مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُۥ عِندَ رَبِّكَ مَكۡرُوهٗا} (38)

ثم قال تعالى : { كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : الأكثرون قرؤا سيئه بضم الهاء والهمزة وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو سيئه منصوبة أما وجه قراءة الأكثرين فظاهر من وجهين :

الوجه الأول : قال الحسن : إنه تعالى ذكر قبل هذا أشياء أمر ببعضها ونهى عن بعضها ، فلو حكم على الكل بكونه سيئة لزم كون المأمور به سيئة وذلك لا يجوز ، أما إذا قرأناه بالإضافة كان المعنى أن ما كان من تلك الأشياء المذكورة سيئة فهو مكروه عند الله واستقام الكلام .

والوجه الثاني : أنا لو حكمنا على كل ما تقدم ذكره بكونه سيئة لوجب أن يقال : إنها مكروهة وليس الأمر كذلك لأنه تعالى قال : { مكروها } أما إذا قرأناه بصيغة الإضافة كان المعنى أن سيئ تلك الأقسام يكون مكروها ، وحينئذ يستقيم الكلام . أما قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو : فيها وجوه : الأول : أن الكلام ، تم عند قوله : { ذلك خير وأحسن تأويلا } ثم ابتدأ وقال : { ولا تقف ما ليس لك به علم } . { ولا تمش في الأرض مرحا } .

ثم قال : { كل ذلك كان سيئه } والمراد هذه الأشياء الأخيرة التي نهى الله عنها . والثاني : أن المراد قوله : { كل ذلك } أي كل ما نهى الله عنه فيما تقدم . وأما قوله : { مكروها } فذكروا في تصحيحه على هذه القراءة وجوها : الأول : كل ذلك كان سيئة وكان مكروها . الثاني : قال صاحب «الكشاف » : السيئة في حكم الأسماء بمنزلة الذنب والإثم زال عنه حكم الصفات فلا اعتبار بتأنيثه ، ولا فرق بين من قرأ سيئة ومن قرأ سيئه . ألا ترى أنك تقول : الزنا سيئة كما تقول السرقة سيئة ، فلا تفرق بين إسنادها إلى مذكر ومؤنث . الثالث : فيه تقديم وتأخير ، والتقدير : كل ذلك كان مكروها وسيئة عند ربك . الرابع : أنه محمول على المعنى لأن السيئة هي الذنب وهو مذكر .

المسألة الثانية : قال القاضي : دلت هذه الآية على أن هذه الأعمال مكروهة عند الله تعالى ، والمكروه لا يكون مرادا له ، فهذه الأعمال غير مرادة لله تعالى فبطل قول من يقول : كل ما دخل في الوجود فهو مراد لله تعالى . وإذا ثبت أنها ليست بإرادة الله تعالى وجب أن لا تكون مخلوقة له لأنها لو كانت مخلوقة لله تعالى لكانت مرادة له لا يقال : المراد من كونها مكروهة أن الله تعالى نهى عنها ، وأيضا معنى كونها مكروهة أن الله تعالى كره وقوعها وعلى هذا التقدير فهذا لا يمنع أن الله تعالى أراد وجودها ، لأن الجواب عن الأول أنه عدول عن الظاهر ، وأيضا فكونها سيئة عند ربك يدل على كونها منهيا عنها فلو حملنا المكروه على النهي لزم التكرار .

والجواب عن الثاني : أنه تعالى إنما ذكر هذه الآية في معرض الزجر عن هذه الأفعال ، ولا يليق بهذا الموضع أن يقال : إنه يكره وقوعها هذا تمام هذا الاستدلال .

والجواب : أن المراد من المكروه المنهي عنه ولا بأس بالتكرير لأجل التأكيد ، والله أعلم .

المسألة الثالثة : قال القاضي : دلت هذه الآية على أنه تعالى كما أنه موصوف بكونه مريدا ، فكذلك أيضا موصوف بكونه كارها . وقال أصحابنا : الكراهية في حقه تعالى محمولة إما على النهي أو على إرادة العدم ، والله أعلم .