تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُۥ عِندَ رَبِّكَ مَكۡرُوهٗا} (38)

{ كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها }

التفسير :

38- { كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها } .

أي : كل الذي ذكر من الخصال أثناء الأوامر والنواهي ، وهي الخمس والعشرون {[406]} السالفة كان سيئه وهو ما نهى عنه منها- من الجعل مع الله إلها آخر ، وعبادة غيره من التأفف من الوالدين والبخل والتبذير وقتل الأولاد خشية الإملاق والزنا وقتل النفس وأكل مال اليتيم ، وتطفيف الكيل والميزان واتهام الناس بالزور والبهتان والتكبر والخيلاء ؛ مكروها عند ربك أي : مبغوضا عنده لا يرضى عنه .

أما من قرأ سيئة أي : فاحشة فمعناه عنده ، كل هذا الذي نهينا عنه ، من قوله : { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } . إلى هنا فهو سيئة مؤاخذة عليها مكروها عند الله لا يحبه ولا يرضاه .

وأما من قرأ سيئه على الإضافة فمعناه عنده كل هذا الذي ذكرناه من قوله : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } . إلى هنا فسيئه أي : فقبيحه مكروه عند الله فيكون هذا تلخيصا وتذكيرا بمرجع الأمر والنهي وهو كراهية الله للسيء من تلك الأمور ، وقد سكت عن الحسن المأمور به ؛ لأن النهي عن الشيء هو الغالب فيها {[407]} .

قال المهايمي : أما الشرك فلإخلاله بالكمال المطلق الذي لا يتصور مع الشرك ، وأما عبادة الغير فلِما فيها من تعظيمه ، المخصوص بذي الكمال المطلق فهو معنى الشرك ، وأما العقوق فلأنه كفران نعمة الأبوين في التربية أحوج ما يكون المرء إليها ، ومنع الحقوق بالبخل تفريط ، والتبذير والبسط إفراط وهما مذمومان ، والذميم مكروه .

والقتل يمنع الحكمة من بلوغها إلى كمالها ، والزنا وإتلاف مال اليتيم في معناه ، ونقص العهد مخل بنظام العالم وكذا اقتفاء ما لا يعلم . والتكبر من خواص الحق وعادة الملوك كراهة أن يأخذ أحد من خواصه شيئا ) {[408]} .


[406]:- قال في حاشية الجمل على الجلالين: فأولها: {لا تجعل مع الله إلها آخر}، ثانيها وثالثها: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} لاشتماله على تكليفين: الأمر بعبادة الله، والنهي عن عبادة غيره، رابعها: {وبالوالدين إحسانا}، خامسها: {ولا تقل لهما أف}، سادسها: {ولا تنهرهما}، سابعها: {وقل لهما قولا كريما}، ثامنها: {واخفض لهما جناح الذل}، تاسعا: {وقل رب ارحمهما}، عاشرها: {وآت ذا القربى حقه} (11) {والمسكين} (12) {وابن السبيل} (13) {ولا تبذر تبذيرا} (14) {فقل لهم قولا ميسورا} (15) {ولا تجعل يدك مغلولة} (16) {ولا تبسطها} (17) {ولا تقتلوا أولادكم} (18) {ولا تقربوا الزنا} (19) {ولا تقتلوا النفس} (20) {فلا يسرف في القتل}، والبقية: {وأوفوا بالعهد}، {وأوفوا الكيل}، {وزنوا بالقسطاس}، {ولا تقف}، {ولا تمش. . . } إلخ وكلها تكليفات.
[407]:- هذا التفسير مستفاد من التفاسير الآتية: تفسير الطبري 15/63، ابن كثير: 3/40، النيسابوري بهامش الطبري 15/39، حاشية الجمل على الجلالين: 2/626، القاسمي 10/3929.
[408]:- تفسير القاسمي 10/3929.