تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{تَرَى ٱلظَّـٰلِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعُۢ بِهِمۡۗ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فِي رَوۡضَاتِ ٱلۡجَنَّاتِۖ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمۡۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ} (22)

وفي ذلك اليوم { تَرَى الظَّالِمِينَ } أنفسهم بالكفر والمعاصي { مُشْفِقِينَ } أي : خائفين وجلين { مِمَّا كَسَبُوا } أن يعاقبوا عليه .

ولما كان الخائف قد يقع به ما أشفق منه وخافه ، وقد لا يقع ، أخبر أنه { وَاقِعٌ بِهِمْ } العقاب الذي خافوه ، لأنهم أتوا بالسبب التام الموجب للعقاب ، من غير معارض ، من توبة ولا غيرها ، ووصلوا موضعا فات فيه الإنظار والإمهال .

{ وَالَّذِينَ آمَنُوا } بقلوبهم بالله وبكتبه ورسله وما جاءوا به ، { وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } يشمل كل عمل صالح من أعمال القلوب ، وأعمال الجوارح من الواجبات والمستحبات ، فهؤلاء { فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ } أي : الروضات المضافة إلى الجنات ، والمضاف يكون بحسب المضاف إليه ، فلا تسأل عن بهجة تلك الرياض المونقة ، وما فيها من الأنهارالمتدفقة ، والفياض المعشبة ، والمناظر الحسنة ، والأشجار المثمرة ، والطيور المغردة ، والأصوات الشجية المطربة ، والاجتماع بكل حبيب ، والأخذ من المعاشرة والمنادمة بأكمل نصيب ، رياض لا تزداد على طول المدى إلا حسنا وبهاء ، ولا يزداد أهلها إلا اشتياقا إلى لذاتها وودادا ، { لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ } فيها ، أي : في الجنات ، فمهما أرادوا فهو حاصل ، ومهما طلبوا حصل ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . { ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ } وهل فوز أكبر من الفوز برضا الله تعالى ، والتنعم بقربه في دار كرامته ؟

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{تَرَى ٱلظَّـٰلِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعُۢ بِهِمۡۗ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فِي رَوۡضَاتِ ٱلۡجَنَّاتِۖ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمۡۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ} (22)

ومن ثم يعرض هؤلاء الظالمين في مشهد من مشاهد القيامة . يعرضهم مشفقين خائفين من العذاب وكانوا من قبل لا يشفقون ، بل يستعجلون ويستهترون :

( ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم ) . .

والتعبير العجيب يجعل إشفاقهم ( مما كسبوا )فكأنما هو غول مفزع ؛ وهو هو الذي كسبوه وعملوه بأيديهم وكانوا به فرحين ! ولكنهم اليوم يشفقون منه ويفزعون ( وهو واقع بهم ) . . وكأنه هو بذاته انقلب عذابا لا مخلص منه ، وهو واقع بهم !

وفي الصفحة الأخرى نجد المؤمنين الذين كانوا يشفقون من هذا اليوم ويخافون . نجدهم في أمن وعافية ورخاء :

والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات ، لهم ما يشاءون عند ربهم . ذلك هو الفضل الكبير . ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات . .

والتعبير كله رُخاء يرسم ظلال الرخاء : ( في روضات الجنات ) . . ( لهم ما يشاءون عند ربهم )بلا حدود ولا قيود . ( ذلك هو الفضل الكبير ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{تَرَى ٱلظَّـٰلِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعُۢ بِهِمۡۗ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فِي رَوۡضَاتِ ٱلۡجَنَّاتِۖ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمۡۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ} (22)

ثم قال تعالى : { تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا } أي : في عرصات القيامة ، { وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ } أي : الذي يخافون منه واقع بهم لا محالة ، هذا حالهم يوم معادهم ، وهم في هذا الخوف والوجل ، { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ } فأين هذا من هذا :

أين من هو في العَرَصَات في الذل والهوان والخوف المحقق عليه بظلمه ، ممن هو في روضات الجنات ، فيما يشاء من مآكل ومشارب وملابس ومساكن ومناظر ومناكح وملاذ ، فيما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .

