تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَكَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَمَا بَلَغُواْ مِعۡشَارَ مَآ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ فَكَذَّبُواْ رُسُلِيۖ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ} (45)

ثم خوفهم ما فعل بالأمم المكذبين [ قبلهم ] فقال : { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا } أي : ما بلغ هؤلاء المخاطبون { مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ } { فَكَذَّبُوا } أي : الأمم الذين من قبلهم { رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } أي : إنكاري عليهم ، وعقوبتي إياهم . قد أعلمنا ما فعل بهم من النكال ، وأن منهم من أغرقه ، ومنهم من أهلكه بالريح العقيم ، وبالصيحة ، وبالرجفة ، وبالخسف بالأرض ، وبإرسال الحاصب من السماء ، فاحذروا يا هؤلاء المكذبون ، أن تدوموا على التكذيب ، فيأخذكم كما أخذ من قبلكم ، ويصيبكم ما أصابهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَكَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَمَا بَلَغُواْ مِعۡشَارَ مَآ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ فَكَذَّبُواْ رُسُلِيۖ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ} (45)

43

ويلمس قلوبهم بتذكيرهم بمصارع الذين كذبوا من قبل . وهم لم يؤتوا معشار ما أوتي أولئك الغابرون . من علم ، ومن مال ، ومن قوة ، ومن تعمير . . فلما كذبوا الرسل أخذهم النكير . أي الهجوم المدوي المنكر الشديد :

( وكذب الذين من قبلهم - وما بلغوا معشار ما آتيناهم - فكذبوا رسلي . فكيف كان نكير ? ) . .

ولقد كان النكير عليهم مدمراً مهلكاً . وكانت قريش تعرف مصارع بعضهم في الجزيرة . فهذا التذكير يكفي . وهذا السؤال التهكمي ( فكيف كان نكير ? )سؤال موح يلمس قلوب المخاطبين . وهم يعرفون كيف كان ذلك النكير !

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَكَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَمَا بَلَغُواْ مِعۡشَارَ مَآ ءَاتَيۡنَٰهُمۡ فَكَذَّبُواْ رُسُلِيۖ فَكَيۡفَ كَانَ نَكِيرِ} (45)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وكذب الذين من قبلهم} يعني الأمم الخالية كذبوا رسلهم قبل كفار مكة.

{وما بلغوا معشار ما آتيناهم} وما بلغ كفار مكة عشر الذي أعطينا الأمم الخالية من الأموال والعدة والعمر والقوة.

{فكذبوا رسلي} فأهلكناهم بالعذاب في الدنيا حين كذبوا الرسل.

{فكيف كان نكير} آية تغييري الشر، فاحذروا يا أهل مكة مثل عذاب الأمم الخالية.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"وكَذّبَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ": وكذّب الذين من قبلهم من الأمم رسلنا وتنزيلنا.

"وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ": ولم يبلغ قومك يا محمد عُشْر ما أعطينا الذين من قبلهم من الأمم من القوّة والأيدي والبطْش، وغير ذلك من النعم. "فَكَذّبوا رسلي فكَيْفَ كانَ نَكِيرِ "يقول: فكذّبوا رسلي فيما أتوهم به من رسالتي، فعاقبناهم بتغييرنا بهم ما كنا آتيناهم من النعم، فانظر يا محمد كيف كان نكير. يقول: كيف كان تغييري بهم وعقوبتي.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يُذكّر رسوله، ويصبّره على تكذيب أولئك له، قد كذّب الذين كانوا من قبلهم رسلهم، لست أنت بأول مُكذَّب بل كُذّب إخوانك من قبل.

لم يبلغ هؤلاء الذين كذّبوك عُشر أولئك في القوة والغنى والفضل والعلم والأتباع والأعوان وغير ذلك، مع ما كانوا كذلك لم يقولوا في دفع العذاب الذي نزل بهم بالتكذيب عن أنفسهم.

فقومك الذين هم دون أولئك بما ذُكروا أحق ألا يقوموا لدفع العذاب عن أنفسهم إذا نزل بهم بالتكذيب، قال أبو عوسجة: نكيري عقوبتي. وقال القتبيّ: أي إنكاري.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت: فما معنى {فَكَذَّبُواْ رُسُلِي} وهو مستغنى عنه بقوله: {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ}؟

قلت: لما كان معنى {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ}: وفعل الذين من قبلهم التكذيب، وأقدموا عليه: جعل تكذيب الرسل مسبباً عنه ونظيره أن يقول القائل: أقدم فلان على الكفر فكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم.

