تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡثَٰنٗا وَتَخۡلُقُونَ إِفۡكًاۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَمۡلِكُونَ لَكُمۡ رِزۡقٗا فَٱبۡتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزۡقَ وَٱعۡبُدُوهُ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥٓۖ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (17)

فلما أمرهم بعبادة الله وتقواه ، نهاهم عن عبادة الأصنام ، وبيَّن لهم نقصها وعدم استحقاقها للعبودية ، فقال : { إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا } تنحتونها وتخلقونها بأيديكم ، وتخلقون لها أسماء الآلهة ، وتختلقون الكذب بالأمر بعبادتها والتمسك بذلك ، { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ } في نقصه ، وأنه ليس فيه ما يدعو إلى عبادته ، { لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا } فكأنه قيل : قد بان لنا أن هذه الأوثان مخلوقة ناقصة ، لا تملك نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، وأن من هذا وصفه ، لا يستحق أدنى أدنى أدنى مثقال مثقال مثقال ذرة من العبادة والتأله ، والقلوب لا بد أن تطلب معبودا تألهه وتسأله حوائجها ، فقال -حاثا لهم على من يستحق العبادة- { فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ } فإنه هو الميسر له ، المقدر ، المجيب لدعوة من دعاه في أمر دينه ودنياه{[623]} { وَاعْبُدُوهُ } وحده لا شريك له ، لكونه الكامل النافع الضار ، المتفرد بالتدبير ، { وَاشْكُرُوا لَهُ } وحده ، لكون جميع ما وصل ويصل إلى الخلق من النعم فمنه ، وجميع ما اندفع ويندفع من النقم عنهم فهو الدافع لها . { إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } يجازيكم على ما عملتم ، وينبئكم بما أسررتم وأعلنتم ، فاحذروا القدوم عليه وأنتم على شرككم ، وارغبوا فيما يقربكم إليه ، ويثيبكم -عند القدوم- عليه .


[623]:- في ب: لمصالح دينه ودنياه.
 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِنَّمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡثَٰنٗا وَتَخۡلُقُونَ إِفۡكًاۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَمۡلِكُونَ لَكُمۡ رِزۡقٗا فَٱبۡتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزۡقَ وَٱعۡبُدُوهُ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥٓۖ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (17)

قوله تعالى : " إنما تعبدون من دون الله أوثانا " أي أصناما قال أبو عبيدة : الصنم ما يتخذ من ذهب أو فضة أو نحاس والوثن ما يتخذ من جص أو حجارة . الجوهري : الوثن الصنم والجميع وثن وأوثان مثل أسد وآساد " وتخلقون إفكا " قال الحسن : معنى " تخلقون " تنحتون ، فالمعنى إنما تعبدون أوثانا وأنتم تصنعونها وقال مجاهد : الإفك الكذب والمعنى تعبدون الأوثان وتخلقون الكذب وقرأ أبو عبد الرحمن : " وتخلقون " وقرئ : " تُخلّقون " بمعنى التكثير من خلق و " تخلقون " من تخلق بمعنى تكذب وتخرص ، وقرئ : " إفكا " وفيه وجهان : أن يكون مصدرا نحو كذب ولعب ، والإفك مخففا منه كالكذب واللعب ، وأن يكون صفة على فعل أي خلقا أفكا أي ذا إفك وباطل و " أوثانا " نصب ب " تعبدون " و " ما " كافة ويجوز في غير القرآن رفع أوثان على أن تجعل و " ما " أسماء لآن " تعبدون " صلته وحذفت الهاء لطول الاسم وجعل أوثان خبر إن فأما " وتخلقون إفكا " فهو منصوب بالفعل لا غير . وكذا " لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق " أي اصرفوا رغبتكم في أرزاقكم إلى الله فإياه فاسألوه وحده دون غيره .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{إِنَّمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡثَٰنٗا وَتَخۡلُقُونَ إِفۡكًاۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَمۡلِكُونَ لَكُمۡ رِزۡقٗا فَٱبۡتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزۡقَ وَٱعۡبُدُوهُ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥٓۖ إِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ} (17)

{ وتخلقون إفكا } هو من الخلقة يريد به نحت الأصنام فسماه خلقة على وجه التجوز وقيل : هو من اختلاق الكذب .

{ لا يملكون لكم رزقا } احتجاج على الوحدانية ونفي الشركاء .

فإن قيل : لم نكر الرزق أولا ، ثم عرفه في قوله : { فابتغوا عند الله الرزق } ؟ فالجواب : أنه نكره في قوله : { لا يملكون لكم رزقا } لقصد العموم في النفي فإن النكرة في سياق النفي تقتضي العموم ثم عرفه بعد ذلك لقصد العموم في طلب الرزق كله من الله ، لأنه لا يقتضي العموم في سياق الإثبات إلا مع التعريف فكأنه قال : ابتغوا الرزق كله عند الله .