وحملوا وزرهم ووزر من انقاد لهم إلى يوم القيامة . وقوله : { وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ْ } أي : من أوزار المقلدين الذين لا علم عندهم إلا ما دعوهم إليه ، فيحملون إثم ما دعوهم إليه ، وأما الذين يعلمون فكلٌّ مستقلٌّ بجرمه ، لأنه عرف ما عرفوا { أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ْ } أي : بئس ما حملوا من الوزر المثقل لظهورهم ، من وزرهم ووزر من أضلوه .
( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ )
وهكذا يؤدي بهم ذلك الإنكار والاستهتار إلى حمل ذنوبهم وشطر من ذنوب الذين يضلونهم بهذا القول ، ويصدونهم عن القرآن والإيمان ، وهم جاهلون به لا يعلمون حقيقته . . ويصور التعبير هذه الذنوب أحمالا ذات ثقل - وساءت أحمالا وأثقالا ! - فهي توقر النفوس كما توقر الأحمال الظهور ، وهي تثقل القلوب ، كما تثقل الأحمال العواتق ، وهي تتعب وتشقي كما تتعب الأثقال حامليها بل هي أدهى وأنكى !
روى ابن أبي حاتم عن السدي قال : " اجتمعت قريش ، فقالوا : إن محمدا رجل حلو اللسان ، إذا كلمه الرجل ذهب بعقله ، فانظروا ناسا من أشرافكم المعدودين المعروفة أنسابهم ، فابعثوهم في كل طريق من طرق مكة على رأس ليلة أو ليلتين ، فمن جاء يريده فردوه عنه . فخرج ناس في كل طريق فكان إذا أقبل الرجل وافدا لقومه ينظر ما يقول محمد ، ووصل إليهم ، قال أحدهم : أنا فلان ابن فلان . فيعرفه نسبه ، ويقول له : أنا أخبرك عن محمد . إنه رجل كذاب لم يتبعه على أمره إلا السفهاء والعبيد ومن لا خير فيهم ، وأما شيوخ قومه وخيارهم فمفارقون له . فيرجع الوافد . فذلك قوله تعالى : ( وإذا قيل لهم : ماذا أنزل ربكم ؟ قالوا : أساطير الأولين ) . فإن كان الوافد ممن عزم الله له الرشاد ، فقالوا له مثل ذلك قال : بئس الوافد لقومي إن كنت جئت حتى إذا بلغت مسيرة يوم رجعت قبل أن ألقى هذا الرجل ، وانظر ما يقول وآتي قومي ببيان أمره . فيدخل مكة ، فيلقى المؤمنين فيسألهم ماذا يقول محمد ؟ فيقولون : خيرا . . " .
القول في تأويل قوله تعالى : { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الّذِينَ يُضِلّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : يقول هؤلاء المشركون لمن سألهم ماذا أنزل ربكم : الذي أنزل ربنا فيما يزعم محمد عليه أساطير الأوّلين ، لتكون لهم ذنوبهم التي هم عليها مقيمون من تكذيبهم الله ، وكفرهم بما أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن ذنوب الذين يصدّونهم عن الإيمان بالله يضلون يفتنون منهم بغير علم . وقوله : ألا ساءَ ما يَزِرُونَ يقول : ألا ساء الإثم الذي يأثمون والثقل الذي يتحملون .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن نجيح ، عن مجاهد ، قوله : لِيَحْمِلُوا أوْزَارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ القِيامَةِ ومن أوزار من أضلوا احتمالهم ذنوب أنفسهم وذنوب من أطاعهم ، ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم من العذاب شيئا .
حدثنا الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه ، إلا أنه قال : ومن أوزار الذين يضلونهم حملهم ذنوب أنفسهم ، وسائر الحديث مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حُذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وحدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : لِيَحْمِلُوا أوْزَارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ القِيامَةِ وَمِنْ أوْزَارِ الّذِينَ يُضِلّونَهُمْ قال : حملهم ذنوب أنفسهم وذنوب من أطاعهم ، ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم من العذاب شيئا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : لِيَحْمِلُوا أوْزَارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ القِيامَةِ أي ذنوبهم وذنوب الذين يضلونهم بغير علم ، ألا ساءَ ما يَزِرُونَ .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : لِيَحْمِلُوا أوْزَارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ القِيامَةِ وَمِنْ أوْزَارِ الّذِينَ يُضِلّونَهُمْ بغيرِ عِلْمٍ يقول : يحملون ذنوبهم ، وذلك مثل قوله : وأثْقالاً مَعَ أثْقالِهِمْ يقول : يحملون مع ذنوبهم ذنوب الذين يُضِلُونهم بغير علم .
حدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : لِيَحْمِلُوا أوْزَارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ القِيامَةِ وَمِنْ أوْزَارِ الّذِينَ يُضِلّونَهُمْ بغيرِ عِلْمٍ ألا ساءَ ما يَزِرُونَ قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «أيّمَا دَاعِ دَعا إلى ضَلالَةٍ فاتّبِعَ ، فإنّ عَلَيْهِ مِثْلَ أوْزَارِ مَنِ اتّبَعَهُ مِنْ غيرِ أنْ يُنْقَصَ مِنْ أوْزَارِهِمْ شَيْءٌ . وأيّمَا دَاعِ دَعا إلى هُدًى فاتّبِعَ ، فَلَهُ مِثْلُ أجُورِهِمْ مِنْ غيرِ أنْ يُنْقَصَ مِنْ أجوْرِهِمْ شَيْءٌ » .
حدثني المثنى ، قال : أخبرنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن رجل ، قال : قال زيد بن أسلم : إنه بلغه أنه يتمثل للكافر عمله في صورة أقبح ما خلق الله وجها وأنتنه ريحا ، فيجلس إلى جنبه ، كلما أفزعه شيء زاده فزعا وكلما تخوّف شيئا زاده خوفا ، فيقول : بئس الصاحب أنت ومن أنت ؟ فيقول : وما تعرفني ؟ فيقول : لا ، فيقول : أنا عملك كان قبيحا فلذلك تراني قبيحا ، وكان منتنا فلذلك تراني منتنا ، طأطىء إليّ أركبك فطالما ركبتني في الدنيا فيركبه ، وهو قوله : لِيَحْمِلُوا أوْزَارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ القِيامَةِ .
{ ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة } أي قالوا ذلك إضلالا للناس فحملوا أوزار ضلالهم كاملة فإن إضلالهم نتيجة رسوخهم في الضلال . { ومن أوزار الذين يضلّونهم } وبعض أوزار ضلال من يضلونهم وهو حصة التسبب . { بغير علم } حال من المفعول أي يضلون من لا يعلم أنهم ضلال ، وفائدتها الدلالة على أن جهلهم لا يعذرهم ، إذ كان عليهم أن يبحثوا ويميزوا بين المحق والمبطل . { ألا ساء ما يزرُون } بئس شيئا يزرونه فعلهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.