تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَدۡ جَآءَكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَنۡ أَبۡصَرَ فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ عَمِيَ فَعَلَيۡهَاۚ وَمَآ أَنَا۠ عَلَيۡكُم بِحَفِيظٖ} (104)

{ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } لما بين تعالى من الآيات البينات ، والأدلة الواضحات ، الدالة على الحق في جميع المطالب والمقاصد ، نبه العباد عليها ، وأخبر أن هدايتهم وضدها لأنفسهم ، فقال : { قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ } أي : آيات تبين الحق ، وتجعله للقلب بمنزلة الشمس للأبصار ، لما اشتملت عليه من فصاحة اللفظ ، وبيانه ، ووضوحه ، ومطابقته للمعاني الجليلة ، والحقائق الجميلة ، لأنها صادرة من الرب ، الذي ربى خلقه ، بصنوف نعمه الظاهرة والباطنة ، التي من أفضلها وأجلها ، تبيين الآيات ، وتوضيح المشكلات .

{ فَمَنْ أَبْصَرَ } بتلك الآيات ، مواقع العبرة ، وعمل بمقتضاها { فَلِنَفْسِهِ } فإن الله هو الغني الحميد .

{ وَمَنْ عَمِيَ } بأن بُصِّر فلم يتبصر ، وزُجِر فلم ينزجر ، وبين له الحق ، فما انقاد له ولا تواضع ، فإنما عماه مضرته عليه .

{ وَمَا أَنَا } أي الرسول { عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } أحفظ أعمالكم وأرقبها على الدوام إنما عليَّ البلاغ المبين وقد أديته ، وبلغت ما أنزل الله إليَّ ، فهذه وظيفتي ، وما عدا ذلك فلست موظفا فيه{[300]} .


[300]:- انتقل الشيخ -رحمه الله- بعد تفسير هذه الآية إلى قوله تعالى: (ولا تسبوا...) فلم يفسر الآيات من قوله تعالى: (وكذلك نصرف الآيات) إلى قوله: (وما أنت عليهم بوكيل) ذات الأرقام (105-107) فقام النجار بتفسيرها دون الإشارة إلى أنها ليست من كلام الشيخ -رحمه الله- انظر طبعة النجار (2/450-452).
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَدۡ جَآءَكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَنۡ أَبۡصَرَ فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ عَمِيَ فَعَلَيۡهَاۚ وَمَآ أَنَا۠ عَلَيۡكُم بِحَفِيظٖ} (104)

95

يعقب السياق على هذا الوصف الذي لا تملك لغة البشر أن تشرحه أو تصفه . . بقوله : ( قد جاءكم بصائر من ربكم ، فمن أبصر فلنفسه ، ومن عمي فعليها ، وما أنا عليكم بحفيظ )

فهذا الذي جاء من عند الله . . بصائر . . والبصائر تهتدي وتهدي . . وهذا بذاته . . بصائر . . تهدي .

فمن أبصر فلنفسه فإنما يجد الهدى والنور . وليس وراء ذلك إلا العمى . فما يبقى على الضلال بعد هذه الآيات والبصائر إلا أعمى . . معطل الحواس . مغلق المشاعر . مطموس الضمير . .

ويوجه النبي [ ص ] أن يعلن براءته من أمرهم ومغبته : ( وما أنا عليكم بحفيظ ) . .

ولا يفوتنا أن نلمح التناسق في الجو والظلال والعبارة بين قوله في الآية السابقة : في صفة الله سبحانه : ( لا تدركه الأبصار ، وهو يدرك الأبصار ، وهو اللطيف الخبير ) . . وبين قوله في الآية اللاحقة : ( قد جاءكم بصائر من ربكم ، فمن أبصر فلنفسه ، ومن عمي فعليها ) . . واستخدام الأبصار والبصائر ، والبصر والعمى ، في السياق المتناسق المتناغم . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَدۡ جَآءَكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَنۡ أَبۡصَرَ فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ عَمِيَ فَعَلَيۡهَاۚ وَمَآ أَنَا۠ عَلَيۡكُم بِحَفِيظٖ} (104)

و «البصائر » جمع بصيرة وهي ما يتفق عن تحصيل العقل للأشياء المنظور فيها ، بالاعتبار ، فكأنه قال قد جاءكم في القرآن والآيات طرائق إبصار الحق والمعينة عليه ، والبصيرة للقلب مستعارة من إبصار العين ، والبصيرة أيضاً هي المعتقد المحصل في قول الشاعر [ الأسعر الجعفي ] : [ الكامل ]

راحوا بَصَائِرُهُمْ عَلَى اكْتَافِهِمْ . . . وَبَصيِرَتي يَعْدُو بها عَتدٌ وَآى{[5042]}

وقال بعض الناس في هذا البيت البصيرة طريقة الدم ، والشاعر إنما يصف جماعة مشوا به في طلب دم ففتروا فجعلوا الأمر وراء ظهورهم ، وقوله تعالى : { من أبصر ومن عمي } عبارة مستعارة فيمن اهتدى ومن ضل ، وقوله { وما أنا عليكم بحفيظ } كان في أول الأمر وقبل ظهور الإسلام ثم بعد ذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حفيظاً على العالم آخذاً لهم بالإسلام والسيف .


[5042]:- هذا البيت للأسعر الجعفي، والذي في "القرطبي": "جاءوا بصائرهم". والعتد (بفتح التاء وكسرها) الفرس التام الخلق السريع الوثبة المعد للجري ليس فيه اضطراب ولا رخاوة، والوآي (بواو مفتوحة بعدها مد) هو الفرس السريع المقتدر الخلق. يقول إنهم تركوا دم أبيهم وجعلوه خلفهم، أي: لم يثأروا له وأنا طلبت ثأري.