تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ثُمَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُخۡزِيهِمۡ وَيَقُولُ أَيۡنَ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تُشَـٰٓقُّونَ فِيهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ إِنَّ ٱلۡخِزۡيَ ٱلۡيَوۡمَ وَٱلسُّوٓءَ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} (27)

{ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ ْ } أي : يفضحهم على رءوس الخلائق ويبين لهم كذبهم وافتراءهم على الله .

{ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ ْ } أي : تحاربون وتعادون الله وحزبه لأجلهم وتزعمون أنهم شركاء لله ، فإذا سألهم هذا السؤال لم يكن لهم جواب إلا الإقرار بضلالهم ، والاعتراف بعنادهم فيقولون { ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ْ } { قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ْ } أي : العلماء الربانيون { إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ ْ } أي : يوم القيامة { وَالسُّوءَ ْ } أي : العذاب { عَلَى الْكَافِرِينَ ْ } وفي هذا فضيلة أهل العلم ، وأنهم الناطقون بالحق في هذه الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ، وأن لقولهم اعتبارا عند الله وعند خلقه ، ثم ذكر ما يفعل بهم عند الوفاة وفي القيامة فقال : { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ْ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ثُمَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُخۡزِيهِمۡ وَيَقُولُ أَيۡنَ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تُشَـٰٓقُّونَ فِيهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ إِنَّ ٱلۡخِزۡيَ ٱلۡيَوۡمَ وَٱلسُّوٓءَ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} (27)

22

وبين الحين والحين يتلفت الناس فيذكرون ذلك المشهد المؤثر الذي رسمه القرآن الكريم : ( فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم ، وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ) .

هذا في الدنيا ، وفي واقع الأرض : ( ثم يوم القيامة يخزيهم ، ويقول : أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم ؟ ) .

ويرتسم مشهد من مشاهد القيامة يقف فيه هؤلاء المستكبرون الماكرون موقف الخزي ؛ وقد انتهى عهد الاستكبار والمكر . وجاءوا إلى صاحب الخلق والأمر ، يسألهم سؤال التبكيت والتأنيب : ( أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم ؟ ) أين شركائي الذين كنتم تخاصمون من أجلهم الرسول والمؤمنين ، وتجادلون فيهم المقرين الموحدين ؟ .

ويسكت القوم من خزي ، لتنطلق ألسنة الذين أوتوا العلم من الملائكة والرسل والمؤمنين وقد أذن الله لهم أن يكونوا في هذا اليوم متكلمين ظاهرين : ( قال الذين أوتوا العلم : إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين ) . .

( إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين ) .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ثُمَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُخۡزِيهِمۡ وَيَقُولُ أَيۡنَ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تُشَـٰٓقُّونَ فِيهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ إِنَّ ٱلۡخِزۡيَ ٱلۡيَوۡمَ وَٱلسُّوٓءَ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} (27)

القول في تأويل قوله تعالى : { ثُمّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقّونَ فِيهِمْ قَالَ الّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ إِنّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسّوَءَ عَلَى الْكَافِرِينَ } .

يقول تعالى ذكره : فعل الله بهؤلاء الذين مكروا الذين وصف الله جلّ ثناؤه أمرهم ما فعل بهم في الدنيا من تعجيل العذاب لهم والانتقام بكفرهم وجحودهم وحدانيته ، ثم هو مع ذلك يوم القيامة مخزيهم فمذلهم بعذاب أليم وقائل لهم عند ورودهم عليه : أيْنَ شُرَكائيَ الّذِينَ كُنْتُمْ تُشاقّونَ فِيهم ؟ أصله : من شاققت فلانا فهو يشاقّني ، وذلك إذا فعل كلّ واحد منهما بصاحبه ما يشقّ عليه . يقول تعالى ذكره يوم القيامة تقريعا للمشركين بعبادتهم الأصنام : أين شركائي ؟ يقول : أين الذين كنتم تزعمون في الدنيا أنهم شركائي اليوم ؟ ما لهم لا يحضرونكم فيدفعوا عنكم ما أنا محلّ بكم من العذاب ، فقد كنتم تعبدونهم في الدنيا وتتولونهم والوليّ ينصر وليه ؟ وكانت مشاقتهم الله في أوثانهم مخالفتهم إياه في عبادتهم ، كما :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : أيْنَ شُرَكائيَ الّذِينَ كُنْتُمْ تُشاقّونَ فِيهم يقول : تخالفوني .

