تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنۡ هِيَ إِلَّآ أَسۡمَآءٞ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى ٱلۡأَنفُسُۖ وَلَقَدۡ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلۡهُدَىٰٓ} (23)

وقوله : { إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ } أي : من حجة وبرهان على صحة مذهبكم ، وكل أمر ما أنزل الله به من سلطان ، فهو باطل فاسد ، لا يتخذ دينا ، وهم -في أنفسهم- ليسوا بمتبعين لبرهان ، يتيقنون به ما ذهبوا إليه ، وإنما دلهم على قولهم ، الظن الفاسد ، والجهل الكاسد ، وما تهواه أنفسهم من الشرك ، والبدع الموافقة لأهويتهم ، والحال أنه لا موجب لهم يقتضي اتباعهم الظن ، من فقد العلم والهدى ، ولهذا قال تعالى : { وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى } أي : الذي يرشدهم في باب التوحيد والنبوة ، وجميع المطالب التي يحتاج إليها العباد ، فكلها قد بينها الله أكمل بيان وأوضحه ، وأدله على المقصود ، وأقام عليه من الأدلة والبراهين ، ما يوجب لهم ولغيرهم اتباعه ، فلم يبق لأحد عذر ولا حجة من بعد البيان والبرهان ، وإذا كان ما هم عليه ، غايته اتباع الظن ، ونهايته الشقاء الأبدي والعذاب السرمدي ، فالبقاء على هذه الحال ، من أسفه السفه ، وأظلم الظلم ، ومع ذلك يتمنون الأماني ، ويغترون بأنفسهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنۡ هِيَ إِلَّآ أَسۡمَآءٞ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى ٱلۡأَنفُسُۖ وَلَقَدۡ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلۡهُدَىٰٓ} (23)

والمسألة كلها وهم لا أساس له من العلم ولا من الواقع . ولا حجة فيها ولا دليل :

( إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان . إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس . ولقد جاءهم من ربهم الهدى ) !

هذه الأسماء . اللات . العزى . مناة . . وغيرها . وتسميتها آلهة وتسميتها ملائكة . وتسمية الملائكة إناثا . وتسمية الإناث بنات الله . . . كلها أسماء لا مدلول لها ، ولا حقيقة وراءها . ولم يجعل الله لكم حجة فيها . وكل ما لم يقرره الله فلا قوة فيه ولا سلطان له . لأنه لا حقيقة له . وللحقيقة ثقل . وللحقيقة قوة . وللحقيقة سلطان فأما الأباطيل فهي خفيفة لا وزن لها . ضعيفة لا قوة لها . مهينة لا سلطان فيها .

وفي منتصف الآية يتركهم وأوهامهم وأساطيرهم ، ويترك خطابهم ، ويلتفت عنهم كأنهم لا وجود لهم ، ويتحدث عنهم بصيغة الغائب : ( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ) . . فلا حجة ولا علم ولا يقين . إنما هو الظن يقيمون عليه العقيدة ، والهوى يستمدون منه الدليل . والعقيدة لا مجال فيها للظن والهوى ؛ ولا بد فيها من اليقين القاطع والتجرد من الهوى والغرض . . وهم لم يتبعوا الظن والهوى ولهم عذر أو علة : ( ولقد جاءهم من ربهم الهدى ) . . فانقطع العذر وبطل التعلل !

ومتى انتهى الأمر إلى شهوة النفس وهواها فلن يستقيم أمر ، ولن يجدي هدى ؛ لأن العلة هنا ليست خفاء الحق ، ولا ضعف الدليل . إنما هي الهوى الجامح الذي يريد ، ثم يبحث بعد ذلك عن مبرر لما يريد ! وهي شر حالة تصاب بها النفس فلا ينفعها الهدى ، ولا يقنعها الدليل !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنۡ هِيَ إِلَّآ أَسۡمَآءٞ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى ٱلۡأَنفُسُۖ وَلَقَدۡ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلۡهُدَىٰٓ} (23)

ثم قال منكرا عليهم فيما ابتدعوه وأحدثوه من الكذب والافتراء والكفر ، من عبادة الأصنام وتسميتها آلهة : { إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ } أي : من تلقاء أنفسكم { مَا أَنزلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ } أي : من حجة ، { إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأنْفُسُ } أي : ليس لهم مستند إلا حسن ظنهم بآبائهم الذين سلكوا هذا المسلك الباطل قبلهم ، وإلا حظ نفوسهم في رياستهم وتعظيم آبائهم الأقدمين ، { وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى } أي : ولقد أرسل الله إليهم الرسل بالحق المنير والحجة القاطعة ، ومع هذا ما اتبعوا ما جاؤوهم به ، ولا انقادوا له .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنۡ هِيَ إِلَّآ أَسۡمَآءٞ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى ٱلۡأَنفُسُۖ وَلَقَدۡ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلۡهُدَىٰٓ} (23)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنْ هِيَ إِلاّ أَسْمَآءٌ سَمّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مّآ أَنَزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتّبِعُونَ إِلاّ الظّنّ وَمَا تَهْوَى الأنفُسُ وَلَقَدْ جَآءَهُم مّن رّبّهِمُ الْهُدَىَ } .

يقول تعالى ذكره : ما هذه الأسماء التي سميتموها وهي اللات والعزّى ومناة الثالثة الأخرى ، إلاأسماء سميتموها أنتم وآباؤكم أيها المشركون بالله ، وآباؤكم من قبلكم ، ما أنزل الله بها ، يعني بهذه الأسماء ، يقول : لم يبح الله ذلك لكم ، ولا أذن لكم به . كما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : مِنْ سُلْطانٍ . . . إلى آخر الاَية .

وقوله : إنْ يَتّبِعُونَ إلاّ الظّنّ يقول تعالى ذكره : ما يتبع هؤلاء المشركون في هذه الأسماء التي سموا بها آلهتهم إلا الظنّ بأنّ ما يقولون حقّ لا اليقين وَما تَهْوَى الأنْفُسُ يقول : وهوى أنفسهم ، لأنهم لم يأخذوا ذلك عن وحي جاءهم من الله ، ولا عن رسول الله أخبرهم به ، وإنما اختراق من قِبل أنفسهم ، أو أخذوه عن آبائهم الذين كانوا من الكفر بالله على مثل ما هم عليه منه .

وقوله : وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبّهِمْ الهُدَى يقول : ولقد جاء هؤلاء المشركين بالله من ربهم البيان مما هم منه على غير يقين ، وذلك تسميتهم اللات والعزّى ومناة الثالثة بهذه الأسماء وعبادتهم إياها . يقول : لقد جاءهم من ربهم الهدى في ذلك ، والبيان بالوحي الذي أوحيناه إلى محمد صلى الله عليه وسلم أن عبادتها لا تنبغي ، وأنه لا تصلح العبادة إلا لله الواحد القهار . وقال ابن زيد في ذلك ما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبّهِمُ الهُدَى فما انتفعوا به .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنۡ هِيَ إِلَّآ أَسۡمَآءٞ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى ٱلۡأَنفُسُۖ وَلَقَدۡ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلۡهُدَىٰٓ} (23)

ثم قال تعالى : { إن هي إلا أسماء } يعني أن هذه الأوصاف من أنها إناث وأنها تعبد آلهة ونحو هذا إلا أسماء ، أي تسميات اخترعتموها { أنتم وآباؤكم } لا حقيقة لها ولا أنزل الله تعالى بها برهاناً ولا حجة ، وقرأ عيسى بن عمر : «سلُطان » بضم اللام ، وقرأ هو وابن مسعود وابن عباس وابن وثاب وطلحة والأعمش «إن تتبعون » بالتاء على المخاطبة ، وقرأ أبو عمرو وعاصم ونافع والأعمش أيضاً والجمهور : «يتبعون » بالياء على الحكاية عن الغائب و { الظن } : ميل النفس إلى أحد معتقدين متخالفين دون أن يكون ميلها بحجة ولا برهان وهوى الأنفس : هو إرادتها الملذة لها وإنما تجد هوى النفس أبداً فيترك الأفضل ، لأنها مجبولة بطبعها على حب الملذ ، وإنما يردعها ويسوقها إلى حسن العاقبة العقل والشرع .

وقوله تعالى : { ولقد جاءهم من ربهم الهدى } اعتراض بين الكلام فيه توبيخ لهم ، لأن سرد القول إنما هو يتبعون ولا { الظن وما تهوى الأنفس } .