{ وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ } فإن الله على كل شيء قدير فلا يفوته هارب ولا يغالبه مغالب . { وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } وأي ضلال أبلغ من ضلال من نادته الرسل ووصلت إليه النذر بالآيات البينات ، والحجج المتواترات فأعرض واستكبر ؟ "
ويروي ابن إسحاق أن مقالة الجن انتهت عند هذه الآية . ولكن السياق يوحي بأن الآيتين التاليتين هما من مقولات النفر أيضا . ونحن نرجح هذا وبخاصة الآية التالية :
( ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض ، وليس له من دونه أولياء . أولئك في ضلال مبين ) . .
فهي تكملة طبيعية لنذارة النفر لقومهم فقد دعوهم إلى الاستجابة والإيمان . فالاحتمال قوي وراجح أن يبينوا لهم أن عدم الاستجابة وخيم العاقبة . وأن الذي لا يستجيب لا يعجز الله أن يأتي به ويوقع عليه الجزاء . ويذيقه العذاب الأليم ؛ فلا يجد له من دون الله أولياء ينصرونه أو يعينونه . وأن هؤلاء المعرضين ضالون ضلالا بينا عن الصراط المستقيم .
وكذلك الآية التي بعدها يحتمل كثيرا أن تكون من كلامهم ، تعجيبا من أولئك الذين لا يستجيبون لله ؛ حاسبين أنهم سيفلتون ، أو أنه ليس هناك حساب ولا جزاء :
وقوله : وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأرْضِ يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء النفر لقومهم : ومن لا يجب أيّها القوم رسول الله صلى الله عليه وسلم محمدا ، وداعيه إلى ما بعثه بالدعاء إليه من توحيده ، والعمل بطاعته فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأرْضِ يقول : فليس بمعجز ربه بهربه ، إذا أراد عقوبته على تكذيبه داعيه ، وتركه تصديقه وإن ذهب في الأرض هاربا ، لأنه حيث كان فهو في سلطانه وقبضته وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أوْلِياءُ يقول : وليس لمن لم يجب داعي الله من دون ربه نُصراء ينصرونه من الله إذا عاقبه ربه على كفره به وتكذيبه داعيه .
وقوله : أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يقول : هؤلاء الذين لم يجيبوا داعي الله فيصدّقوا به ، وبما دعاهم إليه من توحيد الله ، والعمل بطاعته في جور عن قصد السبيل ، وأخذ على غير استقامة ، مبين : يقول : يبين لمن تأمله أنه ضلال ، وأخذ على غير قصد .
وقوله تعالى : { ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز } الآية ، يحتمل أن يكون من كلام المنذرين ، ويحتمل أن يكون من كلام الله تعالى لمحمد عليه السلام ، والمراد بها إسماع الكفار وتعلق اللفظ إلى هذا المعنى من قول الجن : { أجيبوا داعي الله } فلما حكى ذلك قيل ومن لا يفعل هذا فهو بحال كذا ، والمعجز الذاهب في الأرض الذي يبدي عجز طالبه ولا يقدر عليه ، وروي عن ابن عامر : «وليس لهم من دونه » بزيادة ميم .
معنى { فليس بمُعْجِزِ في الأرض } أنه لا ينجو من عقاب الله على عدم إجابته داعيه ، فمفعول { معجز } مقدر دلّ عليه المضاف إليه في قوله : { داعي الله } أي فليس بمعجز الله ، وقال في سورة الجن ( 12 ) { أن لن نُعْجِز الله في الأرض ولن نُعْجِزه هرباً } وهو نفي لأن يكون يعجز طالبه ، أي ناجياً من قدرة الله عليه . والكلام كناية عن المؤاخذة بالعقاب .
والمقصود من قوله : { في الأرض } تعميم الجهات فجرى على أسلوب استعمال الكلام العربي وإلا فإن مكان الجن غير معيّن . و { ليس له من دونه أولياء } ، أي لا نَصير ينصره على الله ويحميه منه ، فهو نفي أن يكون له سبيل إلى النجاة بالاستعصام بمكان لا تبلغ إليه قدرة الله ، ولا بالاحتماء بمن يستطيع حمايته من عقاب الله . وذكر هذا تعريض للمشركين .
واسم الإشارة في { أولئك في ضلال مبين } للتنبيه على أن مَن هذه حالهم جديرون بما يرد بعد اسم الإشارة من الحكم لتسبب ما قبل اسم الإشارة فيه كما في قوله : { أولئك على هدى من ربهم } [ لقمان : 5 ] . والظرفية المستفادة من { في ضلال مبين } مجازية لإفادة قوة تلبسهم بالضلال حتى كأنهم في وعاء هو الضلال . والمبين : الواضح ، لأنه ضلال قامت الحجج والأدلة على أنه باطل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.