جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ وَٱصۡبِرُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (46)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوَاْ إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ } .

يقول تعالى ذكره للمؤمنين به : أطيعوا أيها المؤمنون ربكم ورسوله فيما أمركم به ونهاكم عنه ، ولا تخالفوهما في شيء . وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا يقول : ولا تختلفوا فتفرّقوا وتختلف قلوبكم فتفشلوا ، يقول : فتضعفوا وتجبنوا ، وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وهذا مثل ، يقال للرجل إذا كان مقبلاً عليه ما يحبه ويُسَرّ به : الريح مقبلة عليه ، يعني بذلك ما يحبه ، ومن ذلك قول عبيد بن الأبرص :

كمَا حَمَيْناكَ يَوْمَ النّعْفِ مِنْ شَطِبٍ ***والفَضْلُ للْقَوْمِ مِنْ رِيحٍ وَمِنْ عَدَدِ

يعني من البأس والكثرة . وإنما يراد به في هذا الموضع : وتذهب قوّتكم وبأسكم فتضعفوا ، ويدخلكم الوهن والخلل .

وَاصْبِرُوا يقول : اصبروا مع نبيّ الله صلى الله عليه وسلم عند لقاء عدوّكم ، ولا تنهزموا عنه وتتركوه . إنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ يقول : اصبروا فإني معكم .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ قال : نصركم . قال : وذهبت ريح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نازعوه يوم أُحد .

حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ فذكر نحوه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه ، إلا أنه قال : ريح أصحاب محمد حين تركوه يوم أُحد .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ قال : حربكم وجدّكم .

حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ قال : ريح الحرب .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ قال : الريح : النصر . لم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله تضرب وجوه العدوّ ، فإذا كان ذلك لم يكن لهم قوام .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا أي لا تختلفوا فيتفرّق أمركم . وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ فيذهب جدّكم . وَاصْبِرُوا إنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ : أي إني معكم إذا فعلتم ذلك .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا قال : الفشل : الضعف عن جهاد عدوّه والانكسار لهم ، فذلك الفشل .