اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{تَرَى ٱلظَّـٰلِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعُۢ بِهِمۡۗ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ فِي رَوۡضَاتِ ٱلۡجَنَّاتِۖ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمۡۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ} (22)

ثم إنه تعالى ذكر أحوال أهل العقاب وأحوال أهل الثواب . أما الأول فهو قوله : { تَرَى الظالمين مُشْفِقِينَ } أي ترى المشركين يوم القيامة خائفين وجَِلِينَ «مِمَّا كَسَبُوا » من السيئات ، { وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ } أي جزاء كسبهم واقع سواء أشفقوا أو لم يشفقوا .

وأم الثاني وهو أحوال أهل الثواب فهو قوله : { والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فِي رَوْضَاتِ الجنات } قال أبو حيان : اللغة الكثيرة تسكين واو «رَوْضَات » ، ولغة هذيل{[49216]} فتح الواو إجراء لها مُجْرَى{[49217]} الصحيح نحو : جَفَنَات{[49218]} . ولم يقرأ أحد فيما علمناه بلغتهم{[49219]} . قال شهاب الدين : إن عنى لم يقرأ أحد بلغتهم في هذا الباب من حيث هو فليس كذلك ؛ لما تقدم في سورة النور أن الأعمش قرأ : «ثَلاَثُ عَوَرَاتٍ » بفتح الواو وإن عَنَى أنه لم يقرأ في روضات بخصوصها فقريب ، لكن ليس هو ظاهر عادته{[49220]} .

فصل

اعلم أن روضة الجنة أطيب بقعةٍ{[49221]} فيها ، وفيه تنبيه على أن الفسَّاق من أهل الصلاة كلهم من أهل الجنة ؛ لأنه خص الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأنهم في روضات الجنَّات ، وهي البقاع الشَّريفة كالبقاع التي دون تلك الروضات ، لا بد وأن تكون مخصوصة بمن كانوا دون الذين آمنوا وعملوا الصالحات .

ثم قال : { لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ } وهذا يدل على أن تلك الأشياء حاضرة عنده مهيَّأة{[49222]} . والعندية مجاز و«عِنْدَ رَبِّهِمْ » يجوز أن يكون ظرفاً «لِيَشَاءُونَ » . قاله الحوفي{[49223]} ، أو للاستقرار العامل في «لهم » قال الزمخشري{[49224]} . ثم قال : { ذَلِكَ هُوَ الفضل الكبير } وهذا يدل على أنَّ الجزاء المرتب على العمل إنما حصل بطريق الفضل من الله تعالى لا بطريق الوجوب والاستحقاق .

/خ23


[49216]:هو هذيل بن مدركة كما قال أبو حيان في البحر 7/515.
[49217]:في البحر: إجراء للمعتل مجرى.
[49218]:في النسختين حصيات وفي البحر والسمين جفنات وهو المراد.
[49219]:وانظر البحر 7/515.
[49220]:الدر المصون 4/752 وهو بالمعنى منه.
[49221]:في ب قطعة.
[49222]:والنظر الرازي 27/163.
[49223]:نقله عنه أبو حيان في البحر 7/515. وقد رفض الزمخشري هذا الرأي.
[49224]:منصوب بالظرف لا بيشاؤون. الكشاف 3/466.