{ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا } أي : الشاهدين { اسْتَحَقَّا إِثْمًا } بأن وجد من القرائن ما يدل على كذبهما وأنهما خانا { فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان }
أي : فليقم رجلان من أولياء الميت ، وليكونا من أقرب الأولياء إليه . { فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا } أي : أنهما كذبا ، وغيرا وخانا . { وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ } أي : إن ظلمنا واعتدينا ، وشهدنا بغير الحق .
فإذا ظهر بعد ذلك أنهما ارتكبا إثم الشهادة الكاذبة واليمين الكاذبة والخيانة للأمانة . قام أولى اثنين من أهل الميت بوراثته ، من الذين وقع عليهم هذا الإثم ، بالحلف بالله أن شهادتهما أحق من شهادة الشاهدين الأولين . وأنهما لم يعتديا بتقريرهما هذه الحقيقة . وبذلك تبطل شهادة الأولين ، وتنفذ الشهادة الثانية .
ثم قال تعالى : { فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا } أي : فإن اشتهر وظهر وتحقق من الشاهدين الوصيين ، أنهما خانا أو غَلاَّ شيئًا من المال الموصى به إليهما ، وظهر عليهما بذلك { فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيَانِ } هذه قراءة الجمهور : " اسْتُحِقَّ عليهم الأوليان " . ورُوي عن علي ، وأُبيّ ، والحسن البصري أنهم قرؤوها : { اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيَانِ } .
وقد روى الحاكم في المستدرك من طريق إسحاق بن محمد الفَرْوِي ، عن سليمان بن بلال ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي بن أبي طالب ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : { مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأوْلَيَانِ } ثم قال : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه . {[10517]}
وقرأ بعضهم ، ومنهم ابن عباس : " من الذين استحق عليهم الأوَّلِين " . وقرأ الحسن : " من الذين استحق عليهم الأوَّلان " ، حكاه ابنُ جرير .
فعلى قراءة الجمهور يكون المعنى بذلك : أي متى تحقق ذلك بالخبر الصحيح على خيانتهما ، فليقم اثنان من الورثة المستحقين للتركة وليكونا من أوْلى من يرث ذلك المال { فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا } أي : لقولنا : إنهما خانا أحقُّ وأصح وأثبت من شهادتهما المتقدمة { وَمَا اعْتَدَيْنَا } أي : فيما قلنا من الخيانة { إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ } أي : إن كنا قد كذبنا عليهما .
وقوله تعالى : { فإن عثر } استعارة لما يوقع على علمه بعد خفائه اتفاقاً وبعد أن لم ُيرَج ولم يقصد ، وهذا كما يقال : على الخبير سقطت ، ووقعت على كذا ، قال أبو علي : والإثم هنا اسم الشيء المأخوذ لأن آخذه يأخذه إثم ، فسمي آثماً كما سمي ما يؤخذ بغير حق مظلمة ، قال سيبويه : المظلمة اسم ما أخذ منك ، وكذلك سمي هذا المأخوذ باسم المصدر .
قال القاضي أبو محمد : والذي يظهر هنا أن الإثم عل بابه وهو الحكم اللاحق لهما والنسبة التي يتحصلان فيها بعد مواقعتها لتحريف الشهادة أو لأخذ ما ليس لهما أو نحو ذلك ، و { استحقا } معناه استوجباه من الله وكانا أهلاً له فهذا استحقاق على بابه ، أنه استيجاب حقيقة ، ولو كان الإثم الشيء المأخوذ لم يقل فيه «استحقا » لأنهما ظلما وخانا فيه ، فإنما استحقا منزلة السوء وحكم العصيان ، وذلك هو الإثم ، وقوله تعالى : { فآخران } أي فإذا عثر على فسادهما فالأوليان باليمين وإقامة القضية آخران من القوم الذين هم ولاة الميت واستحق عليهم حظهم أو ظهورهم أو مالهم أو ما شئت من هذه التقديرات ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي «استُحق » مضمومة التاء . و { الأوليان } على التثنية لأولى وروى قرة عن ابن كثير «استَحق » بفتح التاء «الأوليان » على التثنية وكذلك ورى حفص عن عاصم ، وقرأ حمزة وعاصم في رواية أبي بكر «استُحق » بضم التاء «الأَّوَلين » على جمع أول ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «استَحق » بفتح التاء «الأولان » على تثنية أول ، وقرأ ابن سيرين «الأولين » على تثنية أول ، ونصبهما على تقدير الأولين ، فالأولين في الرتبة والقربى{[4781]} .
