تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ} (33)

ثم بين تعالى هذا النور الذي قد تكفل بإتمامه وحفظه فقال : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى } الذي هو العلم النافع { وَدِينِ الْحَقِّ } الذي هو العمل الصالح فكان ما بعث اللّه به محمدا صلى الله عليه وسلم مشتملا على بيان الحق من الباطل في أسماء اللّه وأوصافه وأفعاله ، وفي أحكامه وأخباره ، والأمر بكل مصلحة نافعة للقلوب ، والأرواح والأبدان من إخلاص الدين للّه وحده ، ومحبة اللّه وعبادته ، والأمر بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ، والأعمال الصالحة والآداب النافعة ، والنهي عن كل ما يضاد ذلك ويناقضه من الأخلاق والأعمال السيئة المضرة للقلوب والأبدان والدنيا والآخرة .

فأرسله اللّه بالهدى ودين الحق { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } أي : ليعليه على سائر الأديان ، بالحجة والبرهان ، والسيف والسنان ، وإن كره المشركون ذلك ، وبغوا له الغوائل ، ومكروا مكرهم ، فإن المكر السيئ لا يضر إلا صاحبه ، فوعد اللّه لا بد أن ينجزه ، وما ضمنه لابد أن يقوم به .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ} (33)

29

( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، ولو كره المشركون ) . .

وفي هذا النص يتبين أن المراد بدين الحق الذي سبق في قوله تعالى : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) . . هو هذا الدين الذي أرسل اللّه به رسوله الأخير . وأن الذين لا يدينون بهذا الدين هم الذين يشملهم الأمر بالقتال . .

وهذا صحيح على أي وجه أوّلنا الآية . فالمقصود إجمالاً بدين الحق هو الدينونة للّه وحده في الاعتقاد والشعائر والشرائع - وهذه هي قاعدة دين اللّه كله ، وهو الدين الممثل أخيراً فيما جاء به محمد - [ ص ] - فأيما شخص أو قوم لم يدينوا للّه وحده في الاعتقاد والشعائر والشرائع مجتمعة ؛ انطبق عليهم أنهم لا يدينون دين الحق ، ودخلوا في مدلول آية القتال . . مع مراعاة طبيعة المنهج الحركي للإسلام ، ومراحله المتعددة ، ووسائله المتجددة كما قلنا مراراً .

( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، ولو كره المشركون )

وهذا توكيد لوعد اللّه الأول : ( ويأبى اللّه إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ) . . ولكن في صورة أكثر تحديداً . فنور اللّه الذي قرر سبحانه أن يتمه ، هو دين الحق الذي أرسل به رسوله ليظهره على الدين كله .

ودين الحق - كما أسلفنا - هو الدينونة للّه وحده في الاعتقاد والعبادة والتشريع مجتمعة . وهو متمثل في كل دين سماوي جاء به رسول من قبل . . ولا يدخل فيه طبعاً تلك الديانات المحرفة المشوبة بالوثنيات في الاعتقاد التي عليها اليهود والنصارى اليوم . كما لا تدخل فيه الأنظمة والأوضاع التي ترفع لافتة الدين ، وهي تقيم في الأرض أرباباً يعبدها الناس من دون اللّه ، في صورة الاتباع للشرائع التي لم ينزلها اللّه .

واللّه سبحانه يقول : إنه أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله . . ويجب أن نفهم " الدين " بمدلوله الواسع الذي بيناه ، لندرك أبعاد هذا الوعد الإلهي ومداه . .

إن " الدين " هو " الدينونة " . . فيدخل فيه كل منهج وكل مذهب وكل نظام يدين الناس له بالطاعة والاتباع والولاء . .

واللّه سبحانه يعلن قضاءه بظهور دين الحق الذي أرسل به رسوله على " الدين " كله بهذا المدلول الشامل العام !

