إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَمَن لَّا يُجِبۡ دَاعِيَ ٱللَّهِ فَلَيۡسَ بِمُعۡجِزٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَيۡسَ لَهُۥ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءُۚ أُوْلَـٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ} (32)

وقولُه تعالى : { وَمَن لا يُجِبْ دَاعِيَ الله فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأرض } إيجابٌ للإجابةِ بطريقِ الترهيبِ إثرَ إيجابِها بطريقِ الترغيبِ ، وتحقيقٌ لكونهم منذرينَ . وإظهارُ دَاعي الله من غيرِ اكتفاءٍ بأحدِ الضميرينِ للمبالغةِ في الإيجابِ بزيادةِ التقريرِ وتربيةِ المهابةِ وإدخالِ الرَّوعةِ ، وتقييدُ الإعجازِ بكونِه في الأرضِ لتوسيعِ الدائرةِ أي فليسَ بمعجزٍ له تعالى بالهربِ وإن هربَ كلَّ مهربٍ من أقطارِها أو دخلَ في أعماقِها . وقولُه تعالى { وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء } بيانٌ لاستحالةِ نجاتِه بواسطةِ الغيرِ إثرَ بيانِ استحالةِ نجاتِه بنفسهِ . وجمعُ الأولياءِ باعتبارِ مَعْنى مَنْ فيكونُ من بابِ مقابلةِ الجمع بالجمعِ لانقسامِ الآحادِ إلى الآحادِ كما أنَّ الجمعَ في قولِه تعالى { أولئك } بذلكَ الاعتبارِ ، أي أولئكَ الموصوفونَ بعدِ إجابةِ داعِي الله . { فِي ضلال مُّبِينٍ } أي ظاهرٌ كونَهُ ضلالاً بحيثُ لا يَخْفى على أحدٍ حيثُ أعرضُوا عن إجابةِ مَنْ هَذا شأنُه .