قال أبو علي في قراءة ابن كثير ومن معه{[4782]} : لا يخلو ارتفاع الأوليان من أن يكون على الابتداء وقد أخر فكأنه في التقدير و «الأوليان » بأمر الميت آخران يقومان ، أو يكون بدلاً من الضمير الذي في يقومان ، أو يكون مسنداً إليه استحق ، وأجاز أبو الحسن فيه شيئاً آخر ، وهو أن يكون «الأوليان » صفة ل «آخران » ، لأنه لما وصف خصص ، فوصف من أجل الاختصاص الذي صار له{[4783]} .
قال القاضي أبو محمد : ثم قال أبو علي بعد كلامه هذا : فأما ما يسند إليه «استحق » فلا يخلو من أن يكون الأنصباء أو الوصية ، أو الإثم . وسمي المأخوذ إثماً كما يقال لما يؤخذ من المظلوم مظلمة . ولذلك جاز أن يستند إليه { استحق } ثم قال بعد كلام : فإن قلت هل يجوز أن يسند { استحق } إلى { الأوليان } ؟ . فالقول إن ذلك لا يجوز لأن المستحق إنما يكون الوصية أو شيئاً منها ، وأما الأوليان بالميت فلا يجوز أن يستحقا فيسند استحق إليهما .
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا الكلام نظر . ويجوز عندي أن يسند { استحق } إلى { الأوليان } . وذلك أن أبا علي حمل لفظة الاستحقاق على أنه حقيقي فلم يجوزه إلا حيث يصح الاستحقاق الحقيقي في النازلة ، وإنما يستحق حقيقة النصيب ونحوه ، ولفظة الاستحقاق في الآية إنما هي استعارة وليست بمعنى استحقا إثماً فإن الاستحقاق هنا حقيقة وفي قوله استحق مستعار ، لأنه لا وجه لهذا الاستحقاق إلا الغلبة على الحال بحكم انفراد هذا الميت وعدمه لقرابته أو لأهل دينه . فاستحق هنا كما تقول لظالم يظلمك هذا قد استحق علي مالي أو منزلي بظلمه فتشبهه بالمستحق حقيقة . إذ قد تسور تسوره وتملك تملكه . وكذلك يقال فلان قد استحق ومنه شغل كذا إذا كان ذلك الأمر قد غلبه على أوقاته ، وهكذا هي استحق في الآية على كل حال وإن أسندت إلى الأنصباء ونحوه لأن قوله { استحق } صلة ل { الذين } ، و { الذين } واقع على الصنف المناقض للشاهدين الجائرين ، فالشاهدان ما استحقا قط في هذه النازلة شيئاً حقيقة استحقاق ، وإنما تسورا تسور المستحق فلنا أن نقدر الأوليان ابتداء وقد أخر . فيسند { استحق } على هذا إلى المال أو النصيب ونحوه على جهة الاستعارة . وكذلك إذا كان { الأوليان } خبر ابتداء وكذلك على البدل من الضمير في { يقومان } وعلى الصفة على مذهب أبي الحسن . ولنا أن نقدر الكلام بمعنى من الجماعة التي غابت وكان حقها والمبتغى أن يحضر وليها ، فلما غابت وانفرد هذا الموصي استحقت هذا الحال وهذان الشاهدان من غير أهل الدين الولاية وأمر الأوليين على هذه الجماعة ، ثم بني الفعل للمفعول على هذا المعنى إيجازاً ويقوي هذا الغرض أن تعدي الفعل ب «على » لما كان باقتدار وحمل هيئته على الحال .
ولا يقال استحق منه أو فيه إلا في الاستحقاق الحقيقي على وجهه ، وأما استحق عليه فيقال في الحمل والغلبة والاستحقاق المستعار والضمير في { عليم } عائد على كل حال في هذه القراءة على الجماعة التي تناقض شاهدي الزور الآثمين ، ويحتمل أن يعود على الصنف الذين منهم شاهد الزور على ما نبينه الآن إن شاء الله في غير هذه القراءة وأما رواية قرة عن ابن كثير «استحق » بفتح التاء فيحتمل أن يكون الأوليان ابتداء أو خبر ابتداء ، ويكون المعنى في الجمع أو القبيل الذي استحق القضية على هذا الصنف الشاهد بالزور ، الضمير في عليهم عائد على صنف شاهدي الزور .
