تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَٰثَةٖۘ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّآ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ وَإِن لَّمۡ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (73)

{ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ْ } وهذا من أقوال النصارى المنصورة عندهم ، زعموا أن الله ثالث ثلاثة : الله ، وعيسى ، ومريم ، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا .

وهذا أكبر دليل على قلة عقول النصارى ، كيف قبلوا هذه المقالة الشنعاء ، والعقيدة القبيحة ؟ ! كيف اشتبه عليهم الخالق بالمخلوقين{[273]} ؟ ! كيف خفي عليهم رب العالمين ؟ ! قال تعالى -رادا عليهم وعلى أشباههم - : { وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ ْ } متصف بكل صفة كمال ، منزه عن كل نقص ، منفرد بالخلق والتدبير ، ما بالخلق من نعمة إلا منه . فكيف يجعل معه إله غيره ؟ " تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا .

ثم توعدهم بقوله : { وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ْ }


[273]:- في ب: المخلوق
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَٰثَةٖۘ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّآ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ وَإِن لَّمۡ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (73)

ويستوفي القرآن الحكم على سائر مقولاتهم الكافرة : ( لقد كفر الذين قالوا : إن الله ثالث ثلاثة ) . .

ويقرر الحقيقة التي تقوم عليها كل عقيدة جاء بها رسول من عند الله : ( وما من إله إلا إله واحد ) . .

ويهددهم عاقبة الكفر الذي ينطقون به ويعتقدونه :

( وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم ) . .

والكافرون هم الذين لا ينتهون عن هذه المقولات التي حكم عليها الله بالكفر الصراح .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَٰثَةٖۘ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّآ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ وَإِن لَّمۡ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (73)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ لّقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلََهٍ إِلاّ إِلََهٌ وَاحِدٌ وَإِن لّمْ يَنتَهُواْ عَمّا يَقُولُونَ لَيَمَسّنّ الّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } . .

وهذا أيضا خبر من الله تعالى ذكره عن فريق آخر من الإسرائيليين الذين وصف صفتهم في الاَيات قبل أنه لما ابتلاهم بعد حسبانهم أنهم لا يتبلون ولا يفتنون ، قالوا كفرا بربهم وشركا : الله ثالث ثلاثة . وهذا قول كان عليه جماهير النصارى قبل افتراق اليعقوبية والملكانية والنسطورية ، كانوا فيما بلغنا يقولون : الإله القديم جوهر واحد يعمّ ثلاثة أقانيم : أبا والدا غير مولود ، وابنا مولودا غير والد ، وزوجا متتبعة بينهما . يقول الله تعالى ذكره مكذّبا لهم فيما قالوا من ذلك : وما مِنْ إلهٍ إلاّ إلهٌ وَاحِدٌ يقول : ما لكم معبود أيها الناس إلا معبود واحد ، وهو الذي ليس بوالد لشيء ولا مولود ، بل هو خالق كلّ والد ومولود . وإنْ لم يَنْتَهُوا عَمّا يَقُولُونَ يقول : إن لم ينتهوا قائلوا هذه المقالة عما يقولون من قولهم : الله ثالث ثلاثة ، لَيَمَسّنّ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ يقول : ليمسنّ الذين يقولون هذه المقالة ، والذين يقولون المقالة الأخرى هو المسيح ابن مريم لأن الفريقين كلاهما كفرة مشركون ، فلذلك رجع في الوعيد بالعذاب إلى العموم . ولم يقل : «ليمسنهم عذاب أليم » ، لأن ذلك لو قيل كذلك صار الوعيد من الله تعالى ذكره خاصّا لقائل القول الثاني ، وهم القائلون : الله ثالث ثلاثة ، ولم يدخل فيهم القائلون : المسيح هو الله . فعمّ بالوعيد تعالى ذكره كل كافر ، ليعلم المخاطبون بهذه الاَيات أن وعيد الله وقد شمل كلا الفريقين من بين إسرائيل ومن كان من الكفار على مثل الذي هم عليه .

فإن قال قائل : وإن كان الأمر على ما وصفت فعلى من عادت الهاء والميم اللتان في قوله : «مِنْهُمْ » ؟ قيل : على بني إسرائيل .

فتأويل الكلام إذ ان الأمر على ما وصفنا : وإن لم ينته هؤلاء الإسرائيليون عما يقولون في الله من عظيم القول ، ليمسنّ الذين يقولون منهم إن المسيح هو الله والذين يقولون إن الله ثالث ثلاثة وكلّ كافر سلك سبيلهم عذابٌ أليم بكفرهم بالله .

وقد قال جماعة من أهل التأوي نحو قولنا في أنه عنى بهذه الاَيات : النصارى . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : لَقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قالُوا إنّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ قال : قالت النصارى : هو المسيح وأمه ، فذلك قول الله تعالى : أأنْتَ قُلْتَ للنّاسِ اتّخِذُونِي وأُمّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد : لَقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قالُوا إنّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ نحوه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَٰثَةٖۘ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّآ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ وَإِن لَّمۡ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (73)

{ لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة } أي أحد ثلاثة ، وهو حكاية عما قاله النسطورية والملكانية منهم القائلون بالأقانيم الثلاثة وما سبق قول اليعقوبية القائلين بالاتحاد . { وما من إله إلا إله واحد } وما في الوجود ذات واجب مستحق للعبادة من حيث إنه مبدئ جميع الموجودات إلا إله واحد ، موصوف بالوحدانية متعال عن قبول الشركة ومن مزيدة للاستغراق . { وإن لم ينتهوا عما يقولون } ولم يوحدوا . { ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم } أي ليمسن الذين بقوا منهم على الكفر ، أو ليمسن الذين كفروا من النصارى ، وضعه موضع ليمسنهم تكريرا للشهادة على كفرهم وتنبيها على أن العذاب على من دام على الكفر ولم ينقلع عنه فلذلك عقبه بقوله : { أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه }

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَٰثَةٖۘ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّآ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ وَإِن لَّمۡ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (73)

هذه الآية إخبار مؤكد كالذي قبله ، وهو عن هذه الفرقة الناطقة بالتثليت وهي- فيما يقال- الملكية ، وهم فرق منهم النسطورية وغيرهم ، ولا معنى لذكر أقوالهم في كتاب تفسير ، إنما الحق أنهم على اختلاف أحوالهم كفار من حيث جعلوا في الألوهية عدداً ومن حيث جعلوا لعيسى عليه السلام حكماً إلهياً ، وقوله تعالى { ثالث ثلاثة } لا يجوز فيه إلا الإضافة وخفض { ثلاثةٍ } لأن المعنى أحد ثلاثة فإن قلت زيد ثالث اثنين أو رابع ثلاثة جازلك أن تضيف كما تقدم ، وجاز أن لا تضيف وتنصب ثلاثة على معنى زيد يربع ثلاثة ، وقوله تعالى { وما من إله إلا إله واحد } خبر صادع بالحق ، وهوالخالق المبتدع المتصف بالصفات العلى تعالى عما يقول المبطلون ، ثم توعد تبارك وتعالى هؤلاء القائلين هذه العظيمة بمس العذاب ، وذلك وعيد بعذاب الدنيا من القتل والسبي ، وبعذاب الآخرة بعد ، لا يفلت منه أحد منهم .