ويجوز أن ينعطف على قوله: وما بلغوا، كقولك: ما بلغ زيد معشار فضل عمرو فتفضل عليه.

{فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي للمكذبين الأوّلين، فليحذروا من مثله...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما نفى موجب الطعن، ذكر المانع الموجب للإذعان فقال: {وكذب} أي فعلوا ما فعلوا، والحال أنه قد كذب {الذين من قبلهم} أي من قوم نوح ومن بعدهم بادروا إلى ما بادر إليه هؤلاء، لأن التكذيب كان في طباعهم لما عندهم من الجلافة والكبر.

{فكذبوا} أي بسبب ما طبعوا عليه من العناد، وأفرد الضمير كما هو حقه ونصاً على أن النون فيما مضى للعظمة لا للجمع دفعاً لتعنت متعنت فقال: {رسلي}.

ولما كان اجتراؤهم على الرسل سبب إهلاكهم على أوجه عجيبة، صارت مثلاً مضروباً باقياً ذكره إلى يوم القيامة ولم يغن عنهم في دفع النقم ما بسط لهم من النعم، كان موضع أن يقال لرائيه أو لسامعه:

{فكيف كان نكير} أي فيما كان له من الشدة التي هي كالجبلة أي إنكاري على المكذبين لرسلي، ليكون السؤال تنبيهاً لهذا المسؤول وداعياً له إلى الإذعان خوفاً من أن يحل به ما حل بهم أن فعل مثل فعلهم سواء كان الإنكار في أدنى الوجوه، كما أوقعناه سبباً من تعطيل الأسباب، أو أعلاها كما أنزلناه بقوم نوح عليه السلام ومن شاكلهم وصب العذاب والاستئصال الوحيّ بالمصاب على ما أشارت إليه قراءتا حذف الياء وإثباتها.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

النكير: أي الهجوم المدوي المنكر الشديد.

ولقد كان النكير عليهم مدمراً مهلكاً، وكانت قريش تعرف مصارع بعضهم في الجزيرة، فهذا التذكير يكفي، وهذا السؤال التهكمي (فكيف كان نكير؟) سؤال موح يلمس قلوب المخاطبين، وهم يعرفون كيف كان ذلك النكير!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

هذا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتهديد للذين كذّبوه؛ فالتسلية في أن له أسوة بالرسل السابقين، والتهديد بتذكيرهم بالأمم السالفة التي كذَّبتْ رُسلَها وكيف عاقبهم الله على ذلك.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

المعنى: أن ما قالوه في رسول الله، وفيما جاء به من الهدى تكذيب كما كذَّب السابقون، فهو سنة مُتبعة وطبيعة في المرسَل إليهم حين يأتي دين جديد ليُخرجهم عن طغيانهم واستبدادهم ويقضي على سيادتهم واستعبادهم للناس؛ لذلك لا بُدَّ أن يصادموا الدين ويُكذِّبوا الرسل، لتظلَّ لهم وسائل الطغيان ووسائل الفساد.

فمعنى {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ} الأمم السابقة الذين كذبوا إخوانك الرسل السابقين، فلستَ يا محمد بدْعاً في ذلك.

{وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ آتَيْنَاهُمْ} يعني: الأمم السابقة التي كذَّبت رسلها ما بلغتْ في الرسالة وفي المنهج والحجة والبينة معشار ما آتيناك؛ ذلك لأن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بالدين الوافي والمنهج الكامل الذي لا يمكن الاستدراك عليه.

أو: أن المعنى {وَمَا بَلَغُواْ} أي: كفار مكة الذين كذَّبوا رسول الله {مِعْشَارَ مَآ آتَيْنَاهُمْ} يعني: ما آتينا الأمم السابقة من القوة، فالذين كذَّبوا الرسل من الأمم السابقة كانوا أكثر قوة، وأكثر نفوذاً، وأكثر حضارة من كفار مكة، وأين هم من عاد وثمود وفرعون؟...

فأين قوة كفار قريش من قوة هؤلاء الذين يُضرب بهم المثل في: القوة، والبطش، والجبروت، والطغيان؟ ومع ذلك أصابهم من بأس الله ما أصابهم.

والمعشار أكثر من العشير، والعشير أكثر من العُشْر، فإذا أردتَ العشرات تقول عُشر، وإذا أردت المئات تقول عَشِير، وإذا أردتَ الآلاف تقول معشار.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

لا السنّة الإلهيّة قابلة للتغيير، ولا أنتم أقوى منهم!