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وفي هذا التأويل تحويل وتحليق وصنعة في { الذين } ، وعليه ينبني كلام أبي علي في كتاب الحجة ، ويحتمل أن يكون المعنى من الذين استحق عليهم القيام ، والصواب من التأويلين أن الضمير في { عليهم } عائد على { الذين } ، و { الأوليان } رفع ب { استحق } وذلك متخرج على ثلاثة معان{[4784]} .
أحدها أن يكون المراد من الذين استحق عليهم مالهم وتركتهم شاهدا الزور . فسمى شاهدي الزور أوليين من حيث جعلتهما الحال الأولى كذلك ، أي صيرهم عدم الناس أولى بهذا الميت وتركته فجارا فيها ، والمعنى الثاني أن يكون المراد من الجماعة الذين حق عليهم أن يكون منهم الأوليان ، فاستحق بمعنى حق ووجب ، كما تقول هذا بناء قد استحق بمعنى حق كعجب واستعجب ونحوه ، والمعنى الثالث أن يجعل استحق بمعنى سعى واستوجب ، فكأن الكلام فآخران من القوم الذين حضر أوليان منهم فاستحقا عليهم حقهم ، أي استحقا لهم وسعيا فيه واستوجباه بأيمانهما وقرباهما ، ونحو هذا المعنى الذي يعطيه التعدي ب «على » قول الشاعر :
اسعى على حيِّ بني ملك *** كل امرىء في شأنه ساع{[4785]}
وكذلك في الحديث : «كنت أرعى عليهم الغنم » في بعض طرق حديث الثلاثة الذين ذكر أحدهم بره بأبويه حين انحطت عليهم الصخرة{[4786]} .
وأما قراءة حمزة{[4787]} فمعناها من القوم الذين استحق عليهم أمرهم أي غلبوا عليه ، ثم وصفهم بأنهم أولون أي في الذكر في هذه الآية ، وذلك في قوله { اثنان ذوا عدل منكم } ثم بعد ذلك قال { أو آخران من غيركم } وقوله تعالى : { فيقسمان بالله } يعني الآخرين اللذين يقومان مقام شاهدي التحريف ، وقولهما { لشهادتنا أحق من شهادتهما } أي لما أخبرنا نحن به وذكرناه من نص القضية أحق مما ذكراه أولاً ، وحرفا فيه ، وما اعتدينا نحن في قولنا هذا ولا زدنا على الحد ، وقولهما { إنا إذاً لمن الظالمين } في صيغة الاستعظام والاستقباح للظلم ، والظلم وضع الشيء في غير موضعه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فإن عثر على أنهما استحقا إثما}: فإن اطلع على أنهما، يعني النصرانيين كتما شيئا من المال أو خانا، {فآخران} من أولياء الميت، يعني عبد الله بن عمرو بن العاص، والمطلب بن أبي وداعة السهميان، {يقومان مقامهما}، يعني مقام النصرانيين، {من الذين استحق} الإثم، {عليهم الأوليان فيقسمان بالله}: فيحلفان بالله في دبر صلاة العصر أن الذي في وصية صاحبنا حق، وأن المال كان أكثر مما أتيتمانا به، وأن هذا الإناء لمن متاع صاحبنا الذي خرج به معه، وكتبه في وصيته، وأنكما خنتما، فذلك قوله سبحانه: {لشهادتنا}، يعني عبد الله بن عمرو بن العاص، والمطلب، {أحق من شهادتهما}، يعني النصرانيين، {وما اعتدينا} بشهادة المسلمين من أولياء الميت، {إنا إذا لمن الظالمين}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"فإنْ عُثِرَ": فإن اطلع منهما، أو ظهر. وأصل العثر: الوقوع على الشيء والسقوط عليه، ومن ذلك قولهم: عثرت إصبع فلان بكذا: إذا صدمته وأصابته، ووقعت عليه، ثم يستعمل ذلك في كلّ واقع على شيء كان عنه خفيا...
"على أنّهُما اسْتَحَقّا إثْما": فإن اطلع من الوصيين اللذين ذكر الله أمرهما في هذه الآية بعد حلفهما بالله: لا نشتري بأيماننا ثمنا، ولو كان ذا قُربى، ولا نكتم شهادة الله "على أنهما استحقا إثما"، يقول: على أنهما استوجبا بأيمانهما التي حلفا بها إثما، وذلك أن يطلع على أنهما كانا كاذبين في أيمانهما بالله ما خنّا، ولا بدّلنا، ولا غَيّرنا، فإن وجدا قد خانا من مال الميت شيئا، أو غَيّرا وصيته، أو بدّلا، فأثما بذلك من حلفهما بربهما "فَآخَرَانِ يَقُومانِ مَقامَهُما": يقوم حينئذٍ مقامهما من ورثة الميت الأوليان الموصى إليهما.
