تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلۡعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتۡ بَيۡتٗاۖ وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُيُوتِ لَبَيۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (41)

هذا مثل ضربه اللّه لمن عبد معه غيره ، يقصد به التعزز والتَّقَوِّي والنفع ، وأن الأمر بخلاف مقصوده ، فإن مثله كمثل العنكبوت ، اتخذت بيتا يقيها من الحر والبرد والآفات ، { وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ } أضعفها وأوهاها { لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ } فالعنكبوت من الحيوانات الضعيفة ، وبيتها من أضعف البيوت ، فما ازدادت باتخاذه إلا ضعفا ، كذلك هؤلاء الذين يتخذون من دونه أولياء ، فقراء عاجزون من جميع الوجوه ، وحين اتخذوا الأولياء من دونه يتعززون بهم ويستنصرونهم ، ازدادوا ضعفا إلى ضعفهم ، ووهنا إلى وهنهم .

فإنهم اتكلوا عليهم في كثير من مصالحهم ، وألقوها عليهم ، وتخلوا هم عنها ، على أن أولئك سيقومون بها ، فخذلوهم ، فلم يحصلوا منهم على طائل ، ولا أنالوهم من معونتهم أقل نائل .

فلو كانوا يعلمون حقيقة العلم ، حالهم وحال من اتخذوهم ، لم يتخذوهم ، ولتبرأوا منهم ، ولتولوا الرب القادر الرحيم ، الذي إذا تولاه عبده وتوكل عليه ، كفاه مئونة دينه ودنياه ، وازداد قوة إلى قوته ، في قلبه وفي بدنه وحاله وأعماله .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلۡعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتۡ بَيۡتٗاۖ وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُيُوتِ لَبَيۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (41)

14

والآن . وعلى مصارع العتاة البغاة من الكفرة والظلمة والفسقة على مدار القرون . . والآن . وبعد الحديث في مطالع السورة عن الفتنة والابتلاء والإغراء . . الآن يضرب المثل لحقيقة القوى المتصارعة في هذا المجال . . إن هنالك قوة واحدة هي قوة الله . وما عداها من قوة الخلق فهو هزيل واهن ، من تعلق به أو احتمى ، فهو كالعنكبوت الضعيفة تحتمي ببيت من خيوط واهية . فهي وما تحتمي به سواء :

مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا ، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون . إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شئ وهوالعزيز الحكيم . وتلك الأمثال نضربها للناس ، وما يعقلها إلا العالمون . .

إنه تصوير عجيب صادق لحقيقة القوى في هذا الوجود . الحقيقة التي يغفل عنها الناس أحيانا ، فيسوء تقديرهم لجميع القيم ، ويفسد تصورهم لجميع الارتباطات ، وتختل في أيديهم جميع الموازين . ولا يعرفون إلى أين يتوجهون . ماذا يأخذون وماذا يدعون ?

وعندئذ تخدعهم قوة الحكم والسلطان يحسبونها القوة القادرة التي تعمل في هذه الأرض ، فيتوجهون إليها بمخاوفهم ورغائبهم ، ويخشونها ويفزعون منها ، ويترضونها ليكفوا عن أنفسهم أذاها ، أو يضمنوا لأنفسهم حماها !

وتخدعهم قوة المال ، يحسبونها القوة المسيطرة على أقدار الناس وأقدار الحياة . ويتقدمون إليها في رغب وفي رهب ؛ ويسعون للحصول عليها ليستطيلوا بها ويتسلطوا على الرقاب كما يحسبون !

وتخدعهم قوة العلم يحسبونها أصل القوة وأصل المال ، وأصل سائر القوى التي يصول بها من يملكها ويجول ، ويتقدمون إليها خاشعين كأنهم عباد في المحاريب !

وتخدعهم هذه القوى الظاهرة . تخدعهم في أيدي الأفراد وفي أيدي الجماعات وفي أيدي الدول ، فيدورون حولها ، ويتهافتون عليها ، كما يدور الفراش على المصباح ، وكما يتهافت الفراش على النار !

وينسون القوة الوحيدة التي تخلق سائر القوى الصغيرة ، وتملكها ، وتمنحها ، وتوجهها ، وتسخرها كما تريد ، حيثما تريد . وينسون أن الالتجاء إلى تلك القوى سواء كانت في أيدي الأفراد ، أو الجماعات ، أو الدول . . كالتجاء العنكبوت إلى بيت العنكبوت . . . حشرة ضعيفة رخوة واهنة لا حماية لها من تكوينها الرخو ، ولا وقاية لها من بيتها الواهن .

وليس هنالك إلا حماية الله ، وإلا حماه ، وإلا ركنه القوي الركين .

هذه الحقيقة الضخمة هي التي عني القرآن بتقريرها في نفوس الفئة المؤمنة ، فكانت بها أقوى من جميع القوى التي وقفت في طريقها ؛ وداست بها على كبرياء الجبابرة في الأرض ودكت بها المعاقل والحصون .

لقد استقرت هذه الحقيقة الضخمة في كل نفس ، وعمرت كل قلب ، واختلطت بالدم ، وجرت معه في العروق ، ولم تعد كملة تقال باللسان ، ولا قضية تحتاج إلى جدل . بل بديهة مستقرة في النفس ، لا يجول غيرها في حس ولا خيال .

قوة الله وحدها هي القوة . وولاية الله وحدها هي الولاية . وما عداها فهو واهن ضئيل هزيل ؛ مهما علا واستطال ، ومهما تجبر وطغى ، ومهما ملك من وسائل البطش والطغيان والتنكيل .

إنها العنكبوت : وما تملك من القوى ليست سوى خيوط العنكبوت : ( وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ) .

وإن أصحاب الدعوات الذين يتعرضون للفتنة والأذى ، وللإغراء والإغواء . لجديرون أن يقفوا أمام هذه الحقيقة الضخمة ولا ينسوها لحظة ، وهم يواجهون القوى المختلفة . هذه تضر بهم وتحاول أن تسحقهم . وهذه تستهويهم وتحاول أن تشتريهم . . وكلها خيوط العنكبوت في حساب الله ، وفي حساب العقيدة حين تصح العقيدة ، وحين تعرف حقيقة القوى وتحسن التقويم والتقدير .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلۡعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتۡ بَيۡتٗاۖ وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُيُوتِ لَبَيۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (41)

هذا مثل ضربه الله تعالى للمشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله ، يرجون نصرهم ورزقهم ، ويتمسكون بهم في الشدائد ، فهم في ذلك كبيت العنكبوت في ضعفه ووهنه{[22591]} فليس في أيدي هؤلاء من آلهتهم إلا كمَنْ يتمسك ببيت العنكبوت ، فإنه لا يجدي عنه شيئا ، فلو عَلموا هذا الحال لما اتخذوا من دون الله أولياء ، وهذا بخلاف المسلم المؤمن قلبه لله ، وهو مع ذلك يحسن العمل في اتباع الشرع فإنه مستمسك{[22592]} بالعروة الوثقى لا انفصام لها ، لقوتها وثباتها .

ثم قال تعالى متوعدا لِمَنْ عبد غيره وأشرك به : إنه تعالى يعلم ما هم عليه من الأعمال ، ويعلم ما يشركون به من الأنداد ، وسيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم .


[22591]:- في ت : "وذهابه".
[22592]:- في ف : "متمسك".