إن الدينونة ستكون للّه وحده . والظهور سيكون للمنهج الذي تتمثل فيه الدينونة للّه وحده .

ولقد تحقق هذا مرة على يد رسول اللّه - [ ص ] - وخلفائه ومن جاء بعدهم فترة طويلة من الزمان . وكان دين الحق أظهر وأغلب ؛ وكانت الأديان التي لا تخلص فيها الدينونة للّه تخاف وترجف ! ثم تخلى أصحاب دين الحق عنه ؛ خطوة فخطوة بفعل عوامل داخلة في تركيب المجتمعات الإسلامية من ناحية وبفعل الحرب الطويلة المدى ، المنوعة الأساليب ، التي أعلنها عليه أعداؤه من الوثنيين وأهل الكتاب سواء . .

ولكن هذه ليست نهاية المطاف . . إن وعد اللّه قائم ، ينتظر العصبة المسلمة ، التي تحمل الراية وتمضي ، مبتدئة من نقطة البدء ، التي بدأت منها خطوات رسول اللّه - [ ص ] - وهو يحمل دين الحق ويتحرك بنور اللّه .

/خ35

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ} (33)

وقوله تعالى : { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق } الآية ، { رسوله } يراد به محمد صلى الله عليه وسلم ، وقوله { بالهدى } يعم القرآن وجميع الشرع ، وقوله { ودين الحق } إشارة إلى الإسلام والملة بجمعها وهي الحنيفية ، وقوله { ليظهره } قال أبو هريرة وأبو جعفر محمد بن علي وجابر بن عبد الله{[5615]} ما معناه : إن الضمير عائد على الدين وإظهاره عند نزول عيسى ابن مريم وكون الأديان كلها راجعة إلى دين الإسلام فذلك إظهاره .

قال القاضي أبو محمد : فكأن هذه الفرقة رأت الإظهار على أتم وجوهه أي حتى لا يبقى معه دين آخر ، وقالت فرقة { ليظهره على الدين } أي ليجعله أعلاها وأظهرها وإن كان معه غيره كان دونه .

قال القاضي أبو محمد : فهذا لا يحتاج إلى نزول عيسى بل كان هذا في صدر الأمة وهو حتى الآن إن شاء الله وقالت فرقة : الضمير عائد على الرسول ، ومعنى { ليظهره } ليطلعه ويعلمه الشرائع كلها والحلال والحرام .

قال القاضي أبو محمد : وهذا التأويل وإن كان صحيحاً جائزاً فالآخر أبرع منه وأليق بنظام الآية وأحرى مع كراهية المشركين ، وخص { المشركون } هنا بالذكر لما كانت كراهية مختصة بظهور دين محمد صلى الله عليه وسلم فذكره العظم{[5616]} والأول ممن كره ذلك وصد فيه ، وذكر الكافرون في الآية قبل لأنها كراهية إتمام نور الله في قديم الدهر وفي باقيه ، فعم الكفر من لدن خلق الدنيا إلى إنقراضها إذ قد وقعت الكراهية والإتمام مراراً كثيرة .


[5615]:- هو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجي الأنصاري السلمي، صحابي، من المكثرين في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه جماعة من الصحابة، غزا تسع عشرة غزوة، وكانت له في أواخر حياته حلقة في المسجد النبوي، روى له البخاري ومسلم وغيرهما 1540 حديثا، توفي 78هـ (الإصابة، وكشف النقاب، وتهذيب الأسماء).
[5616]:- عُظم الشيء ومعظمه: جُلُّه وأكثره، وعُظْم الشيء: أكبره، وفي الحديث: "أنه كان يُحدّث ليلة عن بني إسرائيل لا يقوم فيها إلا إلى عظم صلاة". كأنه أراد: لا يقوم إلا إلى الفريضة. ومنه الحديث: "فأسندوا عظم ذلك إلى ابن الدخشم"، أي معظمه. (اللسان)، أما الأول فجمع أول يريد السابقين.