ثم قال تعالى : { كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الأكثرون قرؤا سيئه بضم الهاء والهمزة وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو سيئه منصوبة أما وجه قراءة الأكثرين فظاهر من وجهين :
الوجه الأول : قال الحسن : إنه تعالى ذكر قبل هذا أشياء أمر ببعضها ونهى عن بعضها ، فلو حكم على الكل بكونه سيئة لزم كون المأمور به سيئة وذلك لا يجوز ، أما إذا قرأناه بالإضافة كان المعنى أن ما كان من تلك الأشياء المذكورة سيئة فهو مكروه عند الله واستقام الكلام .
والوجه الثاني : أنا لو حكمنا على كل ما تقدم ذكره بكونه سيئة لوجب أن يقال : إنها مكروهة وليس الأمر كذلك لأنه تعالى قال : { مكروها } أما إذا قرأناه بصيغة الإضافة كان المعنى أن سيئ تلك الأقسام يكون مكروها ، وحينئذ يستقيم الكلام . أما قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو : فيها وجوه : الأول : أن الكلام ، تم عند قوله : { ذلك خير وأحسن تأويلا } ثم ابتدأ وقال : { ولا تقف ما ليس لك به علم } . { ولا تمش في الأرض مرحا } .
ثم قال : { كل ذلك كان سيئه } والمراد هذه الأشياء الأخيرة التي نهى الله عنها . والثاني : أن المراد قوله : { كل ذلك } أي كل ما نهى الله عنه فيما تقدم . وأما قوله : { مكروها } فذكروا في تصحيحه على هذه القراءة وجوها : الأول : كل ذلك كان سيئة وكان مكروها . الثاني : قال صاحب «الكشاف » : السيئة في حكم الأسماء بمنزلة الذنب والإثم زال عنه حكم الصفات فلا اعتبار بتأنيثه ، ولا فرق بين من قرأ سيئة ومن قرأ سيئه . ألا ترى أنك تقول : الزنا سيئة كما تقول السرقة سيئة ، فلا تفرق بين إسنادها إلى مذكر ومؤنث . الثالث : فيه تقديم وتأخير ، والتقدير : كل ذلك كان مكروها وسيئة عند ربك . الرابع : أنه محمول على المعنى لأن السيئة هي الذنب وهو مذكر .
المسألة الثانية : قال القاضي : دلت هذه الآية على أن هذه الأعمال مكروهة عند الله تعالى ، والمكروه لا يكون مرادا له ، فهذه الأعمال غير مرادة لله تعالى فبطل قول من يقول : كل ما دخل في الوجود فهو مراد لله تعالى . وإذا ثبت أنها ليست بإرادة الله تعالى وجب أن لا تكون مخلوقة له لأنها لو كانت مخلوقة لله تعالى لكانت مرادة له لا يقال : المراد من كونها مكروهة أن الله تعالى نهى عنها ، وأيضا معنى كونها مكروهة أن الله تعالى كره وقوعها وعلى هذا التقدير فهذا لا يمنع أن الله تعالى أراد وجودها ، لأن الجواب عن الأول أنه عدول عن الظاهر ، وأيضا فكونها سيئة عند ربك يدل على كونها منهيا عنها فلو حملنا المكروه على النهي لزم التكرار .
والجواب عن الثاني : أنه تعالى إنما ذكر هذه الآية في معرض الزجر عن هذه الأفعال ، ولا يليق بهذا الموضع أن يقال : إنه يكره وقوعها هذا تمام هذا الاستدلال .
والجواب : أن المراد من المكروه المنهي عنه ولا بأس بالتكرير لأجل التأكيد ، والله أعلم .
المسألة الثالثة : قال القاضي : دلت هذه الآية على أنه تعالى كما أنه موصوف بكونه مريدا ، فكذلك أيضا موصوف بكونه كارها . وقال أصحابنا : الكراهية في حقه تعالى محمولة إما على النهي أو على إرادة العدم ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.