تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَۖ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِبَعِيدٖ} (83)

{ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ } أي : معلمة ، عليها علامة العذاب والغضب ، { وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ } الذين يشابهون لفعل قوم لوط { بِبَعِيدٍ } فليحذر العباد ، أن يفعلوا كفعلهم ، لئلا يصيبهم ما أصابهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَۖ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِبَعِيدٖ} (83)

69

هذه الحجارة . . ( مسومة عند ربك ) . . كما تسوم الماشية أي تربى وتطلق بكثرة . فكأنما هذه الحجارة مرباة ! ومطلقة لتنمو وتتكاثر ! لوقت الحاجة . . وهو تصوير عجيب يلقي ظله في الحس ، ولا يفصح عنه التفسير ، كما يفصح عنه هذا الظل الذي يلقيه . .

( وما هي من الظالمين ببعيد ) . .

فهي قريبة وتحت الطلب ، وعند الحاجة تطلق فتصيب !

والصورة التي يرسمها السياق هنا لهذه النازلة التي أصابت قوم لوط هي أشبه شيء ببعض الظواهر البركانية التي تخسف فيها الأرض فتبتلع ما فوقها ويصاحب هذا حمم وحجارة ووحل وعند ربك للظالمين كثير ! ! !

ولا نقول هذا الكلام لنقول : إنه كان بركان من تلك البراكين ، ثار في ذلك الوقت ، فوقع ما وقع . إننا لا ننفي هذا . فقد يكون هو الذي وقع فعلا . ولكننا لا نجزم به كذلك ولا نقيد قدر الله بظاهرة واحدة مألوفة . .

وقوام القول في هذه القضية وأمثالها أنه جائز أن يكون في تقدير الله وقوع انفجار بركاني في موعده في هذا الموعد ليحقق قدر الله في قوم لوط كما قدر في علمه القديم . وهذا التوقيت والتوافق شأن من شؤون ألوهيته سبحانه وربوبيته للكون وتصريفه لكل ما يجري فيه متناسقا مع قدره بكل شيء وبكل حي فيه .

وجائز كذلك أن تكون هذه الظاهرة وقعت بقدر خاص تعلقت به مشيئة الله سبحانه لإهلاك قوم لوط على هذه الصورة التي تم بها في ذلك الحين . وفهم علاقة مشيئة الله بالكون على النحو الذي بيناه قريبا في التعليق على حادثة امرأة إبراهيم ، لا يبقى مجالا لمشكلة تقوم في التصوير الإنساني لمثل هذه الظواهر والأمور . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَۖ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِبَعِيدٖ} (83)

يقول تعالى : { فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا } وكان ذلك عند طلوع الشمس ، { جَعَلْنَا عَالِيَهَا } وهي [ قريتهم العظيمة وهي ]{[14826]} سَدُوم [ ومعاملتها ]{[14827]} { سَافِلَهَا } كقوله{[14828]} { [ وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى ] فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى } [ النجم : 53 ، 54 ]{[14829]} أي : أمطرنا{[14830]} عليها حجارة من " سجيل " وهي بالفارسية : حجارة من طين ، قاله ابن عباس وغيره .

وقال بعضهم : أي من " سنك " وهو الحجر ، و " كل " {[14831]} وهو الطين ، وقد قال في الآية الأخرى : { حِجَارَةً مِنْ طِينٍ } [ الذاريات : 33 ] أي : مستحجرة قوية شديدة . وقال بعضهم : مشوية ، [ وقال بعضهم : مطبوخة قوية صلبة ]{[14832]} وقال البخاري . " سِجيل " : الشديد الكبير . سجيل وسجين واحد ، اللام والنون أختان ، وقال تميم بن مُقبِل :

وَرَجْلَةٍ يَضْربُون البَيْضَ ضَاحِيةٌ *** ضَرْبًا تواصَت به الأبطال{[14833]} سِجّينا{[14834]}

وقوله : { مَنْضُودٍ } قال بعضهم : منضودة في السماء ، أي : معدة لذلك .

وقال آخرون : { مَنْضُودٍ } أي : يتبع بعضها بعضا في نزولها عليهم .

