اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ثُمَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُخۡزِيهِمۡ وَيَقُولُ أَيۡنَ شُرَكَآءِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تُشَـٰٓقُّونَ فِيهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ إِنَّ ٱلۡخِزۡيَ ٱلۡيَوۡمَ وَٱلسُّوٓءَ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} (27)

ثم بين - تعالى - أن عذابهم لا يكون مقصوراً على هذه القدر ، بل الله - تعالى - يخزيهم [ يومَ ] القيامة ، و الخِزْيُ : هو العذاب مع الهوانِ ؛ فإنه يقول لهم : { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الذين كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ } .

قال أبو العبَّاس المقريزيُّ - رحمه الله- : ورد لفظ " الخِزْي " في القرآن على أربعة [ معانٍ ]{[19790]} :

الأول : بمعنى العذاب ؛ كهذه الآية ؛ وكقوله تعالى : { وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ } [ الشعراء : 87 ] أي : لا تُعذِّبني .

الثاني : بمعنى القَتْلِ ؛ قال تعالى : { فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذلك مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الحياة الدنيا } [ البقرة : 85 ] ، أي : القتلُ .

قيل : نزلت في بني قريظة ، ومثله : { ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله لَهُ فِي الدنيا خِزْيٌ } [ الحج : 9 ] أي : فضيحة . قيل : نزلت في النضر بن الحارث .

الثالث : بمعنى الهوان ، قال تعالى : { كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْىِ } [ يونس : 98 ] أي الهوان .

الرابع : بمعنى الفضيحة قال تعالى : { رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النار فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } [ آل عمران : 192 ] أي فضحته ، ومثله : { وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ } [ الشعراء : 87 ] ومثله : { وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي } [ هود : 78 ] ومثله : { أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأرض ذلك لَهُمْ خِزْيٌ } [ المائدة : 33 ] .

قوله : { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ } مبتدأ وخبر ، والعامة على " شُركَائِيَ " ممدوداً ، مهموزاً ، مفتوح الياءِ ، وفرقة كذلك تسكنها{[19791]} فتسقط وصلاً ؛ لالتقاء الساكنين ، وقرأ البزي{[19792]} - بخلاف عنه - بقصره مفتوح الياء ، وقد أنكر جماعة هذه القراءة ، وزعموا أنها غير{[19793]} مأخوذ بها ؛ لأنَّ قصر الممدود لا يجوز إلاَّ ضرورة .

وتعجب أبو شامة من أبي عمرٍو الدانيِّ ، حيث ذكرها في كتابه ؛ مع ضعفها ، وترك قراءاتٍ شهيرة واضحة .

قال شهاب الدِّين{[19794]} : " وقد روى ابن كثيرٍ - أيضاً - قصر التي في القصص ، وروي عنه - أيضاً - قصرُ " وَرائِي " في مريم ، وروي عنه أيضاً قَصْرُ : { أَن رَّآهُ استغنى } [ العلق : 7 ] في سورة العلق ، فقد روى عنه قصر بعض الممدودات ، فلا يبعد رواية ذلك هنا عنه " .

وبالجملة : قصر الممدود ضعيفٌ ؛ ذكره غير واحدٍ ؛ لكن لا يصلُ به إلى حدِّ الضرورة .

قوله : " تُشَاقُّون " قرأ نافع{[19795]} : بكسر النون خفيفة ، والأصل : تُشاقُّونِّي فحذفها مجتزئاً عنها بالكسرة .

والباقون : بفتحها ، خفيفة ، ومفعوله محذوف ، أي : تشاقُّون المؤمنين ، أو تشاقُّون الله ؛ بدليل القراءة الأولى .

وضعَّف أبو حاتم هذه القراءة ؛ أعني : قراءة نافع ، وقرأت فرقة{[19796]} : بتشديدها مكسورة ، والأصل : تُشَاقُّوننِي ؛ فأدغم ، وقد تقدم تفصيل ذلك في : { أَتُحَاجُّونِّي } [ الأنعام : 80 ] و{ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ } [ الحجر : 54 ] وسيأتي في قوله تعالى : { أَفَغَيْرَ الله تَأْمُرُونِّي } [ الزمر : 64 ] .

فصل

قال الزجاج : قوله { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ } ، أي : في زعمكم ، واعتقادكم ، ونظيره : { أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } [ الأنعام : 22 ] وحسنت هذه الإضافة لأنه يكفي في حسن الإضافة أدنى سببٍ ؛ كما يقال لمن يحمل خشبة : " خُذْ طَرفَكَ ، وآخُذُ طَرفِي " فأضاف الطَّرفَ إليهِ .

ومعنى " تُشَاقُّونَ " أي : تعادون ، وتخاصمون المؤمنين في شأنهم ، والمشاقَّة : عبارة عن كون أحد الخصمين في شقٍّ ، والخصم الآخر في الشق الآخر .

ثم قال تعالى : { قَالَ الذين أُوتُواْ العلم } قال ابن عباسٍ : يريد الملائكة{[19797]} ، وقال آخرون : هم المؤمنون الذين يقولون حين يرون خزي الكفار في القيامة : { إِنَّ الخزي اليوم والسوء } العذاب { عَلَى الكافرين } وفائدة هذا الكلام : أنَّ الكفار كانوا يتكبَّرون على المؤمنين في الدنيا ، فإذا ذكر المؤمنون هذا الكلام يوم القيامة ؛ كان هذا الكلام في إيذاء الكفار أكمل وحصول الشماتة أقوى .

فصل في احتجاج المرجئة بالآية

احتج المرجئة بهذه الآية على أنَّ العذاب مختصٌّ بالكافرين ، [ قالوا : ] فإن قوله تعالى : { إِنَّ الخزي اليوم والسوء } في يوم القيامة مختص بالكافرين ، ويؤكد هذا قول موسى - عليه السلام- : { إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ العذاب على مَن كَذَّبَ وتولى } [ طه : 48 ] .

قوله : " اليَوْمَ " منصوب ب " الخِزْيَ " وعمل المصدر فيه " ألْ " وقيل : هو منصوب بالاستقرار في { عَلَى الكافرين } إلاَّ أنَّ فيه فصلاً بالمعطوف بين العامل ومعموله ؛ واغتفر ذلك ؛ لأنهم يتوسَّعون في الظروف .


[19790]:في أ: أوجه.
[19791]:ينظر: السبعة 371، والإتحاف 2/182، والتيسير 137، والنشر 2/303، والبحر 5/471، والدر 4/322.
[19792]:ينظر: الإتحاف 2/182، والنشر 2/303، والحجة لأبي علي الفارسي 5/60، والقرطبي 10/66، والبحر 5/471، والدر المصون 4/322.
[19793]:سقط من ب.
[19794]:ينظر: الدر المصون 4/322.
[19795]:ينظر: السبعة 371، والإتحاف 2/183، والتيسير 137، والنشر 2/303، والبحر 5/471، والدر المصون 4/322.
[19796]:ينظر: البحر 5/471، والدر المصون 4/322.
[19797]:ذكره الرازي في "تفسيره" (20/18) عن ابن عباس.