عن ابن عباس، في قوله: "أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ "من غير المسلمين تحبسونهما من بعد الصلاة، فإن ارتِيبَ في شهادتهما، استحلفا بعد الصلاة بالله: ما اشترينا بشهادتنا ثمنا قليلاً فإن اطلع الأولياء على أن الكافِرَين كذبا في شهادتهما، قام رجلان من الأولياء فحلفا بالله: إن شهادة الكافرين باطلة، وإنا لم نَعْتَدِ فذلك قوله: "فإنْ عُثِرَ على أنّهُما اسْتَحَقّا إثْما "يقول: إن اطلع على أن الكافرين كذبا، "فَآخَرَانِ يَقُومانِ مَقامَهُما" يقول: من الأولياء، فحلفا بالله: إن شهادة الكافرين باطلة، وإنّا لم نعتد. فتردّ شهادة الكافرين، وتجوز شهادة الأولياء...
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي له حكم الله تعالى ذكره على الشاهدين بالأيمان فنقلها إلى الآخرين بعد أن عُثِر عليهما أنهما استحقا إثما؛ فقال بعضهم: إنما ألزمهما اليمين إذا ارتيب في شهادتهما على الميت في وصيته أنه أوصى لغير الذي يجوز في حكم الإسلام، وذلك أن يشهد أنه أوصى بماله كله، أو أوصى أن يفضّل بعض ولده ببعض ماله.
وقال آخرون: بل إنما ألزم الشاهدان اليمين، لأنهما ادّعيا أنه أوصى لهما ببعض المال. وإنما ينقل إلى الآخرين من أجل ذلك إذا ارتابوا بدعواهما.
والصواب من القول في ذلك عندنا، أن الشاهدين ألزما اليمين في ذلك باتهام ورثة الميت إياهما فيما دفع إليهما الميت من ماله، ودعواهم قبلها خيانة مال معلوم المبلغ، ونقلت بعد إلى الورثة عند ظهور الريبة التي كانت من الورثة فيهما، وصحة التهمة عليهما بشهادة شاهد عليهما أو على أحدهما، فيحلف الوارث حينئذٍ مع شهادة الشاهد عليهما أو على أحدهما إنما صحح دعواه إذا حقق حقه، أو الإقرار يكون من الشهود ببعض ما ادّعى عليهما الوارث أو بجميعه، ثم دعواهما في الذي أقرّا به من مال الميت ما لا يقبل فيه دعواهما إلاّ ببينة، ثم لا يكون لهما على دعواهما تلك بينة، فينقل حينئذٍ اليمين إلى أولياء الميت.
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصحة، لأنا لا نعلم من أحكام الإسلام حكما يجب فيه اليمين على الشهود ارتيب بشهادتهما أو لم يرتب بها، فيكون الحكم في هذه الشهادة نظيرا لذلك. ولم نجد ذلك كذلك صحّ بخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا بإجماع من الأمة، لأن استحلاف الشهود في هذا الموضع من حكم الله تعالى، فيكون أصلاً مسلما. والمقول إذا خرج من أن يكون أصلاً أو نظيرا لأصل فيما تنازعت فيه الأمة، كان واضحا فساده. وإذا فسد هذا القول بما ذكرناه، فالقول بأن الشاهدين استحلفا من أجل أنهما ادّعيا على الميت وصية لهما بمال من ماله أفسد من أجل أن أهل العلم لا خلاف بينهم في أن من حكم الله تعالى أن مدّعيا لو ادّعى في مال ميت وصية أن القول قول ورثة المدّعي في ماله الوصية مع أيمانهم، دون قول مدّعي ذلك مع يمينه، وذلك إذا لم يكن للمدّعي بينة. وقد جعل الله تعالى اليمين في هذه الآية على الشهود إذا ارتيب بهما، وإنما نقل الإيمان عنهم إلى أولياء الميت، إذا عُثِر على أن الشهود استحقوا إثما في أيمانهم فمعلوم بذلك فساد قول من قال: ألزم اليمين الشهود لدعواهم لأنفسهم وصية أوصى بها لهم الميت في ماله، على أن ما قلنا في ذلك عن أهل التأويل هو التأويل الذي وردت به الأخبار عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به