم ينفعهم االإيمان لأن من عاين العذاب نازلا به سقط عنه حد التكليف ، ولم يقبل منه الإيمان كفرعون لما آمن عند معاينة الغرق .
وكقوله تعالى : { يوم يأت بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها } {[57807]} .
فمن عاين العذاب لم يقبل منه توبة ولا إيمان كذلك من عاين الموت وغرغر لم تقبل منه توبة . إنما قبلت توبة قوم يونس ، وإيمانهم قبل معاينتهم لنزول العذاب لما فقدوا يونس ، وقد أوعدهم العذاب وعلموا صدقه ورأوا مخايل العذاب وأماراته ، أيقنوا بنزول العذاب فقبل الله {[57808]} توبتهم ، ولو فعلوا ذلك فور {[57809]} معاينة العذاب لم ينفعهم ذلك كما لم ينفع ذلك فرعون/ وأشباهه لأن معاينة العذاب تسقط التكليف ، وإذا سقط التكليف لم يقبل ما يتكلفه العبد من العمل فاعرف هذا الأصل .
ويروى أن قوم يونس لما عاينوا العذاب قام رجل منهم فقال : اللهم إن ذنوبنا عظمت وجلت وأنت أعظم منها وأجل فافعل فينا ما أنت أهله [ ولا تفعل فينا ما نحن أهله ] {[57810]} فكشف الله عنهم العذاب فخرج يونس ينتظر العذاب فلم ير شيئا ، وكان حكمهم أنه من كذب ولم تكن له بينة قتل ، فخرج يونس {[57811]} مغاضبا على قومه ، فأتى قوما في سفينة فحملوه فلما دخل السفينة ركدت ، والسفن تسير يمينا وشمالا ، فقالوا : ما لسفينتكم ؟ قالوا : لا ندري فقال يونس إن فيها عبدا آبقا من ربه {[57812]} وإنها لن تسير حتى تلقوه . قالوا : أما أنت يا نبي الله فإنا لا نلقيك ، قال : فاقترعوا فمن قرع فليقع فاقترعوا فقرع يونس {[57813]} ثلاث مرات فوقع ، فوكل الله جل ذكره حوتا فابتلعه فهو يهوي به إلى قرار الأرض ، فسمع يونس {[57814]} تسبيح الحصى ، { فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } {[57815]} يعني ظلمة الله وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت {[57816]} .
قال : { فنبذناه بالعراء وهو سقيم } قال : كهيئة الفرخ الممعوط {[57817]} الذي ليس عليه ريش {[57818]} .
فروي أنه طرح على شاطئ البحر وهو ضعيف كالطفل المولود ، فلما طلعت عليه الشمس نادى من حرها ، فأنبت الله {[57819]} عليه شجرة من يقطين وهو القرع وهو جمع يقطينة ، وقيل : هو كل شجرة لا تقوم على ساق كالقرع والبطيخ ونحوهما {[57820]} .
وقال المبرد {[57821]} : كل شجرة لا تقوم على ساق فهي يقطينة ، فإن قامت على ساق فهي شجرة {[57822]} .
واشتقاق يقطين : من قطن بالمكان إذا أقام به {[57823]} .
وعلى أنها القرع : ابن عباس وقتادة والضحاك وابن جبير وابن زيد {[57824]} .
وقيل : هي شجرة أظلته سماها الله {[57825]} يقطينا وليست بالقرع {[57826]} .
وقيل : هو {[57827]} البطيخ ، روي ذلك عن ابن عباس أيضا {[57828]} .
قال ابن جبير : أرسل الله {[57829]} على الشجرة دابة فقرضت عروقها فتساقطت ورقها ( فلحقته الشمس فشكاها فقيل له جزعت من حر الشمس ) {[57830]} .
ولم يجزع لمائة ألف أو يزيدون تابوا فتاب الله {[57831]} عليهم {[57832]} روي أنهم لما رأوا علامات إتيان العذاب خرجوا وتابوا وأفردوا الأطفال والبهائم ، وضجوا {[57833]} إلى الله {[57834]} مستغيثين تائبين فصرف عنهم العذاب وتاب {[57835]} عليهم {[57836]} .
قال ابن مسعود في حديثه : فكان {[57837]} يستظل بها ويصيب منها فيبست فبكى عليها فأوحى الله {[57838]} إليه {[57839]} أتبكي على شجرة يبست ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون أردت أن تهلكهم قال : وخرج يونس فإذا هو بغلام يرعى فقال يا غلام : من أنت ؟ فقال {[57840]} : من قوم يونس عليه السلام قال : فإذا جئتهم {[57841]} فأخبرهم أنك قد لقيت يونس ، فقال له الغلام : إن كنت يونس فقد علمت أنه من كذب قتل إذا لم تكن له بينة ، فمن يشهد لي ؟ قال : هذه الشجرة وهذه البقعة ، قال : فمرهما قال لهما يونس : إذا جاءكما هذا الغلام فاشهدوا له ، قالتا : نعم فرجع الغلام إلى قومه وكان في منعة ، وكان له إخوة فأتى الملك فقال {[57842]} : إني قد {[57843]} لقيت يونس {[57844]} وهو يقرأ عليك السلام .
قال : فأمر به أن يقتل فقالوا : إن له بينة فأرسلوا معه فأتى {[57845]} الشجرة والبقعة فقال لهما : نشدتكما {[57846]} الله أشهدكما يونس ؟ قالتا : نعم قال : فرجع القوم مذعورين يقولون : شهدت له الشجرة والأرض ، فأتوا الملك فأخبروه بما/ رأوا قال عبد الله : فتناول الملك يد الغلام وأجلسه {[57847]} مجلسه وقال : أنت أحق بهذا المكان مني . قال {[57848]} عبد الله فأقام ذلك الغلام أمرهم أربعين سنة {[57849]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.