تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{كَلَّآۖ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّمَّا يَعۡلَمُونَ} (39)

{ كلَّا } [ أي : ] ليس الأمر بأمانيهم ولا إدراك ما يشتهون بقوتهم .

{ إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ } أي : من ماء دافق ، يخرج من بين الصلب والترائب ، فهم ضعفاء ، لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كَلَّآۖ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّمَّا يَعۡلَمُونَ} (39)

( كلا ! )في ردع وفي تحقير . . ( إنا خلقناهم مما يعلمون ) !

وهم يعلمون مم خلقوا ! من ذلك الماء المهين الذي يعرفون ! والتعبير القرآني المبدع يلمسهم هذه اللمسة الخفية العميقة في الوقت ذاته ؛ فيمسح بها كبرياءهم مسحا ، وينكس بها خيلاءهم تنكيسا ، دون لفظة واحدة نابية ، أو تعبير واحد جارح . بينما هذه الإِشارة العابرة تصور الهوان والزهادة والرخص أكمل تصوير ! فكيف يطمعون أن يدخلوا جنة نعيم على الكفر وسوء الصنيع ? وهم مخلوقون مما يعلمون ! وهم أهون على الله من أن تكون لهم دالة عليه ، وخرق لسنته في الجزاء العادل باللظى وبالنعيم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كَلَّآۖ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّمَّا يَعۡلَمُونَ} (39)

وقوله تعالى : { كلا } رد لقولهم وطمعهم : أي ليس الأمر كذلك ، ثم أخبر عن خلقهم من نطفة قذرة ، فأحال في العبارة عنها إلى علم الناس أي فمن خلق من ذلك فليس بنفس خلقه يعطى الجنة ، بل بالأعمال الصالحة إن كانت . وقال قتادة في تفسيرها : إنما خلقت من قذر با ابن آدم فاتق الله ، وقال أنس كان أبو بكر إذا خطبنا ذكر مناتن ابن آدم ومروره من مجرى البول مرتين وكونه نطفة في الرحم ثم علقة ثم مضغة إلى أن يخرج فيتلوث في نجساته طفلاً فلا يقلع أبو بكر حتى يقذر أحدنا نفسه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{كَلَّآۖ إِنَّا خَلَقۡنَٰهُم مِّمَّا يَعۡلَمُونَ} (39)

كلام مستأنف استئنافاً ابتدائياً للانتقال من إثبات الجزاء إلى الاحتجاج على إمكان البعث إبطالاً لشبهتهم الباعثة على إنكاره ، وهو الإِنكار الذي ذكر إجمالاً بقوله المتقدم آنفاً { إنهم يَرونه بعيداً ونَراه قريباً } [ المعارج : 6 ، 7 ] فاحتج عليهم بالنشأة الأولى ، كما قال تعالى : { ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون } [ الواقعة : 62 ] فالخبر بقوله : { إنّا خلقناهم مما يعلمون } مستعمل في لازم معناه وهو إثبات إعادة خلْقهم بعد فنائهم .

فهذا من تمام الخطاب الموجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمقصود منه أن يبلغ إلى أسماع المشركين كما تقدم آنفاً .

والمعنى : أنا خلقنا الإنسان من نطفة حتى صارت إنساناً عاقلاً مناظراً فكذلك نعيد خلقه بكيفية لا يعلمونها .

فما صْدَقُ ( ما يعلمون ) هو ما يعلمه كل أحد من أنه كون في بطن أمه من نطفة وعلقة ، ولكنهم علموا هذه النشاة الأولى فألهاهم التعوّد بها عن التدبر في دلالتها على إمكان إعادة المكوَّن منها بتكوين آخر .

وعُدِل عن أن يقال : إنا خلقناهم من نطفة ، كما قال في آيات أخرى { إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج } [ الإنسان : 2 ] وقال : { أو لم يرَ الإِنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم } [ يس : 77 ، 78 ] وغيرها من آيات كثيرة ، عدل عن ذلك إلى الموصول في قوله : { مما يعلمون } توجيهاً للتهكم بهم إذ جادلوا وعاندوا ، وعِلْمُ ما جادلوا فيه قائم بأنفسهم وهم لا يشعرون ، ومنه قوله تعالى : { ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذَّكَّرون } [ الواقعة : 62 ] . وكان في قوله تعالى : { مما يعلمون } إيماء إلى أنهم يُخْلَقون الخلقَ الثاني { مما لا يعلمون كما قال في الآية الأخرى سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون } [ يس : 36 ] وقال : { وننشئكم فيما لا تعلمون } [ الواقعة : 61 ] فكان في الخَلْق الأول سِرٌّ لا يعلمونه .

ومجيء { إنا خلقناهم } موكداً بحرف التأكيد لتنزيلهم فيما صدر منهم من الشبهة الباطلة منزلة من لا يعلمون أنهم خُلقوا من نطفة وكانوا معدومين ، فكيف أحالوا إعادة خلقهم بعد أن عدم بعض أجزائهم وبقي بعضها ثم أتبع هذه الكناية عن إمكان إعادة الخلق بالتصريح بذلك بقوله : { فلا أقسم بربّ المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدِّل خيراً منهم } مفرعاً على قوله : { إنا خلقناهم مما يعلمون } والتقدير : فإنا لقادرون الآية .