المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُۥ عِندَ رَبِّكَ مَكۡرُوهٗا} (38)

وقوله تعالى : { كل ذلك كان سيئة } الآية ، قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ، وأبو جعفر والأعرج «سيئة » ، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي والحسن ومسروق «سيئه » على إضافة سيىء إلى الضمير ، والإشارة على القراءة الأولى إلى ما تقدم ذكره مما نهي عنه كقول أف وقذف الناس والمرح وغير ذلك ، والإشارة على القراءة الثانية إلى جميع ما ذكر في هذه الآيات من بر ومعصية ، ثم اختص ذكر السيىء منه بأنه مكروه عند الله تعالى ، فأما من قرأ «سيئه » بالإضافة إلى الضمير فإعراب قراءته بين : وسيىء اسم { كان } و { مكروهاً } خبرها ، وأما من قرأ «سيئة » فهي الخبر ل { كان } ، و{[7577]}اختلف الناس في إعراب قوله { مكروهاً } ، فقالت فرقة هو خبر ثان ل { كان } حمله على لفظ كل ، و «سيئة » محمول على المعنى في جميع هذه الأشياء المذكورة قبل ، وقال بعضهم هو نعت ل { سيئة } لأنه لما كان تأنيثها غير حقيقي جاز أن توصف بمذكر .

قال القاضي أبو محمد : وضعف أبو علي الفارسي هذا ، وقال إن المؤنث إذا ذكر فإنما ينبغي أن يكون ما بعده وفقه ، وإنما التساهل أن يتقدم الفعل المسند إلى المؤنث وهو في صيغة ما يسند إلى المذكر ألا ترى أن قول الشاعر : [ المتقارب ] .

فلا مزنة ودقت ودقها . . . ولا أرض أبقل إبقالها{[7578]}

مستقبح عندهم ، ولو قال قائل ، أبقل أرض لم يكن قبيحاً ، قال أبو علي ولكن يجوز في قوله { مكروهاً } أن يكون بدلاً من { سيئة } ، قال ويجوز أن يكون حالاً من الذكر الذي في قوله { عند ربك } ويكون قوله { عند ربك } في موضع الصفة ل { سيئة } ، وقرا عبد الله بن مسعود «كان سيئاته » ، وروي عنه «كان سيئات » بغير هاء ، وروي عنه «كان خبيثة » ، وذهب الطبري إلى أن هذه النواهي كلها معطوفة على قوله أولاً : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } [ الإسراء : 23 ] وليس ذلك بالبين .


[7577]:قال الزمخشري: "السيئة في حكم الأسماء بمنزلة الذنب، والاسم زال عنه حكم الصفات، فلا اعتبار بتأنيثه، ولا فرق بين من قرأ: [سيئة] ومن قرأ: [سيئا]، ألا تراك تقول: الزنى سيئة، كما نقول: السرقة سيئة، فلا تفرق بين إسنادها إلى مذكر ومؤنث"، وهذا تخريج جيد.
[7578]:البيت لعامر بن جوين الطائي، وهو في الخزانة، والكتاب، وابن يعيش، وهمع الهوامع، والعيني، وابن الشجري، يصف أرضا بالخصب لكثرة الغيث، والمزنة: واحدة المزن وهو السحاب يحمل الماء، والودق: المطر، وأبقلت: أخرجت البقل، وهو ما ليس بشجر من النبات، والبيت شاهد عند النحويين على حذف التاء من (أبقلت) لضرورة الشعر، ويسوغ ذلك أن الأرض بمعنى المكان. وقد يعبر عن ذلك بأنه تذكير الصفة للمؤنث حملا على المعنى للضرورة. وهو قبيح كما قال أبو علي. وهناك تخريجات كثيرة للبيت غير ما أشرنا إليه. وعامر بن جوين هذا واحد من الخلعاء الفتاك، وقد تبرأ قومه من جرائره، وقد نزل به امرؤ القيس. وقد قتل حين غزت كلب بني جرم فجعل بعض فرسانها يدفعونه، فقال لهم: لا يكن لعامر بن جوين الهوان، فقالوا: وإنك لهو؟ قال: نعم، فذبحوه ومضوا، وجاء ابنه واسمه الأسود بن عامر وتتبعهم وأخذ منهم ثمانية، وقتلهم واحدا واحد أخذا بثأر أبيه.