وقوله : قالَ الّذِينَ أُتُوا العلْمَ إنّ الخِزْي اليَوْمَ والسّوءَ على الكافرِينَ يعني : الذلة والهوان ، والسّوءَ يعني : عذاب الله على الكافرين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ثُمَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُخۡزِيهِمۡ وَيَقُولُ أَيۡنَ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تُشَـٰٓقُّونَ فِيهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ إِنَّ ٱلۡخِزۡيَ ٱلۡيَوۡمَ وَٱلسُّوٓءَ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} (27)

وقوله { ثم يوم القيامة } الآية ، ذكر الله تعالى في هذه الآية المتقدمة حال هؤلاء الماكرين في الدنيا ، ثم ذكر في هذه حالهم في الآخرة وقوله { يخزيهم } لفظ يعم جميع المكاره التي تنزل بهم ، وذلك كله راجع إلى إدخالهم النار ، وهذا نظير قوله { ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته }{[7279]} [ آل عمران : 192 } . وقوله أين شركائي } توبيخ لهم وأضافهم إلى نفسه في مخاطبة الكفار أي على زعمكم ودعواكم ، قال أبو علي : وهذا كما قال الله تعالى حكاية { ذق إنك أنت العزيز الكريم }{[7280]} [ الدخان : 49 ] وكما قال { يا أيها الساحر ادع لنا ربك }{[7281]} [ الزخرف : 49 ] .

قال القاضي أبو محمد : والإضافات تترتب معقولة وملفوظاً بأَرَق سبب ، وهذا كثير في كلامهم ، ومنه قول الشاعر :

إذا قلت قدني قال تالله حلفة . . . لتغني عني ذا إنائك أجمعا{[7282]}

فأضاف الإناء إلى حابسه ، وقرأ البزي عن ابن كثير «شركاي » بقصر الشركاء ، وقرأت فرقة «شركاءي » بالمد وياء ساكنة ، و { تشاقون } معناه تحاربون وتحارجون ، أي تكون في شق والحق في شق ، وقرأ الجمهور «تشاقونَ » بفتح النون ، وقرأ نافع وحده بكسر النون ، ورويت عن الحسن بخلاف وضعف هذه القراءة أبو حاتم ، وقد تقدم القول في مثله في الحجر في { تبشرون }{[7283]} [ الحجر : 54 ] ، وقرأت فرقة «تشاقونّي » بشد النون وياء بعدها ، و { الذين أوتوا العلم } هم الملائكة فيما قال بعض المفسرين ، وقال يحيى بن سلام : هم المؤمنون وهذا الخطاب منهم يوم القيامة .

قال القاضي أبو محمد : والصواب أن يعم جميع من آتاه الله علم ذلك من جميع من حضر الموقف من ملك أو إنسي ، وغير ذلك ، وباقي الآية بين .


[7279]:من الآية (192) من سورة (آل عمران).
[7280]:الآية (49) من سورة (الدخان).
[7281]:من الآية (49) من سورة (الزخرف).
[7282]:البيت لحريث بن عناب الطائي، وهو في (الخزانة)، و في (اللسان ـ لوم)، ورواية اللسان: إذا هو آلى حلفة قلت مثلها لتغني عني ذا أتى بك أجمعا وقال: أراد: ليغنين، فأسقط النون وكسر اللام، ويروى: لتغنن. أما على رواية المؤلف والخزانة فإن قدني بمعنى: حسبي، وذا إنائك: صاحب إنائك، يريد به اللبن، والمعنى أنه حلف أن أغني عنه لبن الإناء جميعا، أي: أشربه عنه. والشاهد فيه هو إضافة الإناء إلى شاربه كما ذكر المؤلف.
[7283]:من قوله تعالى في الآية (54) من سورة (الحجر): {قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون}.