وقوله : { مُسَوَّمَةً } أي مُعْلمَة مختومة ، عليها أسماء أصحابها ، كل حجر مكتوب عليه اسم الذي ينزل عليه .

وقال قتادة وعِكْرِمة : { مُسَوَّمَةً } [ أي ]{[14835]} مُطَوّقة ، بها نَضْحٌ من حُمّرٍة .

وذكروا أنها نزلت على أهل البلد ، وعلى المتفرقين في القرى مما حولها ، فبينا أحدهم يكون عند{[14836]} الناس يتحدّث ، إذ جاءه حجر من السماء فسقط عليه من بين الناس ، فدّمره ، فتتبعهم{[14837]} الحجارة من سائر البلاد ، حتى أهلكتهم عن آخرهم فلم يبق منهم أحد .

وقال مجاهد : أخذ جبريلُ قوم لوط من سَرْحهم ودورهم ، حملهم بمواشيهم وأمتعتهم ، ورفعهم حتى سمع أهل السماء نُباح كلابهم ثم أكفأهم{[14838]} [ وقال ]{[14839]} وكان حملهم على خوافي{[14840]} جناحه الأيمن . قال : ولما قلبها كان أول ما سقط منها شُذانها{[14841]} .

وقال قتادة : بلغنا أن جبريل أخذ بعروة{[14842]} القرية الوسطى ، ثم ألوَى بها إلى جو السماء ، حتى سمع أهل السماء{[14843]} ضواغي كلابهم ، ثم دمر بعضها على بعض ، ثم أتبع شُذّاذ القوم سُخْرًا{[14844]} - قال : وذكر لنا أنهم كانوا أربع قرى ، في كل قرية مائة ألف - وفي رواية : [ كانوا ]{[14845]} ثلاث قرى ، الكبرى منها سَدُوم . قال : وبلغنا أن إبراهيم ، عليه السلام ، كان يشرف على سدوم ، ويقول : سدوم ، يومٌ ، ما لَك ؟ .

وفي رواية عن قتادة وغيره : بلغنا أن جبريل عليه السلام ، لما أصبح نشر جناحه ، فانتسف به أرضهم بما فيها من قُصُورها ودوابها وحجارتها وشجرها ، وجميع ما فيها ، فضمها في جناحه ، فحواها وطواها في جوف جناحه ، ثم صعد بها إلى السماء الدنيا ، حتى سمع سكان السماء أصوات الناس والكلاب ، وكانوا أربعة آلاف ألف ، ثم قلبها ، فأرسلها إلى الأرض منكوسة ، وَدَمْدَم بعضها على بعض ، فجعل عاليها سافلها ، ثم أتبعها حجارة من سجيل .

وقال محمد بن كعب القُرَظي : كانت قرى قوم لوط خمس قريات : " سدوم " ، وهي العظمى ، و " صعبة " {[14846]} و " صعوة " و " عثرة " {[14847]} و " دوما " ، احتملها جبريل بجناحه ، ثم صعد بها ، حتى إنّ أهل السماء الدنيا ليسمعون نابحة كلابها ، وأصوات دجاجها ، ثم كفأها على وجهها ، ثم أتبعها الله بالحجارة ، يقول الله تعالى : { جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ } {[14848]} فأهلكها الله وما حولها من المؤتفكات .

وقال السدي : لما أصبح قوم لوط ، نزل جبريل فاقتلع الأرض من سبع أرضين ، فحملها حتى بلغ بها السماء ، حتى سمع أهل السماء الدنيا نباح كلابهم ، وأصوات ديوكهم ، ثم قلبها فقتلهم ، فذلك قوله{[14849]} { وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى } [ النجم : 53 ] ، ومن لم يمت حين سقط للأرض ، أمطر الله عليه وهو تحت الأرض الحجارة ، ومن كان منهم شاذا في الأرض يتبعهم في القرى ، فكان الرجل يتحدث فيأتيه الحجر فيقتله ، فذلك قوله{[14850]} عز وجل : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ } أي : في القرى حجارة من سجيل . هكذا قال السدي .