حين نزلت هذه الآية بين الذين نزلت فيهم وبسببهم... ففيما ذكرنا من هذه الأخبار التي روينا دليل واضح على صحة ما قلنا من أن حكم الله تعالى باليمين على الشاهدين في هذا الموضع، إنما هو من أجل دعوى ورثته على المسنَد إليهما الوصية خيانة فيما دفع الميت من ماله إليهما، أو غير ذلك مما لا يبرأ فيها المدّعي ذلك قبله إلاّ بيمين، وإن نقل اليمين إلى ورثة الميت، بما أوجبه الله تعالى بعد أن عثر على الشاهدين أنهما استحقّا إثما في أيمانهما، ثم ظُهِر على كذبهما فيها، إنّ القوم ادّعوا فيما صحّ أنه كان للميت دعوى من انتقال ملك عنه إليهما ببعض ما تزول به الأملاك، مما يكون اليمين فيها على ورثة الميت دون المدّعَى، وتكون البينة فيها على المدعي وفساد ما خالف في هذه الآية ما قلنا من التأويل. وفيها أيضا البيان الواضح على أن معنى الشهادة التي ذكرها الله تعالى في أوّل هذه القصة إنما هي اليمين، كما قال الله تعالى في مواضع أخر: "والّذِينَ يَرْمونَ أَزْوَاجَهُمْ ولَمْ يكُنْ لهُمْ شُهَدَاءُ إلاّ أنْفُسُهُمْ فشَهادَةُ أحَدِهِمْ أرْبَعُ شَهاداتٍ باللّهِ إنّهُ لمِنَ الصّادقينَ"، فالشهادة في هذا الموضع معناها القسم من قول القائل: أشهد بالله إنه لمن الصادقين، وكذلك معنى قوله:"شَهادَةُ بَيْنِكُمْ "إنما هو قَسَم بينكم،" إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ حِينَ الوَصِيّةِ "أن يقسم اثْنان ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ إن كانا ائتمنا على ما قال، فارتيب بهما، أو ائتمن آخران من غير المؤمنين فاتهما. وذلك أن الله تعالى لمّا ذكر نقل اليمين من اللذين ظهر على خيانتهما إلى الاخرين، قال: "فَيُقْسِمانِ باللّهِ لَشَهادَتُنا أحَقّ مِنْ شَهادَتِهِما". ومعلوم أن أولياء الميت المدّعين قِبَل اللذين ظهر على خيانتهما، غير جائز أن يكون شهداء بمعنى الشهادة التي يؤخذ بها في الحكم حقّ مدّعى عليه لمدّع، لأنه لا يعلم لله تعالى حكم قضى فيه لأحد بدعواه، ويمينه على مدّعًى عليه بغير بينة ولا إقرار من المدّعى عليه ولا برهان. فإذا كان معلوما أن قوله: "لشَهادَتُنا أحَقّ مِنْ شَهادَتِهِما" إنما معناه: قسمنا أحقّ من قسمهما، وكان قسم اللذين عثر على أنهما أثما هو الشهادة التي ذكر الله تعالى في قوله:"أحَقّ مِنْ شَهادَتِهِما "صح أن معنى قوله:"شَهادَةِ بَيْنِكُمْ "بمعنى الشهادة في قوله:"لَشَهادَتُنا أحَقّ مِنْ شَهادَتِهِما "وأنها بمعنى القسم...
وقد تأوّلت جماعة من أهل التأويل قول الله تعالى: «فإنْ عُثَر على أنّهُما اسْتَحَقّا إثْما فَآخَرَانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الّذِينَ اسْتُحِقّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيانِ» أنهما رجلان آخران من المسلمين، أو رجلان أعدل من المُقسِمَين الأوّلين...
وأما قوله" الأوْلَيانِ "فإن معناه عندنا: الأولى بالميت من المقسمين الأوّلين فالأولى، وقد يحتمل أن يكون معناه: الأولى باليمين منهما فالأولى، ثم حذف «منهما» والعرب تفعل ذلك فتقول: فلان أفضل، وهي تريد أفضل منك، وذلك إذا وضع أفعل موضع الخبر، وإن وقع موقع الاسم وأدخلت فيه الألف واللام، فعلوا ذلك أيضا إذا كان جوابا لكلام قد مضى، فقالوا: هذا الأفضل، وهذا الأشرف يريدون هو الأشرف منك. وقال ابن زيد: معنى ذلك: الأوليان بالميت.
