فرق لهما موسى عليه السلام ورحمهما { فَسَقَى لَهُمَا } غير طالب منهما الأجرة ، ولا له قصد غير وجه اللّه تعالى ، فلما سقى لهما ، وكان ذلك وقت شدة حر ، وسط النهار ، بدليل قوله : { ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ } مستريحا لذلك الظلال بعد التعب .
{ فَقَالَ } في تلك الحالة ، مسترزقا ربه { رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } أي : إني مفتقر للخير الذي تسوقه إليَّ وتيسره لي . وهذا سؤال منه بحاله ، والسؤال بالحال أبلغ من السؤال بلسان المقال ، فلم يزل في هذه الحالة داعيا ربه متملقا . وأما المرأتان ، فذهبتا إلى أبيهما ، وأخبرتاه بما جرى .
وثارت نخوة موسى - عليه السلام - وفطرته السليمة . فتقدم لإقرار الأمر في نصابه . تقدم ليسقي للمرأتين أولا ، كما ينبغي أن يفعل الرجال ذوو الشهامة . وهو غريب في أرض لا يعرفها ، ولا سند له فيها ولا ظهير . وهو مكدود قادم من سفر طويل بلا زاد ولا استعداد . وهو مطارد ، من خلفه اعداء لا يرحمون . ولكن هذا كله لا يقعد به عن تلبية دواعي المروءة و النجدة والمعروف ، وإقرار الحق الطبيعي الذي تعرفه النفوس :
مما يشهد بنبل هذه النفس التي صنعت على عين الله . كما يشي بقوته التي ترهب حتى وهو في إعياء السفر الطويل . ولعلها قوة نفسه التي أوقعت في قلوب الرعاة رهبته أكثر من قوة جسمه . فإنما يتأثر الناس أكثر بقوة الأرواح والقلوب .
مما يشير إلى أن الأوان كان أوان قيظ وحر ، وأن السفرة كانت في ذلك القيظ والحر .
( فقال : رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) . .
إنه يأوي إلى الظل المادي البليل بجسمه ، ويأوى إلى الظل العريض الممدود . ظل الله الكريم المنان . بروحه وقلبه : ( رب . إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) . رب إني في الهاجرة . رب إني فقير . رب إني وحيد . رب إني ضعيف . رب إني إلى فضلك ومنك وكرمك فقير محووج .
ونسمع من خلال التعبير رفرفة هذا القلب والتجاءه إلى الحمى الآمن ، والركن الركين ، والظل والظليل . نسمع المناجاة القريبة والهمس الموحي ، والانعطاف الرفيق ، والاتصال العميق : ( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) . .
و { تولى } موسى عليه السلام إلى ظل سمرة قاله ابن مسعود ، وتعرض لسؤال ما يطعمه بقوله { رب إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير } ، ولم يصرح بسؤال ، هكذا روى جميع المفسرين أنه طلب في هذا الكلام ما يأكله ، قال ابن عباس : وكان قد بلغ به الجوع واخضر لونه من أكل البقل وضعف حتى لصق بطنه بظهره ، ورئيت خضرة البقل في بطنه وإنه لأكرم الخلق يومئذ على الله ، وروي أنه لم يصل إلى مدين حتى سقط باطن قدمه ، وفي هذا معتبر وحاكم بهوان الدنيا على الله تعالى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.