وقوله : { وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ } أي : وما هذه النقمة ممن تَشَبَّه بهم في ظلمهم ، ببعيد{[14851]} عنه .

وقد ورد في الحديث المروي في السنن{[14852]} عن ابن عباس مرفوعًا{[14853]} " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط ، فاقتلوا الفاعل والمفعول به " {[14854]} .

وذهب الإمام الشافعي في قول عنه وجماعة من العلماء إلى أن اللائط يقتل ، سواء كان محصنًا أو غير{[14855]} محصن ، عملا بهذا الحديث .

وذهب الإمام أبو حنيفة [ رحمه الله إلى ]{[14856]} أنه يلقى من شاهق ، ويُتبَع بالحجارة ، كما فعل الله بقوم لوط ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب .


[14826]:- زيادة من ت ، أ.
[14827]:- زيادة من ت ، أ.
[14828]:- في ت : "كما قال تعالى".
[14829]:- زيادة من ت ، أ.
[14830]:- في ت ، أ : "أمطر".
[14831]:- في ت : "وحل" ، وفي أ : "وجيل".
[14832]:- زيادة من ت ، أ.
[14833]:- في أ : "الأباطيل".
[14834]:- صحيح البخاري (8/352) "فتح".
[14835]:- زيادة من ت ، أ.
[14836]:- في ت ، أ : "بين".
[14837]:- في ت : "فيتبعهم".
[14838]:- في ت ، أ : "أكفأها".
[14839]:- زيادة من ت.
[14840]:- في ت ، أ : "حوافي".
[14841]:- في ت : "شرفاتها".
[14842]:- في ت : "بعزوة".
[14843]:- في ت ، أ : "سمع الملائكة".
[14844]:- في ت ، أ : "صخرا".
[14845]:- زيادة من ت ، أ.
[14846]:- في ت ، أ : "صبعة".
[14847]:- في ت ، أ : "وعمرة".
[14848]:- في ت ، أ : "فجعلنا".
[14849]:- في ت ، أ : "فذلك حين يقول".
[14850]:- في ت ، أ : "قول الله".
[14851]:- في ت : "ببعد".
[14852]:- في ت ، أ : "في السنن من حديث عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة".
[14853]:- في ت ، أ : "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال".
[14854]:- سنن أبي داود برقم (4462) وسنن الترمذي برقم (1456) وسنن ابن ماجة برقم (2561) ، وقال الترمذي : "وإنما يعرف هذا الحديث عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الوجه ، وروى محمد بن إسحاق هذا الحديث عن عمرو بن أبي عمرو فقال : "ملعون من عمل عمل قوم لوط" ولم يذكر فيه القتل وذكر فيه : "ملعون من أتى بهيمة".
[14855]:- في ت ، أ : "أو لم يكن محصنا".
[14856]:- زيادة من ت ، أ.

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَۖ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِبَعِيدٖ} (83)

وأما قوله : مُسَوّمَةً عِنْدَ رَبّكَ فإنه يقول : معلمة عند الله ، أعلمها الله ، والمسوّمة من نعت الحجارة ، ولذلك نصبت ونعت بها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : مُسَوّمَةً قال : معلمة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله . قال ابن جريج : مسوّمة لا تشاكل حجارة الأرض .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وعكرمة : مُسَوّمَةً قالا : مطوّقة بها نضح من حمرة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : مُسَوّمَةً عليها سيما معلومة حدّث بعض من رآها أنها حجارة مطوّقة عليها ، أو بها نضح من حمرة ليست كحجارتكم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، في قوله : مُسَوّمَةً قال : عليها سيما خطوط .

حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : مُسَوّمَةً قال : المسوّمة : المختمة .

وأما قوله : وَما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ فإنه يقول تعالى ذكره متهدّدا مشركي قريش : وما هذه الحجارة التي أمطرتها على قوم لوط من مشركي قومك يا محمد ببعيد أن يمطروها إن لم يتوبوا من شِركهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا أبو عتاب الدلال سهل بن حماد ، قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثنا أبان بن تغلب ، عن مجاهد ، في قوله : وَما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ ببَعِيدٍ قال : أن يصيبهم ما أصاب القوم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ قال : يرهب بها من يشاء .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ يقول : ما أجار الله منها ظالما بعد قوم لوط .

حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وعكرمة : وَما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبِعِيدٍ يقول : لم يبرأ منها ظالم بعدهم .

حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا ضَمْرة بن ربيعة ، عن ابن شَوْذَب ، عن قتادة ، في قوله : وَما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ قال : يعني ظالمي هذه الأمة ، قال : والله ما أجار منها ظالما بعد .

حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ يقول : من ظَلَمة العرب إن لم يتوبوا فيعذّبوا بها .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر الهذليّ بن عبد الله ، قال يقول : وَما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ من ظلمة أمتك ببعيد ، فلا يأمنها منهم ظالم .

وكان قَلْبُ الملائكةِ عالي أرض سدوم سافلها ، كما :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، قال : حدثنا الأعمش ، عن مجاهد ، قال : أخذ جبرئيل عليه السلام قوم لوط من سَرْحهم ودورهم ، حملهم بمواشيهم وأمتعتهم حتى سمع أهل السماء نُباح كلابهم ثم أكفأهم .

حدثنا به أبو كريب مرّة أخرى عن مجاهد ، قال : أدخل جبرئيل جناحه تحت الأرض السفلى من قوم لوط ، ثم أخذهم بالجناح الأيمن ، فأخذهم من سرحهم ومواشيهم ثم رفعها .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، كان يقول : فَلَمّا جاءَ أمْرُنا جَعَلْنا عالِيَهَا سافِلَها قال : لما أصبحوا غدا جبرئيل على قريتهم ، ففتقها من أركانها ، ثم أدخل جناحه ، ثم حملها على خوافي جناحه .

قال : حدثنا شبل ، قال : فحدثني هذا ابنُ أبي نجيح ، عن إبراهيم بن أبي بكر قال : ولم يسمعه ابن أبي نجيح عن مجاهد ، قال : فحملها على خوافي جناحه بما فيها ، ثم صعد بها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ثم قلبها ، فكان أوّل ما سقط منها شرفها ، فذلك قول الله : جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وأمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجّيلٍ قال مجاهد : فلم يصب قوما ما أصابهم إن الله طمس على أعينهم ، ثم قلب قريتهم ، وأمطر عليهم حجارة من سِجيّل .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : بلغنا أن جبرئيل عليه السلام أخذ بعُروة القرية الوسطى ، ثم ألوى بها إلى السماء ، حتى سمع أهل السماء ضَواغي كلابهم ، ثم دمّر بعضها على بعض فجعل عاليها سافلها ثم أتبعهم الحجارة . قال قتادة : وبلغنا أنهم كانوا أربعة آلاف ألف .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذُكِر لنا أن جبرئيل عليه السلام أخذ بعروتها الوسطى ، ثم ألوى بها إلى جوّ السماء حتى سمعت الملائكة ضواغي كلابهم ، ثم دمر بعضها على بعض ثم أتبع شُذّان القوم صخرا ، قال : وهي ثلاث قرى يقال لها سَدُوم ، وهي بين المدينة والشام . قال : وذُكر لنا أنه كان فيها أربعة آلاف ألف . وذُكر لنا أن إبراهيم عليه السلام كان يُشْرِف يقول : سدوم يوم مّا لك

