تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٗاۚ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلٗا} (122)

ولما بين مآل الأشقياء أولياء الشيطان ذكر مآل السعداء أوليائه فقال : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ْ }{[241]}

أي : { آمَنُوا ْ } بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، والقَدَر خيره وشره على الوجه الذي أمروا به علما وتصديقا وإقرارا . { وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ْ } الناشئة عن الإيمان ؟

وهذا يشمل سائر المأمورات من واجب ومستحب ، الذي على القلب ، والذي على اللسان ، والذي على بقية الجوارح . كل له من الثواب المرتب على ذلك بحسب حاله ومقامه ، وتكميله للإيمان والعمل الصالح .

ويفوته ما رتب على ذلك بحسب ما أخل به من الإيمان والعمل ، وذلك بحسب ما علم من حكمة الله ورحمته ، وكذلك وعده الصادق الذي يعرف من تتبع كتاب الله وسنة رسوله .

ولهذا ذكر الثواب المرتب على ذلك بقوله : { سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ْ } فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، من أنواع المآكل والمشارب اللذيذة ، والمناظر العجيبة ، والأزواج الحسنة ، والقصور ، والغرف المزخرفة ، والأشجار المتدلية ، والفواكه المستغربة ، والأصوات الشجية ، والنعم السابغة ، وتزاور الإخوان ، وتذكرهم ما كان منهم في رياض الجنان ، وأعلى من ذلك كله وأجلّ رضوان الله عليهم وتمتع الأرواح بقربه ، والعيون برؤيته ، والأسماع بخطابه الذي ينسيهم كل نعيم وسرور ، ولولا الثبات من الله لهم لطاروا وماتوا من الفرح والحبور ، فلله ما أحلى ذلك النعيم وما أعلى ما أنالهم الرب الكريم ، وماذا حصل لهم من كل خير وبهجة لا يصفه الواصفون ، وتمام ذلك وكماله الخلود الدائم في تلك المنازل العاليات ، ولهذا قال : { خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ْ }

فصدق الله العظيم الذي بلغ قولُه وحديثُه في الصدق أعلى ما يكون ، ولهذا لما كان كلامه صدقا وخبره حقا ، كان ما يدل عليه مطابقةً وتضمنًا وملازمةً كل ذلك مراد من كلامه ، وكذلك كلام رسوله صلى الله عليه وسلم لكونه لا يخبر إلا بأمره ولا ينطق إلا عن وحيه .


[241]:- في ب: الآية كاملة، بينما في أ، اقتصر على أولها.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٗاۚ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلٗا} (122)

114

وعاقبة من يفتلون من حبالته ، لأنهم آمنوا بالله حقا . والمؤمنون بالله حقا في نجوة من هذا الشيطان لأنه - لعنة الله عليه - وهو يستأذن في إغواء الضالين ، لم يؤذن له في المساس بعباد الله المخلصين . فهو إزاءهم ضعيف ضعيف ؛ كلما اشتدت قبضتهم على حبل الله المتين :

( والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار ، خالدين فيها أبدا ، وعد الله حقا ، ومن أصدق من الله قيلا ؟ ) . .

فهي جهنم ولا محيص عنها لأولياء الشيطان . . وهي جنات الخلد لا خروج منها لأولياء الله . . وعد الله :

( ومن أصدق من الله قيلا ) ؟

والصدق المطلق في قول الله هنا ؛ يقابل الغرور الخادع ، والأماني الكاذبة في قول الشيطان هناك ! وشتان بين من يثق بوعد الله ، ومن يثق بتغرير الشيطان !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٗاۚ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلٗا} (122)

{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا } . أي وعده وعدا وحق ذلك حقا ، فالأول مؤكد لنفسه لأن مضمون الجملة الإسمية التي قبله وعد ، والثاني مؤكد لغيره ويجوز أن ينصب الموصول بفعل يفسره ما بعده ، ووعد الله بقوله { سندخلهم } لأنه بمعنى نعدهم إدخالهم وحقا على أنه حال من المصدر . { ومن أصدق من الله قيلا } جملة مؤكدة بليغة ، والمقصود من الآية معارضة المواعيد الشيطانية الكاذبة لقرنائه بوعد الله الصادق لأوليائه ، والمبالغة في توكيده ترغيبا للعباد في تحصيله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٗاۚ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلٗا} (122)

ولما أخبر تعالى عن الكفار الذين يتخذون الشيطان ولياً ، وأعلم بغرور وعد الشيطان لهم ، وأعلم بصيور{[4291]} أمرهم وأنه إلى جهنم ، فاقتضى ذلك كله التحذير ، أعقب ذلك - عز وجل{[4292]} - بالترغيب في ذكر حالة المؤمنين ، وأعلم بصيور أمرهم وأنه إلى النعيم المقيم ، وأعلم بصحة وعده تعالى لهم ، ثم قرر ذلك بالتوقيف عليه في قوله { ومن أصدق من الله قيلاً } والقيل والقول واحد ، ونصبه على التمييز ، وقرأت فرقة «سندخلهم » بالنون وقرأت فرقة «سيدخلهم » بالياء ، و { وعد الله } نصب على المصدر . و { حقا } مصدر أيضاً مؤكد لما قبله .


[4291]:- الصّيّور: منتهى الأمر وعاقبته. (المعجم الوسيط).
[4292]:- في بعض النسخ: "أعقب ذلك (الوجل) بالترغيب"
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٗاۚ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلٗا} (122)

عطف على جملة { أولئك مأواهم جهنّم } [ النساء : 121 ] جرياً على عادة القرآن في تعقيب الإنذار بالبشارة ، والوعيدِ بالوعد .

وقوله : { وعد الله } مصدر مؤكّد لمضمون جملة : { سندخلهم جنات تجري } الخ ، وهي بمعناه ، فلذلك يسمّي النحاة مثلَه مؤكّداً لنفسه ، أي مؤكّداً لما هو بمعناه .

وقوله : { حقاً } مصدر مؤكّد لِمضمون { سندخلهم جنات } ، إذ كان هذا في معنى الوعد ، أي هذا الوعد أحقّقه حقّاً ، أي لا يتخلّف . ولمّا كان مضمونُ الجملة التي قبله خالياً عن معنى الإحقاق كان هذا المصدر ممّا يسميّه النحاة مصدراً مؤكّداً لغيره .

وجملة { ومن أصدق من الله } تذييل للوعد وتحقيق له : أي هذا من وعد الله ، ووعود الله وعود صدق ، إذ لا أصدقُ من الله قيلا . فالواو اعتراضية لأنّ التذييل من أصناف الاعتراض وهو اعتراض في آخر الكلام ، وانتصب { قيلا } على تمييز نسبة من { أصدق من الله } .

والاستفهام إنكاري .

والقيل : القول ، وهو اسم مصدر بوزن فِعْل يجيء في الشرّ والخير .