قال : الحسن بن عرفة : حدثنا عمر بن عبد الرحمن الأبار ، حدثنا محمد بن سعد الأنصاري{[25812]} عن أبي طَيْبَة ، قال : إن الشَّرْب من أهل الجنة لتظلهم السحابة فتقول : ما أمْطِرُكُم . قال : فما يدعو داع من {[25813]} القوم بشيء إلا أمطرتهم ، حتى إن القائل منهم ليقول : أمطرينا كواعب أترابا .

رواه ابن جرير ، عن الحسن بن عرفة ، به .

ولهذا قال تعالى : { ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ } أي : الفوز العظيم ، والنعمة التامة السابغة الشاملة العامة .


[25812]:- (1) في ت: "روى الحسن بن عرفة بسنده".
[25813]:- (2) في أ: "في".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{تَرَى ٱلظَّـٰلِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعُۢ بِهِمۡۗ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فِي رَوۡضَاتِ ٱلۡجَنَّاتِۖ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمۡۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ} (22)

القول في تأويل قوله تعالى : { تَرَى الظّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنّاتِ لَهُمْ مّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ترى يا محمد الكافرين بالله يوم القيامة مُشْفِقِينَ مِمّا كَسَبُوا يقول : وَجِلِين خائفين من عقاب الله على ما كسبوا في الدنيا من أعمالهم الخبيثة . وَهُوَ وَاقِعٌ بهِمْ يقول : والذين هم مشفقون منه من عذاب الله نازل بهم ، وهم ذائقوه لا محالة .

وقوله : وَالّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فِي رَوْضَاتِ الجَنّاتِ يقول تعالى ذكره : والذين آمنوا بالله وأطاعوه فيما أمر ونهى في الدنيا في روضات البساتين في الاَخرة . ويعني بالروضات : جمع روضة ، وهي المكان الذي يكثر نبته ، ولا تقول العرب لمواضع الأشجار رياض ومنه قول أبي النجم .

والنّغضَ مِثْلَ الأجْرَبِ المُدّجّلِ *** حَدَائِقَ الرّوْضِ التي لَمْ تُحْلَلِ

يعني بالروض : جمع روضة . وإنما عنى جلّ ثناؤه بذلك : الخبر عما هم فيه من السرور والنعيم . كما :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : وَالّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فِي رَوْضَاتِ الجَنّاتِ إلى آخر الاَية . قال في رياض الجنة ونعيمها .

وقوله : لَهمْ ما يَشاءُونَ عِنْدَ رَبّهِمْ يقول للذين آمنوا وعملوا الصالحات عند ربهم في الاَخرة ما تشتهيه أنفسهم ، وتلذّه أعينهم ، ذلك هو الفضل الكبير ، يقول تعالى ذكره : هذا الذي أعطاهم الله من هذا النعيم ، وهذه الكرامة في الاَخرة : هو الفضل من الله عليهم ، الكبير الذي يفضل كلّ نعيم وكرامة في الدنيا من بعض أهلها على بعض .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{تَرَى ٱلظَّـٰلِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعُۢ بِهِمۡۗ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فِي رَوۡضَاتِ ٱلۡجَنَّاتِۖ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمۡۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ} (22)

وقوله : { ترى الظالمين } هي رؤية بصر ، و { الظالمين } مفعول ، و : { مشفقين } حال وليس لهم في هذا الإشفاق مدح ، لأنهم إنما أشفقوا حين نزل بهم ووقع ، وليسوا كالمؤمنين الذين هم في الدنيا مشفقون من الساعة كما تقدم .

وقوله تعالى : { وهو واقع بهم } جملة في موضع الحال . والروضات : المواضع المؤنقة النظرة ، وهي مرتفعة في الأغلب من الاستعمال ، وهي الممدوحة عند العرب وغيرهم ، ومن ذلك قوله تعالى { كمثل جنة بربوة }{[10129]} ومن ذلك تفضيلهم روضات الحزن{[10130]} لجودة هوائها . قال الطبري : ولا تقول العرب لموضع الأشجار رياض .


[10129]:من الآية (265) من سورة (البقرة).
[10130]:الحزن: ما غلط من الأرض، وقال الأصمعي: الحزن: الجبال الغليظة، والمراد بالغلطة الخشونة.