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : لما أصبحوا يعني قوم لوط نزل جبرئيل ، فاقتلع الأرض من سبع أرضين ، فحملها حتى بلغ السماء الدنيا حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم وأصواب ديوكهم ، ثم قلبها فقتلهم فذلك حين يقول : والمُؤْتَفِكَةَ أهْوَى المنقلبة حين أهوى بها جبرئيل الأرض فاقتلعها بجناحه ، فمن لم يمت حين أسقط الأرض أمطر الله عليه وهو تحت الأرض الحجارة ، ومن كان منهم شاذّا في الأرض وهو قول الله : فجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وأمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجّيلٍ ثم تتَبعَهم في القرى ، فكان الرجل يأتيه الحجر فيقتله ، وذلك قول الله تعالى : وأمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجّيلٍ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر وأبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : بلغنا أن جبرئيل عليه السلام لما أصبح نشر جناحه ، فانتسف به أرضهم بما فيها من قصورها ودوابها وحجارتها وشجرها وجميع ما فيها ، فضمها في جناحه ، فحواها وطواها في جوف جناحه ، ثم صعد بها إلى السماء الدنيا ، حتى سمع سكان السماء أصوات الناس والكلاب ، وكانوا أربعة آلاف ألف ، ثم قلبها فأرسلها إلى الأرض منكوسة ، دمدم بعضَها على بعض ، فجعل عاليها سافلها ، ثم أتبعها حجارة من سجيل .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني ابن إسحاق ، قال : ثني محمد بن كعب القُرَظي ، قال : حُدثت أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال : «بَعَثَ الله جبرئيل عليه السلام إلى المُؤْتَفِكة قَرْيَةِ لُوطٍ عليه السلام التي كان لُوطٌ فيها ، فاحْتَمَلَها بجَنَاحِهِ ، ثم صَعِدَ بها حتى إنّ أهْلَ السّماء الدّنْيا لَيَسْمَعُونَ نُبَاحَ كِلابها وأصْوَاتَ دَجَاجِهَا ، ثم كَفَأَهَا على وَجْهِها ، ثم أتْبَعَها اللّهُ بالحِجَارَةِ ، يقول الله : جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وأمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجّيلٍ فأهْلَكَها الله وما حَوْلَها مِنَ المُؤْتَفِكَاتِ ، وكُنّ خَمْسَ قَرْيَاتٍ : صنعة ، وصعوة ، وعثرة ، ودوما ، وسدوم وسدوم هي القرية العظمى ، ونجّى الله لوطا ومَنْ معه من أهله ، إلا امْرَأَته كانَتْ فِيمَنَ هَلك » .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَۖ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِبَعِيدٖ} (83)

والمسوّمَة : التي لها سِيما ، وهي العلامة . والعلامات توضع لأغراض ، منها عدم الاشتباه ، ومنها سهولة الإحضار ، وهو هنا مكنّى به عن المُعدّة المهيّئة لأن الإعداد من لوازم التوسيم بقرينة قوله : { عند ربك } لأن تسويمها عند الله هو تقديره إياها لهم .

وضمير { وما هي } يصلح لأن يعود إلى ما عادت إليه الضمائر المجرورة قبله وهي المدينة ، فيكون المعنى وما تلك القرية ببعيد من المشركين ، أي العرب ، فمن شاء فليذهب إليها فينظر مصيرها ، فالمراد البعد المكانيّ . ويصلح لأن يعود إلى الحجارة ، أي وما تلك الحجارة ببعيد ، أي أنّ الله قادر على أن يرمي المشركين بمثلها . والبعد بمعنى تعذّر الحصول ونفيه بإمكان حصوله . وهذا من الكلام الموجّه مع صحة المعنيين وهو بعيد .

وجرّد { بعيد } عن تاء التأنيث مع كونه خبراً عن الحجارة وهي مؤنث لفظاً ، ومع كون { بعيد } هنا بمعنى فاعل لا بمعنى مفعول ، فالشأن أن يطابق موصوفه في تأنيثه ، ولكن العرب قد يجرون فعيلاً الذي بمعنى فاعل مجرى الذي بمعنى مفعول إذا جرى على مؤنث غير حقيقي التأنيث زيادة في التخفيف ، كقوله تعالى في سورة الأعراف ( 56 ) { إنّ رحمت الله قريبٌ من المحسنين } وقوله : { وما يدريك لعلّ الساعة تكون قريباً } [ الأحزاب : 63 ] وقوله : { قال مَن يُحيي العظام وهي رميم } [ يس : 78 ] . وقيل : إن قوله : { وما كانت أمك بغيا } [ مريم : 28 ] من هذا القبيل ، أي باغية . وقيل : أصله فعول بغوي فوقع إبدال وإدغام . وتأوّل الزمخشري ما هنا على أنه صفة لمحذوف ، أي بمكان بعيد ، أو بشيء بعيد عن الاحتمالين في معاد ضمير { هي } .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَۖ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِبَعِيدٖ} (83)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{مسومة}، يعني معلمة، {عند ربك}، يعني جاءت من عند الله عز وجل، ثم قال: {وما هي من الظالمين ببعيد}؛ لأنها قريب من الظالمين، يعني من مشركي مكة، فإنها تكون قريبا، يخوفهم منها...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وأما قوله:"مُسَوّمَةً عِنْدَ رَبّكَ" فإنه يقول: معلمة عند الله، أعلمها الله، والمسوّمة من نعت الحجارة، ولذلك نصبت ونعت بها...

