تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُۥ عِندَ رَبِّكَ مَكۡرُوهٗا} (38)

{ كُلُّ ذَلِكَ } المذكور الذي نهى الله عنه فيما تقدم من قوله : { وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ } والنهي عن عقوق الوالدين وما عطف على ذلك { كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا } أي : كل ذلك يسوء العاملين ويضرهم والله تعالى يكرهه ويأباه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُۥ عِندَ رَبِّكَ مَكۡرُوهٗا} (38)

22

وتنتهي تلك الأوامر والنواهي والغالب فيها هو النهي عن ذميم الفعال والصفات بإعلان كراهية الله للسيى ء منها :

( كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها ) .

فيكون هذا تلخيصا وتذكيرا بمرجع الأمر والنهي وهو كراهية الله للسيى ء من تلك الأمور . ويسكت عن الحسن المأمور به ، لأن النهي عن السيئ هو الغالب فيها كما ذكرنا .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُۥ عِندَ رَبِّكَ مَكۡرُوهٗا} (38)

وقوله : كُلّ ذلكَ كانَ سَيّئُهُ عنْدَ رَبّكَ مَكْرُوها فإن القرّاء اختلفت فيه ، فقرأه بعض قرّاء المدينة وعامة قرّاء الكوفة كُلّ ذلكَ كانَ سَيّئُهُ عنْدَ رَبّكَ مَكْرُوها على الإضافة بمعنى : كلّ هذا الذي ذكرنا من هذه الأمور التي عددنا من مبتدإ قولنا وَقَضَى رَبّكَ ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إياهُ . . . إلى قولنا وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحا كانَ سَيّئُهُ يقول : سيىء ما عددنا عليك عند ربك مكروها . وقال قارئو هذه القراءة : إنما قيل كُلّ ذلكَ كانَ سَيّئُهُ بالإضافة ، لأن فيما عددنا من قوله وَقَضَى رَبّكَ ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إيّاهُ أمورا ، هي أمر بالجميل ، كقوله وَبالوَالدَيْنِ إحْسانا ، وقوله وآتِ ذَا القُرْبَى حَقّهُ وما أشبه ذلك ، قالوا : فليس كلّ ما فيه نهيا عن سيئة ، بل فيه نهى عن سيئة ، وأمر بحسنات ، فلذلك قرأنا سَيّئُهُ . وقرأ عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة : «كُلّ ذلكَ كانَ سَيّئَةً » وقالوا : إنما عنى بذلك : كلّ ما عددنا من قولنا وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إمْلاقٍ ولم يدخل فيه ما قبل ذلك . قالوا : وكلّ ما عددنا من ذلك الموضع إلى هذا الموضع سيئة لا حسنة فيه ، فالصواب قراءته بالتنوين . ومن قرأ هذه القراءة ، فإنه ينبغي أن يكون من نيته أن يكون المكروه مقدما على السيئة ، وأن يكون معنى الكلام عنده : كلّ ذلك كان مكروها سيئة لأنه إن جعل قوله : مكروها نعدّ السيئة من نعت السيئة ، لزمه أن تكون القراءة : كلّ ذلك كان سيئة عند ربك مكروهة ، وذلك خلاف ما في مصاحف المسلمين .

وأولى القراءتين عندي في ذلك بالصواب قراءة من قرأ كُلّ ذلكَ كانَ سيّئُهُ على إضافة السيىء إلى الهاء ، بمعنى : كلّ ذلك الذي عددنا من وَقَضَى رَبّكَ ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إيّاهُ . . . كانَ سَيّئُهُ لأن في ذلك أمورا منهيا عنها ، وأمورا مأمورا بها ، وابتداء الوصية والعهد من ذلك الموضع دون قوله وَلا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ إنما هو عطف على ما تقدّم من قوله وَقَضَى رَبّكَ ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إيّاهُ فإذا كان ذلك كذلك ، فقرأته بإضافة السيىء إلى الهاء أولى وأحقّ من قراءته سيئةً بالتنوين ، بمعنى السيئة الواحدة .

