{ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ْ } في استعمال ما أمرا به ، والمشي خلف ذلك في جميع الأحوال .
{ وَلَا تَنَازَعُوا ْ } تنازعا يوجب تشتت القلوب وتفرقها ، { فَتَفْشَلُوا ْ } أي : تجبنوا { وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ْ } أي : تنحل عزائمكم ، وتفرق قوتكم ، ويرفع ما وعدتم به من النصر على طاعة اللّه ورسوله .
{ وَاصْبِرُوا ْ } نفوسكم على طاعة اللّه { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ْ } بالعون والنصر والتأييد ، واخشعوا لربكم واخضعوا له .
وأما طاعة الله ورسوله ، فلكي يدخل المؤمنون المعركة مستسلمين لله ابتداء ؛ فتبطل أسباب النزاع التي أعقبت الأمر بالطاعة : ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) . . فما يتنازع الناس إلا حين تتعدد جهات القيادة والتوجيه ؛ وإلا حين يكون الهوى المطاع هو الذي يوجه الآراء والأفكار . فإذا استسلم الناس للهورسوله انتفى السبب الأول الرئيسي للنزاع بينهم - مهما اختلفت وجهات النظر في المسألة المعروضة - فليس الذي يثير النزاع هو اختلاف وجهات النظر ، إنما هو الهوى الذي يجعل كل صاحب وجهة يصر عليها مهما تبين له وجه الحق فيها ! وإنما هو وضع " الذات " في كفة ، والحق في كفة ؛ وترجيح الذات على الحق ابتداء ! . . ومن ثم هذا التعليم بطاعة الله ورسوله عند المعركة . . إنه من عمليات " الضبط " التي لا بد منها في المعركة . . إنها طاعة القيادة العليا فيها ، التي تنبثق منها طاعة الأمير الذي يقودها . وهي طاعة قلبية عميقة لا مجرد الطاعة التنظيمية في الجيوش التي لا تجاهد لله ، ولا يقوم ولاؤها للقيادة على ولائها لله أصلاً . . والمسافة كبيرة كبيرة . .
وأما الصبر . فهو الصفة التي لا بد منها لخوض المعركة . . أية معركة . . في ميدان النفس أم في ميدان القتال .
( واصبروا ، إن الله مع الصابرين ) . .
وهذه المعية من الله هي الضمان للصابرين بالفوز والغلب والفلاح .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوَاْ إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ } .
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به : أطيعوا أيها المؤمنون ربكم ورسوله فيما أمركم به ونهاكم عنه ، ولا تخالفوهما في شيء . وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا يقول : ولا تختلفوا فتفرّقوا وتختلف قلوبكم فتفشلوا ، يقول : فتضعفوا وتجبنوا ، وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وهذا مثل ، يقال للرجل إذا كان مقبلاً عليه ما يحبه ويُسَرّ به : الريح مقبلة عليه ، يعني بذلك ما يحبه ، ومن ذلك قول عبيد بن الأبرص :
كمَا حَمَيْناكَ يَوْمَ النّعْفِ مِنْ شَطِبٍ ***والفَضْلُ للْقَوْمِ مِنْ رِيحٍ وَمِنْ عَدَدِ
يعني من البأس والكثرة . وإنما يراد به في هذا الموضع : وتذهب قوّتكم وبأسكم فتضعفوا ، ويدخلكم الوهن والخلل .
وَاصْبِرُوا يقول : اصبروا مع نبيّ الله صلى الله عليه وسلم عند لقاء عدوّكم ، ولا تنهزموا عنه وتتركوه . إنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ يقول : اصبروا فإني معكم .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ قال : نصركم . قال : وذهبت ريح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نازعوه يوم أُحد .
حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ فذكر نحوه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه ، إلا أنه قال : ريح أصحاب محمد حين تركوه يوم أُحد .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ قال : حربكم وجدّكم .
حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ قال : ريح الحرب .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ قال : الريح : النصر . لم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله تضرب وجوه العدوّ ، فإذا كان ذلك لم يكن لهم قوام .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا أي لا تختلفوا فيتفرّق أمركم . وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ فيذهب جدّكم . وَاصْبِرُوا إنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ : أي إني معكم إذا فعلتم ذلك .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا قال : الفشل : الضعف عن جهاد عدوّه والانكسار لهم ، فذلك الفشل .
{ وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا } باختلاف الآراء كما فعلتم ببدر أو أحد . { فتفشلوا } جواب النهي . وقيل عطف عليه ولذلك قرئ : { وتذهب ريحكم } بالجزم ، والريح مستعارة للدولة من حيث إنها في تمشي أمرها ونفاذه مشبهة بها في هبوبها ونفوذها . وقيل المراد بها الحقيقة فإن النصرة لا تكون إلا بريح يبعثها الله وفي الحديث " نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور " . { واصبروا إن الله مع الصابرين } بالكلاءة والنصرة .
أمرهم الله بشيء يعمّ نفعه المرء في نفسه وفي علاقته مع أصحابه ، ويسهل عليهم الأمور الأربعة ، التي أمروا بها آنفاً في قوله : { فاثبتوا واذكروا الله كثيراً } وفي قوله : { وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا } الآية . ألاَ وهو الصبر ، فقال : { واصبروا } لأنّ الصبر هو تحمّل المكروه ، وما هو شديد على النفس ، وتلك المأمورات كلّها تحتاج إلى تحمّل المكاره ، فالصبر يجمع تحمّل الشدائد والمصاعب ، ولذلك كان قوله : { واصبروا } بمنزلة التذييل .
وقوله : { إن الله مع الصابرين } إيماء إلى منفعة للصبرِ إلهيةٍ ، وهي إعانة الله لمن صبر امتثالاً لأمره ، وهذا مشاهد في تصرفات الحياة كلها .
وجملة { إن الله مع الصابرين } قائمة مقام التعليل للأمر ، لأنّ حرف التأكيد في مثل هذا قائم مقام فاء التفريع ، كما تقدّم في مواضع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.