وأما قوله: "وَما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ "فإنه يقول تعالى ذكره متهدّدا مشركي قريش: وما هذه الحجارة التي أمطرتها على قوم لوط من مشركي قومك يا محمد ببعيد أن يمطَروها إن لم يتوبوا من شِركهم...

عن مجاهد: "وَما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ" قال: يرهب بها من يشاء...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

وقوله تعالى: (مسومة)...قال بعضهم: مسومة أي مكتوبا عليه اسم صاحبها...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

ذكر سبحانه ما نالهم من العقوبة على عصيانهم، ثم أخبر أنَّ تلك العقوبةَ لاحقةٌ بمن سَلَكَ سبيلَهم تحذيراَ لمن لم يعتبر بهم إذا عرف طريقَهم...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

...ويحتمل أن تكون {مسومة} ها هنا بمعنى: مرسلة، وسومها من الهبوط.

وقوله {وما هي} إشارة إلى الحجارة. و {الظالمين} قيل: يعني قريشاً. وقيل: يريد عموم كل من اتصف بالظلم، وهذا هو الأصح...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{مسومة} أي معلمة بعلامات تدل على أنها معدة للعذاب.. ثم فخمها بقوله: {عند ربك} وعبر بالرب إشارة إلى كثرة إحسانه إليه وأنه إنما أمره صلى الله عليه وسلم بالإنذار رحمة لأمته التي جعلها خير الأمم وسيجعلها أكثر الأمم، ولا يهلكها كما أهلكهم؛ ومادة سجل -بأي ترتيب كان- تدور على العلو... ولما كان المعنى أنها من مكان هو في غاية العلو ليعظم وقعها، حسن كل الحسن اتباع ذلك قوله: {وما هي} على شدة بعد مكانها {من الظالمين} أي من أحد من العريقين في الظلم في ذلك الزمان ولا هذا ولا زمن من الأزمان {ببعيد} لئلا يتوهم الاحتياج في وصولها إلى المرمى بها إلى زمن طويل...

.

فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :

وقد ذكر المفسرون روايات وقصصاً في كيفية هلاك قوم لوط طويلة متخالفة، وليس في ذكرها فائدة لا سيما وبين من قال بشيء من ذلك، وبين هلاك قوم لوط دهر طويل لا يتيسر له في مثله إسناد صحيح، وغالب ذلك مأخوذ عن أهل الكتاب، وحالهم في الرواية معروف. وقد أمرنا بأنا لا نصدّقهم ولا نكذبهم، فاعرف هذا، فهو الوجه في حذفنا لكثير من هذه الروايات الكائنة في قصص الأنبياء وقومهم...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