" فَيُقْسِمانِ باللّهِ لَشَهادَتُنا أحَقّ مِنْ شَهادتِهِم وَما اعْتَدَيْنا إنّا إذَنْ لَمِنَ الظّالِمِينَ": فيُقسم الاخران اللذان يقومان مقام اللذين عثر على أنهما استحقا إثما بخيانتهما مال الميت الأوليان باليمين والميت من الخائنين:"لَشَهادَتُنا أحَقّ مِنْ شَهادَتِهِما ": لأيماننا أحقّ من أيمان المقسمين المستحقين الإثم وأيمانهما الكاذبة في أنهما قد خانا في كذا وكذا من مال ميتنا، وكذا في أيمانهما التي حلفا بها. "وَما اعْتَدَيْنا": وما تجاوزنا الحقّ في أيماننا. وقد بينا أن معنى الاعتداء: المجاوزة في الشيء حدّه. "إنّا إذَن لَمِنَ الظّالِمِينَ" يقول: إنا إن كنا اعتدينا في أيماننا، فحلفنا مبطلين فيها كاذبين، "لمِنَ الظّالِمِينَ ": لَمِنْ عِدَادِ مَن يأخذ ما ليس له أخذه، ويقتطع بأيمانه الفاجرة أموال الناس.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
(فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً) يريد، والله أعلم، أن يشهد عليهما شاهدان منا أو منهم بشيء جحداه أنه من تركة الميت، فهذا استحقاق الورثة. فإذا قال المدعي قبلهما: اشتريناه من الميت فعلى الورثة أن يحلفوا. فهذا، والله أعلم، معنى: (فآخران يقومان مقامهما) لأن الورثة صاروا مدعى عليهم، فقاموا في هذه الحال في وجوب اليمين عليهم مقام الأولين لما كانت الدعوى عليهم. فهذا، والله أعلم، أقرب الوجوه في تأويل الآية وأشبهها؛ ...
يعني ظهور شيء من مال الميت في أيديهما بعد ذلك، وهو جَامُ الفضة الذي ظهر في أيديهما من مال الميت، فزعما أنهما كانا اشترياه من مال الميت. ثم قال تعالى: {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُما} يعني في اليمين، لأنهما صارا في هذه الحال مدعيين للشِّرَى، فصارت اليمين على الورثة، وعلى أنه لم يكن للميت إلاّ وارثان فكانا مُدَّعًى عليهما، فلذلك استُحْلِفا، ألا ترى أنه قال: {مِنَ الّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأُولَيَانِ فَيُقْسِمَانِ باللّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} يعني أن هذه اليمين أوْلى من اليمين التي حلف بها الوصيان أنهما ما خانا ولا بدّلا، لأن الوصيين صارا في هذه الحال مُدَّعِيَيْنِ وصار الوارثان مدَّعًى عليهما، وقد كانا برئا في الظاهر بدياً بيمينهما فمضت شهادتهما على الوصية، فلما ظهر في أيديهما شيءٌ من مال الميت صارت أيمان الوارثين أوْلى. وقد اختُلف في تأويل قوله تعالى: {الأُولَيَانِ}، فرُوي عن سعيد بن جبير قال: معنى الأولَيَانِ بالميت يعني الورثة، وقيل: الأوْليان بالشهادة وهي الأيمان في هذا الموضع؛ وليس في الآية دلالة على إيجاب اليمين على الشاهدين فيما شهدا به، وإنما أوجبت اليمين عليهما لما ادّعَى الورثة عليهما الخيانة وأخْذَ شيء من تركة الميت، فصار بعض ما ذكر في هذه الآيات من الشهادات أيماناً...
