تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{وَمَن لَّا يُجِبۡ دَاعِيَ ٱللَّهِ فَلَيۡسَ بِمُعۡجِزٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَيۡسَ لَهُۥ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءُۚ أُوْلَـٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ} (32)

{ ومن لا يجب داعي الله } يعني محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان { فليس بمعجز في الأرض } يقول فليس بسابق الله فيقول هربا في الأرض حتى يجزيه بعمله الخبيث { وليس له من دونه أولياء } يعني ليس له أقرباء يمنعونه من الله ، عز وجل { أولئك } الذين لا يجيبون إلى الإيمان . { في ضلال مبين } آية يعني بين هذا قول الجن التسعة فأقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من الذين أنذروا مع التسعة تكلمه سبعين رجلا من الجن من العام المقبل فلقوا النبي صلى الله عليه وسلم بالبطحاء ، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن وأمرهم ونهاهم ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليل قبل أن يلقاهم لأصحابه :" ليقم معي منكم رجل ليس في قلبه مثقال حبة خردل من شك" فقام عبد الله بن مسعود ومعه إداوة فيها نبيذ ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لابن مسعود :" قم مكانك" ، وخط النبي صلى الله عليه وسلم خطا ، وقال :" لا تبرح حتى أرجع إليك إن شاء الله ، ثم قال : إن سمعت صوتا أو جلبة أو شيئا يفزعك فلا تخرج من مكانك" فوقف عبد الله حتى أصبح ، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم الشعب ، وقال له :" لا تخرج من الخط فإن أنت خرجت اختطفت الليلة" ، وأنطلق النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ عليهم القرآن ويعلمهم ويؤدبهم واختصم رجلا منهم في دم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفعوا أصواتهم فسمع ابن مسعود الصوت فقال : والله لآتينه فلعل كفار قريش أن يكونوا مكروا به فلما أراد الخروج من الخط ذكر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يخرج ووقف عبد الله حتى أصبح ، والنبي صلى الله عليه وسلم في الشعب يعلمهم ويؤدبهم حتى أصبح فانصرف الجن وأتى النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود فقال عبد الله : يا نبي الله ، ما زلت قائما حتى رجعت إلي ، وقد سمعت أصواتا مرتفعة حتى هممت بالخروج فذكرت قولك فأقمت .

فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" اختصموا في قتلى لهم كانوا أصابوها في الجاهلية فقضيت بينهم ، ثم قال : أمعك طهورا ؟" قال : نعم ، نبيذ في إداوة ، فقال :" ثمرة طيبة وماء طهور عذب ، صب علي" فصب عليه ابن مسعود ، فتوضأ منه النبي صلى الله عليه وسلم فلما أراد أن يصليا أقبل الرجلان اللذان اختصما في الدم حتى وقفا عليه رآهما النبي صلى الله عليه وسلم ظن أنهما رجعا يختصمان في الدم ، فقال :" ما لكما ألم أقض بينكما ؟" قالا : يا رسول الله ، إنا جئنا نصلي معك ونقتدي بك فقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة ، وقام ابن مسعود والرجلان من الجن وراء النبي صلى الله عليه وسلم فصلوا معه فذلك قوله :{ أنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبد } [ الجن :19 ] من حبهم إياه ، ثم انصرفوا من عنده مؤمنين فلم يبعث الله ، عز وجل ، نبيا إلى الإنس والجن قبل محمد صلى الله عليه وسلم . فقالوا : يا رسول الله ، مر لنا برزق حتى نتزود في سفرنا ؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم فإن لكم أن يعود العظم لحما والبعر حبا هذا لكم إلى يوم القيامة فلا يحل للمسلم أن يستنجي بالعظم ولا بالبعر ، ولا بالرجيع ، يعني رجيع الدواب ، ولم يبعث الله نبيا إلى الجن والأنس قبل محمد صلى الله عليه وسلم . وقال ابن مسعود : لقد رأيت رجالا مستنكرين طولا سودا كأنهم من أزد شنوءة لو خرجت من ذلك الخط لظننت أني سأختطف .