{مسومة عند ربك} لها سومة، أي علامة خاصة في علم ربك أيها الرسول، أي أمطرناها خاصة بها لا تصيب غير أهلها، أو هي من قولهم: سومت فلانا في مالي أو في الأمر إذا حكمته فيه، وخليته وما يريد لا تثنى له يد في تصرفه، وقد ظهر لي هذا المعنى الآن من مراجعة المجاز الأساس، والمعنى أنه سخرها عليهم وحكمها في إهلاكهم لا يمنعها منه شيء، كما قال في الملائكة التي أمد الله المؤمنين في غزوة بدر: [مسومين].. {وما هي من الظالمين ببعيد} أي وما هذه العقوبة أو القرى أو الأرض التي حل بها العذاب المخزي بمكان بعيد المسافة من مشركي مكة الظالمين لأنفسهم بتكذيبك والتماري بنذرك أيها الرسول، بل هي قريبة منهم واقعة على طريقهم في رحلة الصيف إلى الشام كما قال: {فأخذتهم الصيحة مشرقين فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل إن في ذلك لآيات للمتوسمين وإنها لبسبيل مقيم} [الحجر: 73، 76] أي في طريق ثابت معروف بين المدينة والشام، وقال في سورة الصافات بعد ذكر هلاكهم: {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون} [الصافات: 137، 138] قال الجلال:"وإنكم لتمرون عليهم" على آثارهم ومنازلهم في أسفاركم. "مصبحين "أي وقت الصباح، يعني بالنهار، "وبالليل أفلا تعقلون" ما حل بهم فتعتبروا به اه. والتعبير بصفة الظالمين وكون العقوبة آية مرادة لا مصادفة، يجعل العبارة عبرة لكل الأقوام الظالمة في كل زمان، وإن كان العذاب يختلف باختلاف الأحوال من أنواع الظلم وكثرته وعمومه وما دونهما...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هذه الحجارة.. (مسومة عند ربك).. كما تسوم الماشية أي تربى وتطلق بكثرة. فكأنما هذه الحجارة مرباة! ومطلقة لتنمو وتتكاثر! لوقت الحاجة.. وهو تصوير عجيب يلقي ظله في الحس، ولا يفصح عنه التفسير، كما يفصح عنه هذا الظل الذي يلقيه.. (وما هي من الظالمين ببعيد).. فهي قريبة وتحت الطلب، وعند الحاجة تطلق فتصيب! والصورة التي يرسمها السياق هنا لهذه النازلة التي أصابت قوم لوط هي أشبه شيء ببعض الظواهر البركانية التي تخسف فيها الأرض فتبتلع ما فوقها ويصاحب هذا حمم وحجارة ووحل وعند ربك للظالمين كثير!!! ولا نقول هذا الكلام لنقول: إنه كان بركان من تلك البراكين، ثار في ذلك الوقت، فوقع ما وقع. إننا لا ننفي هذا. فقد يكون هو الذي وقع فعلا. ولكننا لا نجزم به كذلك ولا نقيد قدر الله بظاهرة واحدة مألوفة.. وقوام القول في هذه القضية وأمثالها أنه جائز أن يكون في تقدير الله وقوع انفجار بركاني في موعده في هذا الموعد ليحقق قدر الله في قوم لوط كما قدر في علمه القديم. وهذا التوقيت والتوافق شأن من شؤون ألوهيته سبحانه وربوبيته للكون وتصريفه لكل ما يجري فيه متناسقا مع قدره بكل شيء وبكل حي فيه. وجائز كذلك أن تكون هذه الظاهرة وقعت بقدر خاص تعلقت به مشيئة الله سبحانه لإهلاك قوم لوط على هذه الصورة التي تم بها في ذلك الحين. وفهم علاقة مشيئة الله بالكون على النحو الذي بيناه قريبا في التعليق على حادثة امرأة إبراهيم، لا يبقى مجالا لمشكلة تقوم في التصوير الإنساني لمثل هذه الظواهر والأمور...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والمسوّمَة: التي لها سِيما، وهي العلامة. والعلامات توضع لأغراض، منها عدم الاشتباه، ومنها سهولة الإحضار، وهو هنا مكنّى به عن المُعدّة المهيّئة لأن الإعداد من لوازم التوسيم بقرينة قوله: {عند ربك} لأن تسويمها عند الله هو تقديره إياها لهم...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

لَمِ قلب الله عاليها سافلها؟ قلنا: إِنّ العذاب ينبغي أن يتناسب مع الإِثم، وحيث أنّ هؤلاء القوم قلبوا كل شيء عن طريق الانحراف الجنسي فإنّ الله جعل مدنهم عاليها سافلها أيضاً، وحيث كانوا دائماً يتقاذفون بالكلمات البذيئة فيما بينهم، فإنّ الله أمطرهم بحجارة لتتهاوى على رؤوسهم أيضاً.