وقوله بعد ذلك: {فَيُقْسِمَانِ باللّهِ} لا يحتمل غير اليمين، ثم قال: {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأُولَيَانِ فَيُقْسِمَانِ باللهِ لَشَهَادَتُنَا} يعني بها اليمين؛ لأن هذه أيمان الوارثين، وقوله: {أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} يحتمل من يمينهما ويحتمل من شهادتهما، لأن الوصيين قد كان منهما شهادة ويمين، وصارت يمين الوارث أحقَّ من شهادة الوصيين ويمينها، لأن شهادتهما لأنفسهما غير جائزة ويميناهما لم توجب تصحيح دعواهما في شراء ما ادّعيا شراه من الميت...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
قوله تعالى: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً} يعني فإن ظهر على أنهما كَذَبَا وخَانَا، فعبر عن الكذب بالخيانة والإِثم لحدوثه عنهما. وفي الذين: {عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً} قولان: أحدهما: أنهما الشاهدان، قاله ابن عباس. والثاني: أنهما الوصيان، قاله سعيد بن جبير. {فَآخَرَان} يعني من الورثة. {يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا} في اليمين، حين ظهرت الخيانة...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{فَإِنْ عُثِرَ} فإن اطلع {على أَنَّهُمَا استحقا إِثْماً} أي فعلا مّا أوجب إثماً، واستوجبا أن يقال إنهما لمن الآثمين {فَآخَرَانِ} فشاهدان آخران {يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ الذين استحق عَلَيْهِمُ} أي من الذين استحق عليهم الإثم. معناه من الذين جني عليهم وهم أهل الميت وعشيرتهم...
{الأوليان} الأحقان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما... ومعنى الأولية التقدم على الأجانب في الشهادة لكونهم أحقّ بها.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
والذي يظهر هنا أن الإثم عل بابه، وهو الحكم اللاحق لهما والنسبة التي يتحصلان فيها بعد مواقعتها لتحريف الشهادة أو لأخذ ما ليس لهما أو نحو ذلك، و {استحقا} معناه استوجباه من الله وكانا أهلاً له فهذا استحقاق على بابه، أنه استيجاب حقيقة، ولو كان الإثم الشيء المأخوذ لم يقل فيه «استحقا» لأنهما ظلما وخانا فيه، فإنما استحقا منزلة السوء وحكم العصيان، وذلك هو الإثم، وقوله تعالى: {فآخران} أي فإذا عثر على فسادهما فالأوليان باليمين وإقامة القضية آخران من القوم الذين هم ولاة الميت واستحق عليهم حظهم أو ظهورهم أو مالهم أو ما شئت من هذه التقديرات...
وسمي المأخوذ إثماً كما يقال لما يؤخذ من المظلوم مظلمة...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{فإن} ولما كان المراد مجرد الاطلاع بني للمفعول قوله: {عثر} أي اطلع مطلع بقصد أو بغير قصد؛ قال البغوي: وأصله الوقوع على الشيء أي من عثرة الرجل {على أنهما} أي الشاهدين إن أريد بهما الحقيقة أو الوصيين {استحقا إثماً} أي بسبب شيء خانا فيه من أمر الشهادة {فآخران} أي من الرجال الأقرباء للميت {يقومان مقامهما} أي ليفعلا حيث اشتدت الريبة من الإقسام عند مطلق الريبة ما فعلا {من الذين استحق} أي طلب وقوع الحق بشهادة من شهد {عليهم} هذا على قراءة الجماعة، وعلى قراءة حفص بالبناء للفاعل، المعنى: وجد وقوع الحق عليهم، وهم أهل الميت وعشيرته.
ولما كان كأنه قيل: ما منزلة هذين الآخرين من الميت؟ فقيل: {الأوليان} أي الأحقان بالشهادة الأقربان إليه العارفان بتواطن أمره، وعلى قراءة أبي بكر وحمزة بالجمع، كأنه قيل: هما من الأولين أي في الذكر وهم أهل الميت، فهو نعت للذين استحق {فيقسمان} أي هذان الآخران {بالله} أي الملك الذي لا يقسم إلا به لما له من كمال العلم وشمول القدرة {لشهادتنا} أي بما يخالف شهادة الحاضرين للواقعة {أحق من شهادتهما} أي أثبت، فإن تلك إنما ثباتها في الظاهر، وشهادتنا ثابتة في نفس الأمر وساعدها الظاهر بما عثر عليه من الريبة {وما اعتدينا} أي تعمدنا في يميننا مجاوزة الحق {إنا إذاً} أي إذا وقع منا اعتداء {لمن الظالمين} أي الواضعين الشيء في غير موضعه كمن يمشي في الظلام، وهذا إشارة إلى أنهم على بصيرة ونور مما شهدوا به، وذلك أنه لما وجد الإناء الذي فقده أهل الميت وحلف الداريان بسببه أنهما ما خانا طالبوهما، فقالا: كنا اشتريناه منه، فقالوا: ألم نقل لكما: هل باع صاحبنا شيئاً؟ فقلتما: لا، فقالا: لم يكن عندنا بينة فكرهنا أن نقر لكم فرفعوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر فقام اثنان من أقارب الميت فحلفا على الإناء، فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم إليهما، لأن الوصيين ادعيا على الميت البيع فصار اليمين في جانب الورثة لأنهم أنكروا، وسمي أيمان الفريقين شهادة كما سميت أيمان المتلاعنين شهادة -نبه على ذلك الشافعي، وكان ذلك لما في البابين من مزيد التأكيد.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان} قرأ الجمهور «استحق» بضم التاء على البناء للمفعول، وحفص عن عاصم بفتح التاء بالبناء للفاعل وهي مروية عن علي وابن عباس وأبي، وقرأ يعقوب وخلف وحمزة وعاصم في رواية أبي بكر عنه (الأولين) جمع الأول الذي يقابله آخر، مع قراءتهم استحق بالبناء للمفعول، وقرأه الباقون (الأوليان) مثنى الأولى سواء منهم من قرأ استحق بالبناء للمفعول ومن قرأه بالبناء للفاعل، ورسم الأوليان والأولين في المصحف الإمام واحد وهو هكذا (الأولين). والمعنى فإن اتفق الاطلاع على أن الشهيدين المقسمين استحقا إثما بالكذب أو الكتمان في الشهادة أو بالخيانة وكتمان شيء من التركة في حالة ائتمانهما عليها – كما ظهر في الواقعة التي كانت سبب النزول – فالواجب أو فالذي يعمل لإحقاق الحق هو أن يرد اليمين إلى الورثة بأن يقوم رجلان آخران مقامهما من أولياء الميت الوارثين له الذين استحق ذلك الإثم بالإجرام عليهم والخيانة لهم، وهذان الرجلان الوارثان ينبغي أن يكونا هما الأوليين بالميت أي الأقربين إليه الأحقين بإرثه إن لم يمنع من ذلك مانع – كما تفيده قراءة الجمهور – أو غيرهما منهم كما تفيده قراءة من قرأ (الأولين) وهو صفة للذين استحق عليهم أو منصوب على الاختصاص.
وتحمل القراءة الأولى على طلب الأكمل وهو أن يشهد أقرب الورثة إلى الميت. والقراءة الثانية على ما إذا منع مانع من إقسام أقرب الورثة أو كانت المصلحة في حلف غيره منهم لامتيازه بالسن أو الفضيلة، هذا إذا أريد بالأوليين الأوليان بأمر الميت الموصي، ويجوز أن يراد بهما الأوليان بالقسم في هذه الحالة، أي أجدر الورثة باليمين لقربهما من الميت أو لعلمهما أو لفضلهما. وأما قراءة حفص عن عاصم – وبها يقرأ أهل بلادنا – فقال أكثر المفسرين في توجيهها أن «الأوليان» فيها فاعل استحق والمفعول محذوف والتقدير: من الورثة الذين استحق عليهم الأوليان بأمر الميت منهم ما أوصى به أو ما تركه – أو ندبهما للشهادة.
وذهب الإمام الرازي إلى أن الأوليين في هذه القراءة هما الوصيان قال: ووجهه أن الوصيين اللذين ظهرت خيانتهما هما أولى من غيرهما – بسبب أن الميت عينهما للوصاية ولما خانا في مال الورثة صح أن يقال إن الورثة قد استحق عليهم الأوليان أي خان في مالهم الأوليان، وقرأ الحسن الأولان ووجهه ظاهر مما تقدم اهـ.
أقول: الوجه عندي في ذلك أنهما الأوليان باليمين في الأصل لأنهما منكران واليمين على من أنكر، وكان المقام مقام الإضمار – بأن يقال: من الذين استحقا عليهم الإثم – فوضع المظهر وهو الأوليان موضع الضمير لإفادة أن الأصل في الشرع أن تكون اليمين عليهما ولكن استحقاقهما الإثم بما ظهر من حنثهما اقتضى ردها أي اليمين إلى الورثة {فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا} أي يحلفان على أن ما يشهدان به من خيانة الشهيدين اللذين شهدا على وصية ميتهما أحق وأصدق من شهادتهما بما كانا شهدا به، وأنهما ما اعتديا عليهما بتهمة باطلة أو ما اعتديا الحق فيما اتهموهما به {إنا إذا لمن الظالمين} أي ويقولان في قسمهما إنا إذا اعتدينا الحق وقلنا الباطل لداخلون في عداد الظالمين لأنفسهم بتعريضها لسخط الله تعالى وانتقامه، والظالمين لمن ائتمنه ميتهم، وظلمهما محرم عليهم.