فتأويل الكلام إذن : كلّ هذا الذي ذكرنا لك من الأمور التي عددناها عليك كان سيئه مكروها عند ربك يا محمد ، يكرهه وينهى عنه ولا يرضاه ، فاتق مواقعته والعمل به .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُۥ عِندَ رَبِّكَ مَكۡرُوهٗا} (38)

{ كل ذلك } إشارة إلى الخصال الخمس والعشرين المذكورة . من قوله تعالى : { لا تجعل مع الله إلها آخر } وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : أنها المكتوبة في ألواح موسى عليه السلام . { كان سيّئه } يعني المنهي عنه فإن المذكورات مأمورات ومناه . وقرأ الحجازيان والبصريان { سيئه } على أنها خبر { كان } والاسم ضمير { كل } ، و{ ذلك } إشارة إلى ما نهى عنه خاصة وعلى هذا قوله : { عند ربك مكروها } بدل من { سيئه } أو صفة لها محمولة على المعنى ، فإنه بمعنى سيئا وقد قرئ به ، ويجوز أن ينتصب مكروها على الحال من المستكن في { كان } أو في الظرف على أنه صفة { سيئه } ، والمراد به المبغوض المقابل للمرضى لا ما يقابل المراد لقيام القاطع على أن الحوادث كلها واقعة بإرادته تعالى .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُۥ عِندَ رَبِّكَ مَكۡرُوهٗا} (38)

تذييل للجمل المتقدمة ابتداء من قوله تعالى : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } [ الإسراء : 23 ] باعتبار ما اشتملت عليه من التحذيرات والنواهي . فكل جملة فيها أمرٌ هي مقتضية نهياً عن ضده ، وكل جملة فيها نهي هي مقتضية شيئاً منهياً عنه ، فقوله : { ألا تعبدوا إلا إياه يقتضي عبادةً مذمومة منهياً عنها } ، وقوله : { وبالوالدين إحساناً } [ الإسراء : 23 ] يقتضي إساءة منهياً عنها ، وعلى هذا القياسُ .

وقرأ الجمهور { سَيِّئَةً } بفتح الهمزة بعد المثناة التحتية وبهاء تأنيث في آخره ، وهي ضد الحسنة .

فالذي وصف بالسيئة وبأنه مكروه لا يكون إلا منهياً عنه أو مأموراً بضده إذ لا يكون المأمور به مكروهاً للآمر به ، وبهذا يظهر للسامع معان اسم الإشارة في قوله : { كل ذلك } .

وإنما اعتبر ما في المذكورات من معاني النهي لأن الأهم هو الإقلاع عما يقتضيه جميعها من المفاسد بالصراحة أو بالالتزام ، لأن درء المفاسد أهم من جلب المصالح في الاعتبار وإن كانا متلازمين في مثل هذا .

وقوله : { عند ربك } متعلق ب { مكروهاً } أي هو مذموم عند الله . وتقديم هذا الظرف على متعلقه للاهتمام بالظرف إذ هو مضاف لاسم الجلالة ، فزيادة { عند ربك مكروهاً } لتشنيع الحالة ، أي مكروهاً فعلُه من فاعله . وفيه تعريض بأن فاعله مكروه عند الله .

وقرأ ابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف { كان سيئة } بضم الهمزة وبهاء ضمير في آخره . والضمير عائد إلى { كل ذلك } ، و { كل ذلك } هو نفس السيء فإضافة ( سيىء ) إلى ضميره إضافة بيانية تفيد قوة صفة السيء حتى كأنه شيئان يضاف أحدهما إلى الآخر . وهذه نكتة الإضافة البيانية كلما وقعت ، أي كان ما نهى عنه من ذلك مكروهاً عند الله .

وينبغي أن يكون { مكروهاً } خبراً ثانياً ل ( كان ) لأنه المناسب للقراءتين .